لدى المملكة العربية السعودية علاقات واسعة مع دول العالم بمختلف المجالات؛ بدءاً من السياسة بسبب الموقع الاستراتيجي كقوة إقليمية، وبالنسبة للاقتصاد السعودية والأرجنتين كواحدة من أغنى البلدان لما تمتلكه من ثروات.
وفي إطار تنوع العلاقات الاقتصادية التي تجمع المملكة مع دول العالم، تحتل الأرجنتين مرتبة مميزة في قوة تعاونها الاقتصادي مع السعودية، خصوصاً بما يتعلق بالتبادل التجاري بين الجانبين.
ومع التحول الاقتصادي الذي تقوده المملكة في ظل “رؤية 2030” الاقتصادية، يتصاعد الحديث حول فرص تطوير التعاون بمختلف المجالات بين بوينس آيرس والرياض.
مستويات سياسية أرحب
تعد السعودية واحدة من أبرز دول منطقة الشرق الأوسط على الصعيد السياسي؛ لما تحتله من مكانة دينية وموقع جغرافي وموارد اقتصادية، ما يعطيها حضوراً دولياً قوياً، ولدى الأرجنتين البعيدة عن المنطقة، وتحديداً في أمريكا الجنوبية، أو ما يعرف بدول أمريكا اللاتينية، ميزات كثيرة، خصوصاً في الجانب الإقليمي اللاتيني، إلى جانب الاستثمارات والاقتصاد، باعتبارها من أهم دول القارة إلى جانب البرازيل.
وخلال الأشهر الماضية، شهدت العلاقات بينالسعودية والأرجنتين شكلاً من التعاون السياسي تمثل عبر لجنة الصداقة البرلمانية السعودية-الأرجنتينية، التي عقدت في مجلس الشورى السعودي بالرياض اجتماعاً برئاسة عضو المجلس رئيس اللجنة إبراهيم بن محمود النحاس، مع سفير الأرجنتين لدى الرياض مارسيلو جيلاردوني.
وأكّد “النحاس” أهمية العلاقات الثنائية التي تربط البلدين الصديقين، وضرورة مواصلة العمل المشترك لضمان تعزيز هذه العلاقات والارتقاء بها إلى مستويات أرحب في مختلف المجالات، لا سيما على صعيد العلاقات البرلمانية بين مجلس الشورى والبرلمان الأرجنتيني.
من جانبه أشار السفير الأرجنتيني إلى أهمية تعزيز العمل الثنائي بين البلدين في كافة المجالات، وتبادل الخبرات بينهما. كما بحث الاجتماع الذي شارك فيه أعضاء اللجنة عدداً من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين.
وساهمت لجان الصداقة البرلمانية في مجلس الشورى بفاعلية في تعزيز العلاقات مع مختلف البرلمانات، وذلك بهدف تعزيز روابط الصداقة والتعريف بدور المملكة في المجالات كافة عموماً والمجال البرلماني خصوصاً؛ للإسهام في بناء علاقات تنسيق وتعاون حول القضايا الإقليمية والدولية في المحافل البرلمانية، وفق صحيفة “الرياض” المحلية.
كما التقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان نظيره الأرجنتيني فيليب كارلوس سولا، في يونيو 2021، وذلك على هامش اجتماع وزراء الخارجية والتنمية لدول مجموعة العشرين في مدينة ماتيرا الإيطالية، حيث تناولا العلاقات السعودية الأرجنتينية وسبل تعزيزها في شتى المجالات.
وفي عام 2018، زار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأرجنتين على هامش قمة الـ 20 الاقتصادية والتقى بكبار المسؤولين فيها.
الاقتصاد.. كلمة السر
ولعل التعاون الاقتصادي بين الأرجنتين والسعودية هو الأبرز بين البلدين الكبيرين من ناحية المساحة الجغرافية والتنوع الاقتصادي، فمساحة الأرجنتين تبلغ 2.78 مليون كيلومتر مربع، فيما تقدر مساحة المملكة بـ2.25 مليون كيلومتر مربع، ويصل عدد سكان الأولى إلى أكثر من 45 مليون نسمة، فيما بلغ عدد سكان السعودية قرابة 35 مليون نسمة، ويساعد ذلك في الوصول لقوة اقتصادية لا يستهان بها عالمياً.
وتخضع العلاقات الاقتصادية بين البلدين لاتفاقيات عدة؛ في مقدمتها اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني التي وقعها البلدان عام 1980.
قبل جائحة كورونا كان التبادل التجاري بين السعودية والأرجنتين جيداً، حيث بلغ حجم صادرات المملكة قرابة 308 ملايين ريال (82.1 مليون دولار) في 2019، متراجعاً عن عام 2018 بنسبة 75%، وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية.
