توقعات بارتفاع أسعار النفط إلى 80 دولار للبرميل.. فما تأثيره على دول الخليج؟
تلوح التوقعات الواردة بشأن أسعار النفط بوجود تعافٍ في اقتصاديات دول الخليج التي عانت أسوأ أزمة اقتصادية
ومالية في تاريخها، نتيجة التبعات السلبية لتفشي جائحة كورونا، وهبوط أسعار النفط، المصدر الرئيس للدخل
بالمنطقة وسط انخفاض الطلب العالمي.
بنك “غولدمان ساكس” الأمريكي كان توقعه لافتاً للنظر حين تحدث تقرير صادر عنه مؤخراً بأن أسعار النفط سترتفع
إلى 80 دولاراً للبرميل في الربع الرابع من 2021.
البنك الأمريكي، الذي يعد أحد أكبر المؤسسات المالية بالعالم، قال في تقريره: “تظل المبررات لارتفاع أسعار النفط
كما هي بالنظر إلى الارتفاع الكبير في الطلب مع توسع نطاق التحصن من كورونا، في مواجهة إمدادات لا تتسم
بالمرونة”.
وأوضح “غولدمان ساكس” أنَّ تعافي الطلب في أسواق الدول المتقدمة سيعادل أثر الضربة التي تلقاها الاستهلاك
مؤخراً بسبب جائحة كورونا، وما تبع ذلك من بطء محتمل في التعافي بجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية.
وتوقع البنك أن يزيد الطلب 4.6 ملايين برميل يومياً حتى نهاية العام، مشيراً إلى أن “أغلب الزيادة مرجحة في
الأشهر الثلاثة المقبلة”.
تأثير كورونا
ويرى الخبير الاقتصادي نمر أبو كف، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن “وصول سعر برميل النفط إلى 80 دولاراً
وفق ما يتوقع البنك الأمريكي، يتطلب القضاء نهائياً على فيروس كورونا، وعودة التجارة العالمية، وفتح الحدود
وعودة السياحة إلى ما كانت عليه قبل عام 2020″.
ويرى أبو كف أن فيروس “كورونا” لم يتراجع وما زالت تأثيرات الفيروس في أوجها، وما زال العالم يعاني من
الإغلاق، والتجارة العالمية تعاني من ركود، وفق قوله، مبيناً أن هناك تأثراً كبيراً في اقتصادات العالم خاصة
الاقتصادات الكبيرة مثل أمريكا والصين.
وعليه؛ يرى أبو كف أن ارتفاع أسعار النفط يرتبط بعودة النشاط الاقتصادي لهذه الدول الكبيرة.
تفاؤل بعد تقشف
دول مجلس التعاون، عملاقة تصدير البترول في العالم، واجهت عجزاً غير مسبوق خلال العام الماضي، بسبب
التراجع الكبير في الطلب على النفط، من جرّاء تداعيات جائحة كورونا.
واضطرت حكومات الخليج التي تعتمد على النفط مصدراً أساسياً للدخل، إلى تخفيض موازناتها وإقرار إجراءات
تقشف حكومي غير مسبوقة؛ للحد من تداعيات تهاوي أسعار النفط.
وأواخر أبريل الماضي، قالت وكالة “فيتش” للتصنيفات الائتمانية إن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي ستواجه
عجزاً مالياً مرتفعاً كنسبة للناتج المحلي خلال 2021، بضغط تداعيات جائحة كورونا، وضعف أسعار النفط.
واتجهت دول الخليج إلى إقرار إصلاحات اقتصادية، عندما انهارت أسعار النفط عام 2014، لكنها لم تستجب بالقدر
الكافي، وتفاقمت الأمور مع الجائحة التي تستدعي تطبيق إصلاحات أعمق لإنقاذ اقتصادات المنطقة.
