مشاريع وخطط عُمان تسعى سلطنة عُمان ليكون النحاس أحد روافد دعم الاقتصاد المحلي ضمن قطاع التعدين الذي يعد من القطاعات الرئيسة التي تؤدي دوراً أساسياً في التنمية الاقتصادية.
وللنحاس أهمية بالغة ومتزايدة عالمية، إذ يدخل في صناعات ومجالات مختلفة، أبرزها الكهرباء والبناء والنقل، ويندر أن تجد صناعة ما، تخلو من هذا المعدن؛ وذلك لطبيعته التي تتلاءم وتلك الوظائف.
تعد عملية تعدين النحاس في السلطنة واحدة من أقدم المهن، إذ تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، بحسب ما هو
موثق، ويوجد هذا المعدن اليوم في 6 ولايات وهي: صحار، وينقل، والمضيبي، وشناص، والرستاق، ولوى.
ومع الطلب العالمي المتنامي على معدن النحاس، كانت السلطنة قد سعت منذ سنوات طويلة، للكشف عن مواقع
للنحاس بالبلاد ذات أهمية في الإنتاج، وأعلنت في عام 2006، اكتشاف عدة مناجم جديدة بمنطقة الباطنة شمالي العاصمة مسقط.
هذا الاكتشاف أكد عودة صناعة النحاس بعُمان لتأخذ مكانتها في المساهمة بالناتج الإجمالي، وتنويع مصادر الدخل
القومي للبلاد، إلى جانب قطاعات النفط والغاز والسياحة والصناعة بتعدد جوانبها.
حينها أعلنت الشركة الوطنية للتعدين بدء الأعمال الفعلية لاستخراج النحاس في ثلاثة مناجم جديدة بجبال ولاية شناص
شمالي السلطنة وهي: منجم عجيب، ومنجم عجيب الجنوبي، ومنجم شناص.
كما أعلنت اكتشافات جديدة وبمخزون كبير للنحاس في ولاية الخابورة بمنطقة الباطنة أيضاً.
تاريخ النحاس العُماني
يعود تاريخ صناعة النحاس في عُمان إلى نحو ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، حيث عرف العمانيون، خاصةً سكان
منطقة الباطنة، آنذاك ثروة النحاس الكامنة بين الصخور.
ومن خلال ذلك عرف العالم الخارجي كنوز النحاس في عُمان التي سُميت بمجان؛ لشهرتها بصناعة السفن وصهر
النحاس وتوسع صلاتها التجارية والبحرية، وسميت أيضاً ببلاد المناجم وجبل النحاس؛ نظراً إلى كثرة المناجم بها ووفرة النحاس، كما أوردته النصوص السومرية.
علاوة على ذلك اكتُشفت بعض ممالك وحضارات الثراء والرفاهية كمملكة عيلام في جنوبي إيران، وحضارة سومر في جنوبي
العراق، فبحسب دليل متحف قلعة صحار، فمجان هي المورد الأساسي لتزويدهم بالكميات الكبيرة التي يحتاجونها من النحاس؛ حيث كان يتم تصدير النحاس إليهم من مناجم وادي الجزي في صحار.
في حين تزايد الطلب الخارجي فقد عمل سكان منطقة الباطنة في استخراج النحاس بكميات كبيرة لمدة 1400 عام تقريباً؛
وهو ما أعطى لهم الفرصة لإنشاء رأسمال قوي تم استثماره في التجارة البحرية خلال العصور الوسطى.
وكانت المناجم والمصاهر في منطقة وادي الجزي تمدهم بوفرة كبيرة من النحاس؛ إذ تشير المصادر التاريخية إلى أن
منجم عرجاء أنتج من النحاس المصفى خلال فترة العصور الوسطى، كمية تراوحت بين 48000 و60000 طن، وكذا الحال في بقية المناجم الأخرى كمنجمي الأصيل والبيضاء.
ولعل ما يؤكد ذلك كثرة تجاويف المناجم وأفران الصهر وبقايا خَبث النحاس، والدهاليز العميقة في الجبال وتحت سطح الأرض.
