تحرك العاهل الأردني الملك عبد الله سريعا لتعزيز قبضته على السلطة منذ مؤامرة مزعومة قبل ثلاثة أشهر للإطاحة به وتولية أخيه غير الشقيق لينجح في تأمين حكمه في الوقت الراهن لكنه لا يزال يواجه تحديات اقتصادية ضخمة.
ويبدو أن الأزمة، التي أشعلها ما قيل إنه طموح الأمير حمزة في القيادة، قد أُخمدت بعد أن أصدرت محكمة عسكرية هذا الأسبوع أحكاما بمعاقبة اثنين متهمين بالتآمر معه، وإقصاء الأمير نفسه في أحد القصور.
وبعيدا عن إجراءات المحاكمة، سعى الملك عبد الله لتوطيد نفوذه بين العشائر القوية التي يرتكز عليها حكمه والتي اتهم الأمير حمزة بمحاولة تحويل ولائها لصالحه إذ زار الملك مناطقهم وعمل على تحسين صورته لديهم.
ويصف مسؤولون الملك الآن بأنه هادئ ومطمئن في تناقض مع قلقه الواضح في الأسابيع الأولى من الأزمة التي وصفها الملك نفسه بأنها الأكثر إيلاما لأنها جاءت من داخل الأسرة الملكية ومن خارجها.
ويبدو أيضا أن المحاكمة مرت دون نشوب خلاف دبلوماسي مع السعودية رغم أن المتهم الرئيسي في القضية، وهو باسم عوض الله، عمل مستشارا لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعد أن خدم لسنوات طويلة قبل ذلك كأقرب مستشار للملك عبد الله.
الاتهام
وقالت عريضة الاتهام التي أعدها الادعاء إن عوض الله اتفق على أن يسعى لحشد دعم أجنبي لمساندة طموحات الأمير حمزة باستخدام صلاته بالسعودية ودول أخرى وإن حمزة طلب من عوض الله سؤال الرياض عما إذا كانت مستعدة لمساعدته إذا حدث له أي مكروه في الأردن.
لكن السلطات الأردنية لم تشر مطلقا إلى أي دور سعودي في المؤامرة.
وفي تلك الأثناء، بدا أن دعم أمريكا، أوثق حلفاء الأردن، راسخ وذلك بعد فترة توتر في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي اعتبرت عمان خطته للسلام في الشرق الأوسط تهديدا وجوديا لها.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن للملك عبد الله في مكالمة هاتفية في السابع من أبريل نيسان في أوج الأزمة “اتصلت فقط لأبلغه بأن له صديق في أمريكا. وليبق قويا”.
وسيصبح الملك عبد الله أول زعيم عربي يلتقي بايدن في البيت الأبيض الأسبوع المقبل.
وقال فارس البريزات رئيس مركز (نما) للأبحاث ” يبدو الملك اليوم أقوى من أي فترة سابقة، في الداخل دعم راسخ للغاية، وفي الخارج دعم قوي أيضا… الرسالة (التي بعثت بها المحاكمة) مفادها هو أنه لا تساهل مع العبث في استقرار البلاد”.
خصومة ملكية
قدمت تلك الأحداث لمحة نادرة عن الخصومة داخل الأسرة الهاشمية التي تحكم الأردن منذ أصبحت تحت الحماية
البريطانية في عام 1921.
وبناء على رغبات والده الراحل الملك حسين، عين العاهل الأردني الملك عبد الله الأمير حمزة وليا للعهد لدى توليه
العرش في عام 1999. لكنه عزله عن ولاية العرش عام 2004 ومنحها لابنه الأمير الحسين.
وتجنب الأمير حمزة الإدانة بعد أن أقسم بالولاء للملك عبد الله. وكانت السلطات الأردنية قد وضعته في البداية رهن
الإقامة الجبرية، وقالت مصادر مطلعة لرويترز إنه معزول حاليا في قصر مع أسرته ومحظور عليه الاضطلاع بمهام عامة.
وأصدرت المحكمة العسكرية الأردنية حكمها بالسجن على عوض الله والشريف حسن بن زيد، أحد أقرباء الملك عبد
الله، بعد سبع جلسات قائلة إنهما سعيا لإحداث فوضى وفتنة داخل المجتمع الأردني.
ودفع الرجلان، اللذان حُكم على كل منهما بالسجن 15 عاما، ببراءتهما مما نُسب إليهما.
ومع رفض طلبات الدفاع استدعاء شهود، يقول سياسيون إن المحاكمة السريعة بمثابة رسالة إلى معارضي الملك عبد
الله بأنه لن يتهاون مع أي تهديد لحكمه.
ويقول معارضون إن المحاكمة خلت من الإجراءات القانونية الواجبة واستهدفت في المقام الأول تقويض الأمير حمزة
الذي اتهمه خصومه باستغلال مظالم القبائل لتحريضهم على الملك.
وقالت المحللة السياسية لميس اندوني “هذه محكمة تفتقر لأدنى معايير العدالة… قرار سياسي وإدانة لحمزة أمام الرأي العام”.
وعوض الله، وهو اقتصادي من أصول فلسطينية ويحمل الجنسية الأمريكية، شخصية خلافية.
ولطالما هاجمته النخبة الحاكمة التي تشمل زعماء العشائر في المملكة بسبب تأثيره على الملك وإصلاحاته من أجل
تحرير السوق التي اعتبروها تهديدا لامتيازاتهم.
عشائر
تهيمن العشائر الأردنية القوية على الجيش وقوى الأمن وتحصل منذ عقود على مزايا سخية من الدولة مقابل الولاء
للأسرة الهاشمية الحاكمة.
ولقد وثق الملك عبد الله أواصره مع العشائر منذ تفجر الأزمة. وكذلك فعل الأمير الحسين.
وخلال زيارة لمدينة العقبة على ساحل البحر الأحمر الشهر الماضي، انتقد الأمير الحسين (27 عاما) سوء الإدارة،
وهو أحد الأمور التي شكا بخصوصها الأمير حمزة علانية. وأُقيل العديد من المسؤولين المحليين هذا الأسبوع.
وتضرر الاقتصاد على وجه الخصوص بشدة العام الماضي بسبب إجراءات العزل العام للحد من تفشي كوفيد-19 كما
بلغ معدل البطالة رقما قياسيا هو 24 في المئة.
ويأمل الأردن في أن تمدد واشنطن برنامج دعم سنوي قيمته 1.5 مليار دولار بعد أن أشاد صندوق النقد الدولي
بالإصلاحات الاقتصادية التي ستساعد المملكة في الحصول على مزيد من التمويل.
ويسعى الملك لتطبيق إصلاحات اقتصادية لكنه يواجه مقاومة من المؤسسة المحافظة.