قطر تعمل للسيطرة على سوق الغاز عالميا.. فماذا يعني زيادة إنتاجها بنسبة 60%؟
تعمل قطر بجهد كبير لاستمرار صدارتها في توريد الغاز المسال إلى العالم، رغم قوة المنافسين الآخرين، خصوصاً
أن بينهم دولاً كبرى ومؤثرة دولياً.
وتهيمن دولة قطر على إنتاج الغاز المسال، عبر إنتاج هائل، وخطط جريئة؛ للمحافظة على مركزها الأول عالمياً
إضافة إلى التوسع في مشاريع الطاقة وعقد الشراكات التي تؤمّن لها مزيداً من الأسواق المستورِدة لغازها.
وبعد أقل من 3 أشهر على إعلان الدوحة خطتها لرفع سوية إنتاج الغاز المسال في مارس 2021، أعلنت قطر أنها
بصدد رفع قوة الإنتاج مجدداً، ما يعني توسعاً أكبر وأسواقاً جديدة.
وتعمل قطر للسيطرة على أكبر قدر ممكن من سوق الغاز عالمياً والذي ينمو بسرعة، محققاً أرباحاً ضخمة للغاية
عبر طاقة إنتاجية قوية، ومرونة مع المشترين، إضافة إلى توسيع قدراتها الإنتاجية إلى حدود غير متوقعة من قِبل
المنافسين.
رفع الطاقة الإنتاجية من الغاز
وفي مارس 2021، قررت “قطر للبترول”، رفع قوة الإنتاج إلى 40% في عام 2026، ما قد يدفع الأسعار إلى
مزيد من الانخفاض مع توفير فائض من السلعة القطرية.
ويأتي ذلك في ظل مشروع قطر لتوسعة حقل الشمال، حيث تعمل الدوحة على زيادة الإنتاج بنسبة 40% سنويا
بحلول 2026، وهو ضمن المرحلة الأولى فقط.
وستكلف زيادة السعة الإنتاجية 28.75 مليار دولار، على أن يدخل المشروع حيز التشغيل بحلول عام 2025.
وتؤثر هذه الخطط بشكل وثيق على منافسي قطر بقطاع الطاقة، لأنها ستُبقي قطر في صدارة المورِّدين، كما أنها
ستتركها مهيمنة على سوق الغاز المسال.
وتبلغ الاحتياطيات القطرية نحو 15% من احتياطي الغاز الطبيعي المكتشف في العالم، وارتفع إنتاج الغاز
الطبيعي في قطر بنسبة 17.9%، أي 5.8 مليارات قدم مكعبة، حيث يعتبر هذا أعلى معدل توسُّع في منطقة الشرق
الأوسط، إذ يسهم حقل غاز الشمال بمعظم الإنتاج القطري للغاز.
وفي خطوة جريئة، وتزامناً مع فعاليات منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي في روسيا، أعلن أمير قطر الشيخ تميم
بن حمد آل ثاني (في 4 يونيو 2021)، أن بلاده بصدد زيادة نسبة الإنتاج إلى 60% في عام 2026، أي بزيادة
تصل إلى 20% عما أُعلِنَ عنه قبل أشهر فقط، وهو ما قد يحمل مفاجأة لأسواق الطاقة العالمية، بخصوص عقود
التوريد ونسب الأسعار.
وفي إطار قرارات رفع سوية الإنتاج القطرية، سبق أن قال سول كافونيك، المحلل لدى “كريدي سويس”، إن التسويق
القطري لديه القدرة على تقويض الموردين المنافسين، وقد ساعد بالفعل في الضغط على أسعار عقود الغاز المسال
على مدى العامين الأخيرين، بحسب وكالة “رويترز”.
كذلك قال تشونج جي شين، المدير لدى شركة الأبحاث “آي إتش إس ماركت” (IHS Markit): “بهذا القرار
ستعيد (قطر) مرة أخرى تأكيد هيمنتها كأكبر مورِّد للغاز المسال في العالم”.
وأضاف: إن “قرار المضي قدماً هذا يزاحم بالتأكيد اللاعبين الآخرين، ونتوقع أن تحتاج الشركات إلقاء نظرة فاحصة
طويلة على مشاريعها؛ لتحديد ما إذا كانت قادرة على إيجاد ميزة تنافسية”.
خطط أكثر من طموحة
ويظهر أن قطر تفكر استراتيجياً وللمستقبل، في قراراتها الخاصة بزيادة سعة الإنتاج، فهي تنفق مليارات الدولارات
على توسيع حقول الغاز التي تستخرج منها.
وقالت وكالة بلومبيرغ الأمريكية في تقرير، إن قطر تخطط لإنفاق استثمارات ضخمة بمليارات الدولارات؛ لتكون
أكبر منتِج للغاز خلال العقدين المقبلين، مضيفةً أن الدوحة تقوم بتوسيع طاقتها من الغاز الطبيعي المسال بأكثر من
50% إلى 126 مليون طن سنوياً.