لكن موجة تفاؤل تسيطر على الدول المصدرة للنفط بقرب وضع فيروس “كوفيد -19” تحت السيطرة، بعد نجاح
استخدام الأنواع المختلفة من اللقاحات الواقية منه، خصوصاً في الدول الصناعية، وهو ما شجع مصافي النفط
ومحطات توليد الكهرباء على بناء مخزونات جديدة استعداداً لاحتمالات زيادة الطلب.
لكن المحلل الاقتصادي نمر أبو كف يرى أن “من الصعب التنبؤ بمنحنى كورونا التي تضرب اليوم واحداً من أكبر
اقتصادات العالم وهي الهند، فضلاً عن تأثيرها على بقية اقتصادات دول العالم”.
وأعرب عن اعتقاده بأن يقارب سعر برميل النفط نهاية العام الحالي حدود 65 دولاراً؛ “وذلك لأن السوق العالمية
حالياً مشبعة بالنفط”.
وتوقع أيضاً أن يبدأ التعافي وسط 2022 “وهذا منوط بمنحنى السيطرة على كورونا”، وفق قوله.
اتساع العجز
باستثناء قطر، أدى انهيار الأسعار في العام الماضي إلى اتساع العجز المالي في كل الدول العربية النفطية.
ويعود السبب في استثناء قطر إلى أنها وضعت الميزانية على أساس سعر متحفظ جداً بلغ 39.9 دولاراً للبرميل، في
حين بلغ متوسط سعر خام برنت عام 2020 حوالي 41.9 دولاراً، فكانت بذلك الدولة الخليجية الوحيدة التي نجت
بعد عجز متواصل منذ عام 2017.
وتقدر مؤسسة “ستاندرد آند بورز” للتقييم الائتماني عجز ميزانيات دول الخليج بين عامي 2020 و2023 بحوالي
490 مليار دولار.
وتضمنت ميزانيات الكويت وسلطنة عُمان والبحرين تحديد سعر النفط المتوقع لعام 2021 عند 45 دولاراً للبرميل
في حين يعتقد خبراء النفط أن السعودية، التي لا تعلن عادة عن سعر النفط التقديري في الميزانية، وضعت سعراً غير
معلن قدره 48 دولاراً للبرميل.
ووفق حديث “أبو كف” لـ”الخليج أونلاين”، تلجأ الدول النفطية إلى وضع موازناتها السنوية وفق الحد الأدنى لأسعار
النفط، لكنه يشير إلى نقطة يجدها مهمة تتمثل ببحث الدول المنتجة للنفط، مثل السعودية، عن مصادر أخرى
للواردات، مفيداً: “أصبح الاهتمام كبيراً بتنويع الاقتصاد وجرى فرض ضرائب في جميع دول الخليج على المبيعات”.
أثر ارتفاع أسعار النفط
أبو كف يرى أن أثر ارتفاع أسعار النفط، وبلوغه 80 دولاراً للبرميل وفق تقديرات بنك “غولدمان ساكس”، سيرجح
كفة دعم اقتصادات الدول الخليجية.
واعتبر أن وصول سعر النفط إلى 80 دولاراً للبرميل سيجعل اقتصاديات دول الخليج تشهد تقدماً ونمواً.
لكن رغم ذلك يحذر الخبير الاقتصادي من “عوامل تؤدي إلى تآكل الزيادة في أسعار النفط”، ومن هذه العوامل
“الحرب في اليمن التي تخوضها السعودية، وهي حرب مكلفة”.
أيضاً تشمل العوامل التي يتحدث عنها أبو كف التوترات الدولية المحيطة مثل تلك المتعلقة بالملف النووي الإيراني
والتوترات في القرن الأفريقي مثل تلك المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي، وأيضاً الأوضاع في غزة.
وأشار إلى أن أسعار النفط بشكل عام ليست فقط خاضعة للعرض والطلب، “بل هي تخضع أيضاً للعوامل السياسية
والتوترات التي تحصل في العالم، خاصة إن كانت هذه التوترات تمس المناطق التي يمر منها نحو 25% من النفط
العالم”.