فيما سجلت واردات السعودية 4.7 مليارات ريال (1.2 مليار دولار)، لتحل الأرجنتين في المرتبة الـ40 بقائمة المصدرين للمملكة، وتسجل بذلك الطرف الأقوى في الميزان التجاري بين البلدين البالغ 5.09 مليارات ريال (1.3 مليار دولار).
وجاءت المنتجات الكيماوية العضوية والمنتجات المعدنية واللدائن والألبسة الجاهزة كأهم السلع التي تصدرها
السعودية، مقابل واردات أرجنتينية تتصدرها الحبوب وأغذية الحيوانات ومصنوعات الحديد والبذور الزيتية ولحوم غذائية.
ويبدو أن الفترة المقبلة ستشهد تعاوناً اقتصادياً أكبر بين البلدين، فقد كشف السفير الأرجنتيني لدى السعودية، مارسيلو
جيلاردوني، عن أن بلاده تُجري تحركاً كثيفاً في اتجاه توسيع قاعدة قطاعات التصدير إلى السعودية لتلبية الاحتياجات
الجديدة التي أوجدتها سياسات التغيير الهيكلي التي تنفذها السلطات السعودية في اقتصادها الوطني.
وقال الدبلوماسي الأرجنتيني في حديث مع صحيفة “الشرق الأوسط”، 21 أغسطس 2021، إن العمل جارٍ حالياً
لطرح الفرص في مجال الأعلاف الحيوانية ولحوم الأغنام ولحوم الدواجن والأبقار، فضلاً عن الصادرات الأولية
التي تشمل منتجات الأدوية والطبية وخدمات التجارة الإلكترونية.
وأكّد جيلاردوني أنه “تجب مواصلة العمل للارتقاء بعلاقتنا إلى مستوى أكثر استراتيجية. أدى الوباء إلى تأجيل خطط الزيارات رفيعة المستوى.. يجب أن نحددها في أقرب وقت ممكن للتصديق على الإرادة المشتركة لتعزيز العلاقات الثنائية”.
وأردف: “أصبحت الأرجنتين شريكاً كبيراً للسعودية في تعزيز ضمان الأمن الغذائي للمملكة، خاصة أن السعودية
تستورد 90% من المواد الغذائية، لافتاً إلى أن عملاً مكثفاً يجري حالياً لتوسيع قاعدة قطاعات التصدير وتلبية
الاحتياجات الجديدة في مجال الأعلاف الحيوانية ولحوم الأغنام ولحوم الدواجن والأبقار”..
فرص تعاون أكبر
ولعل المرحلة المقبلة ستكشف عن فرص أكبر للتعاون وتطوير العلاقات بين أكبر مصدر للنفط عالمياً، وثاني أكبر
اقتصاد في أمريكا اللاتينية.
وحول ذلك قال المحلل الاقتصادي كمال عبد الرحمن: إن “الأرجنتين ليست ذات أهمية سياسية كبيرة بالنسبة
للسعودية، فهي دولة غير محورية وبعيدة جغرافياً، إلا أنها مهمة اقتصادياً وتجارياً إلى حد بعيد”.
وأضاف عبد الرحمن في حديث مع “الخليج أونلاين” أن “الأرجنتين ذات موارد طبيعية غنية، وذات عدد سكان قليل
مقابل مساحة ضخمة جداً، وتعتمد على الصناعة والزراعة والخدمات والسياحة بشكل كبير، إلى جانب الصادرات
المهمة التي تشمل الأغذية والسيارات والأجهزة الإلكترونية، والمستحضرات الصيدلانية، والأسمنت والمنسوجات، ومنتجات التبغ”.
وأوضح أن “السعودية تعتمد على الأرجنتين في استيراد القمح وفول الصويا والذرة، إلى جانب الخضراوات واللحوم
والسلع الأخرى مثل الأجهزة الإلكترونية”، مضيفاً أنها تصدر للأرجنتين “النفط والكيماويات والبلاستيك وبعض المنسوجات”.
ونوه بأن “الأرجنتين كانت تمر بأزمة اقتصادية ضخمة قبل جائحة كورونا، فأي تعاون اقتصادي مع السعودية يصب
في مصلحتها بالدرجة الأولى، فقد تراجعت قيمة العملة المحلية بنسبة 70%، وبلغ معدل الفقر نحو 41%، وزادت
كورونا منه خلال العام الماضي”.
وبين أن “الحكومة الأرجنتينية تعمل على إعادة تنشيط الاقتصاد عبر سلسلة من الإصلاحيات، وجذب المستثمرين،
وتوسيع قواعد التصدير الخارجي، ولذلك هناك توجه نحو دول الشرق الأوسط، ومن ضمنها السعودية، باعتبارها
سوقاً استهلاكية قوية، ومنتجاتها جيدة رخيصة مقارنة بالأمريكية والأوربية”.