تأخر عملية شراء اللقاحات وصنعها وتوزيعها يجعل عددا من بلدان العالم عرضة لتفشي فيروسات جديدة ومواجهة نكسات اقتصادية.
في سبعينيات القرن الماضي، بدا أن ثروات الاقتصاد العالمي بكل تنوعه اللامتناهي وتعقيده تتمحور حول منتج واحد وهو النفط، وكانت هذه المادة الحيوية -التي كانت مجموعة محدودة من البلدان تصدرها- رهينة قوى سياسية شرسة.
وقالت مجلة “إيكونوميست” (economist) البريطانية إن الآفاق الاقتصادية في العالم باتت تعتمد اليوم على مواد أخرى بالغة الأهمية، على غرار اللقاحات التي يتم إنتاجها أيضا بشكل محدود ولها تأثير سياسي ويتم توزيعها بشكل غير متساوٍ
ويساعد تطعيم السكان -في نطاق واسع- الولايات المتحدة على الازدهار، مما يدفع التضخم الأساسي لبلوغ أعلى معدلاته منذ عام 1992. في الأثناء يجعل تأخرُ عملية شراء اللقاحات وصنعها وتوزيعها العديدَ من بلدان العالم عرضة لتفشي فيروسات جديدة ومواجهة نكسات اقتصادية.
ويضطلع مجلس الاحتياطي الفدرالي بوضع السياسة النقدية في الولايات المتحدة الأميركية، لكن صدى قراراته ومداولاته يتردد عالميا، وتشمل تداعياتها الترفيع في تكاليف الاقتراض بالنسبة للاقتصادات على الجانب الآخر من التنافس على اللقاح.
ووفقا للبنك الدولي -الذي قام بتحديث تكهناته هذا الشهر (يونيو/حزيران)- من المنتظر أن يسجل الاقتصاد العالمي نموا سريعا هذا العام (2021) بنسبة 5.6%، ولكن في حين تعتبر الآفاق واعدة أمام الدول الغنية التي عملت العديد منها على تطعيم شعوبها بسرعة نسبية؛ يبدو أن بعض الاقتصادات تسير بالاتجاه المعاكس في المناطق التي تأخر فيها التطعيم، لا سيما أفقر البلدان.
ومن بين الاقتصادات الكبرى التي ركز عليها البنك الدولي؛ من المتوقع أن تحقق الاقتصادات العشرة التي تتمتع بأعلى معدلات التطعيم نموا بنسبة 5.5% هذا العام بمعدل متوسط، بينما يرجح أن تنمو الاقتصادات العشرة ذات أقل معدلات تطعيم بنسبة 2.5% فقط
التفاوت في التطعيم
بفضل وتيرة التطعيم الأميركية ارتفعت توقعات معدل نمو الاقتصاد الأميركي لعام 2021 من 3.5% إلى 6.8%
منذ أن أصدر البنك الدولي آخر توقعاته في يناير/كانون الثاني الماضي. وتعتبر التوقعات الخاصة بالاقتصادات الناشئة -التي اتبعت عملية تطعيم سريعة- أفضل من نظرائها.
وضمن أفقر 29 اقتصادا في العالم؛ تلقى 0.3% فقط من السكان جرعة واحدة من اللقاح، وقد تدهورت آفاق نمو هذه
المجموعة بالفعل منذ يناير/كانون الثاني الماضي، ومن المقرر أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لهذه الاقتصادات بنسبة
2.9% هذا العام وليس بنسبة 3.4% كما كان متوقعا قبل 6 أشهر، ليكون ثاني أسوأ أداء لهذه البلدان خلال العقدين الماضيين، علما أن أسوأ أداء سُجل العام الماضي (2020).
وذكرت المجلة أن التطعيم يساعد البلدان على النمو بطريقتين على الأقل، فهو يسمح للدول بالتخفيف من إجراءات
الإغلاق أو أي قيود أخرى مفروضة على التفاعل الاجتماعي من شأنها أن تعيق الاقتصاد.
مؤسسة غولدمان ساكس
وأشارت مؤسسة “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs) المصرفية إلى أن البلدان التي يُرجح أن تحقق أداء
متفوقا خلال الأشهر القليلة المقبلة هي تلك التي تحرز تقدما سريعا في حملة التطعيم بينما لا تزال تفرض قيودا
اجتماعية، وفي هذه البلدان لا تزال البيانات الاقتصادية مُحبِطة بسبب القيود التي ستخفف قريبا بفضل وتيرة التطعيم،
أما في بلدان أخرى -مثل تايوان- لم تظهر حالات تفشي جديدة لكوفيد-19 بالكامل في المؤشرات الاقتصادية السائدة
التي لا تزال قوية.
ويكشف نموذج “ناو كاست” لـ”جي بي مورغان” -الذي يحاول التنبؤ بوضعية الاقتصاد اليوم بناء على استطلاعات
وبيانات شهرية- أن تايوان نمت بوتيرة سنوية وصلت إلى 9% في الربع الثاني، لكن في الحقيقة يعتقد البنك أن
اقتصاد تايوان سينكمش خلال تلك الفترة.
وعلى النقيض من ذلك، يتوقع جي بي مورغان أن يؤدي التطعيم واسع النطاق في منطقة اليورو إلى رفع معدل النمو
خلال هذا الربع إلى أكثر من 7% بوتيرة سنوية، مع ذلك يتوقع نموذجهم الحالي نموا أقل من 3%.
وبالنظر إلى مدى اتساع فجوة اللقاحات العالمية، قد يتساءل البعض كيف يمكن الحد منها بسرعة؟، يعتقد غولدمان أن
كلا من اليابان وكوريا الجنوبية والبرازيل وتركيا والمكسيك ستتمكن من تطعيم نصف سكانها بجرعة واحدة على
الأقل بحلول أغسطس/آب المقبل، لكن لن تصل جنوب أفريقيا والهند إلى هذا المعدل حتى ديسمبر/كانون الأول،
وتعافى العديد من الأشخاص بالفعل من الفيروس في كلا البلدين، مما يمنحهم نسبة معينة من المناعة الطبيعية.
المصدر:مواقع اخبار