وأردفت الوكالة: إن الدوحة “تهدف من ذلك إلى أن تكون أكبر منتِج للغاز الطبيعي المسال في العالم خلال العقدين
المقبلين، على الأقل”.
وتابعت: “قطر ستكون قادرة على إنتاج الغاز الطبيعي المسال في المرحلة الأولى من التوسع بتكلفة زهيدة، بحيث
تكون قابلة للاستمرار حتى لو انخفضت أسعار النفط إلى أقل من 20 دولاراً للبرميل”.
وتمارس الدوحة سياسة توسُّع استثمارية بقطاع الطاقة منذ سنوات، خاصة في ظل وجود الاحتياطيات الهائلة المتاحة
بحقل الشمال الذي يحتوي على 1760 تريليون قدم مكعبة من الغاز، يضاف إليها أكثر من 70 مليار برميل من
المكثفات، وكميات من الغاز البترولي المسال والإيثيلين.
وفي ظل توسع أسواقها المستوردة، أبرمت قطر في مارس 2021، اتفاقيتين مهمتين لتوريد الغاز المسال، مع
باكستان والصين، وهو ما يزيد الهيمنة القطرية على أسواق الطاقة لوقت أطول.
ومن الواضح أن الدوحة تسعى فعلياً لحجز المركز الأول بتصدير الغاز بشكل دائم، خصوصاً أنها سوق سريعة النمو
والعالم يعتمد على الغاز بشكل مطرد.
كما قال موقع “Oil Price” العالمي المتخصص في شؤون النفط والغاز، إن قطر مؤهلة للسيطرة على السوق
العالمية، بفعل طاقتها الإنتاجية ومرونتها مع المشترين.
وذهب الموقع إلى أن اتفاقيتي قطر مع الصين وباكستان ستُبقيانها في دائرة الضوء بمشهد الغاز الطبيعي المسال خلال
عام 2021.
كذلك، أكّد موقع “أويل برايس” الاقتصادي الأمريكي، أن مشروع دولة قطر لتوسيع طاقتها الإنتاجية سيجعل الغاز
القطري الأفضل عالمياً.
وأشار الموقع إلى أن الشيء الأكثر أهمية في المشروع القطري ليس حجمه الهائل فحسب، بل كونه أكبر مشروع
للغاز الطبيعي المسال في العالم.
ماذا يعني رفع إنتاج الغاز بنسبة 60%؟
وفي ظل زيادة الإنتاج لدرجات أعلى، ما أهمية خطوة قطر الجديدة برفع طاقتها الإنتاجية من الغاز؟ خاصةً أنه لم تمر
مدة طويلة على قراراتها المتعلقة برفع الطاقة الإنتاجية.
وعن ذلك قال الباحث في الاقتصاد السياسي سامر عمران، إن قطر هي الأقوى اليوم في إنتاج الطاقة عالمياً، وتسعى
عبر خططها وبرامجها ومشاريعها للمحافظة على هذه الدرجة، وهو أمرٌ ليس سهلاً، خصوصاً أن هناك منافسين
أقوياء مثل روسيا وأستراليا، وبدرجة أقل، إيران باعتبارها مثقلة بالعقوبات، وتعتمد على توريد النفط أيضاً”.
وأضاف عمران في حديث مع “الخليج أونلاين“: إن “الاحتياطي الكبير الذي تملكه قطر والذي يقدَّر بأكثر من (1.7
تريليون قدم مكعبة من الغاز)، يجعلها تفكر في زيادة الإنتاج، إضافة إلى البحث عن مستوردين وتقديم عروض
سعرية منافسة لهم، وهو ما يجعلها محط اهتمام دولي، فهي في موقع جغرافي مهم يتوسط العالم، ولديها أسعار أقل
من الدول الأخرى”.
ولفت إلى أن “هذه الخطط تأتي بالاستفادة من زيادة الطلب مع خطط دول العالم للتحول من النفط والفحم إلى طاقة
الغاز الأنظف”.
كما أشار إلى أن “زيادة الإنتاج خلال السنوات الأربع القادمة، بنسبة 60%، تعني توافر كميات أكبر من الغاز
المسال، ومن ثم انخفاض الأسعار، بنسبة تتراوح بين 4 و5 دولارات لكل وحدة حرارية بين قطر ومنافسيها”.
وذكر الباحث أن “هناك تقارير أشارت إلى أن قطر خفضت أسعار الغاز المسال لديها؛ للفوز بصفقات طويلة الأمد
مثل صفقتها مع باكستان، عبر واحدة من أقل الصفقات تسعيراً على الإطلاق”.
ويعتقد عمران أن “التوجهات القطرية ليست محل استحسان من بعض الدول، ولكن لا يمكنهم فعل أي شيء حيال
ذلك، خصوصاً أن قطر لديها علاقات قوية مع حلفاء وبينهم مستوردون كالولايات المتحدة ودول أوروبا والصين
وهو ما يجعلها بموقع قوي على الساحة الدولية”.