عودة تعدين النحاس
نظراً إلى أهمية معدن النحاس ونمو الطلب الخارجي عليه ومساهمته الفاعلة في تنويع مصادر الدخل القومي؛ مشاريع
وخطط عُمان تكثفت الجهود للتنقيب عنه وزيادة مخزونه الاحتياطي في السلطنة.
وبدأ ذلك في صحار عام 1973، أي في السنوات الأولى للنهضة الحديثة بقيادة الراحل السلطان قابوس بن سعيد، من
خلال شركة عُمان للتعدين.
وتكلل ذلك بالنجاح، وفي عام 1983، تم افتتاح مصنع النحاس، وفي منتصف العام ذاته قامت السلطنة بتصدير
النحاس المصفى إلى الخارج، لتحتل صادرات النحاس المرتبة الثانية بعد النفط آنذاك، خاصة بعد ارتفاع كمية الإنتاج.
الآثار البيئية
عقبة كبيرة تقف أمام طموح العمانيين، تمثلت في تخوف السكان المحليين، خلال العامين الماضيين، من آثار مشروع
“منجم الغزين” البيئية التي قد تنجم من المشروع.
وعبّر بعض الأهالي آنذاك، عبر وسم #منجم_الغيزين_الخابورة، عن تخوفهم من التأثيرات الناتجة عنه، وهو يُعد أحد
أكبر اكتشافات النحاس في السلطنة والمشروع الأول من نوعه بالبلاد، وتبلغ تكلفته الأولية أكثر من 40 مليون ريال عُماني.
وكشف التقرير السنوي لقطاعات تعزيز التنويع الاقتصادي لوحدة متابعة تنفيذ “رؤية عُمان 2040″، أن أحد
التحديات الرئيسة التي واجهها المشروع تمثل في رفض السكان المحليين؛ وذلك خوفاً من الآثار البيئية التي قد تنجم من المشروع.
وعقدت عدة جهات حكومية متخصصة في مطلع ومنتصف 2020 لمناقشة التدابير الاحترازية التي أوصت بها
الجهات الحكومية المعنية، والتي ينبغي لشركة موارد للتعدين مراعاتها وتطبيقها، كما جرت مناقشة سير العمل بالمشروع وأهميته الاقتصادية والفوائد التي سيجنيها السكان المحليون منه.
فوائد المشروع
قدَّرت اللجنة المشتركة لاحتياطيات الخامات احتياطي هذه المنطقة بمقدار 6.5 مليون طن من المعادن الخام القابلة
للتعدين، ويهدف هذا المشروع إلى الاستفادة من طريقة التعدين المتطورة تحت الأرض لاستخراج الخام، مع تطبيق معايير الصحة والسلامة والبيئة الموحدة.
ومن المتوقع أن يستغرق المشروع عامين أو أقل، لتطوير آلية وطريق الوصول إلى الخام تحت الأرض، إضافة إلى
7 سنوات من الإنتاج، مما يجعل العمر المتوقع للمشروع 9 سنوات أو أكثر.
بعد أوضح التقرير السنوي 2020 لوزارة الطاقة والمعادن، أن مشروع “منجم الغيزين” أحد المشاريع الحيوية ذات
القيمة المضافة، وسيسهم بتوفير وظائف مباشرة للعمانيين كمرحلة أولى.
وأعلنت شركة موارد للتعدين استعدادها التام للإسهام في تنمية المجتمع المحلي، حيث نص قانون الثروة المعدنية على تخصيص 1% من الإنتاج السنوي؛ كإسهامات للمجتمع المحلي، إضافة إلى أن الشركة على استعداد لإسناد عقود
مساندة وخدمات إلى الشركات المحلية في الولاية، إلى جانب تنشيط القطاع اللوجيستي، حيث إن هذا المشروع له أبعاد اقتصادية إيجابية.
اتفاقية مع الهند
وفي أغسطس 2021 وقَّعت وزارة الطاقة والمعادن العُمانيةُ، مذكرة تفاهم مع شركة “آيرل” الهندية؛ لتعزيز وتطوير
التعاون بينهما بشأن استغلال الثروات المعدنية، وبحث الفرص الاستثمارية المتاحة لدى كلا الجانبين.
علاوة على ذلك يشمل تبادل الخبرات، بحسب صحيفة “الشبيبة” المحلية، مجالات دعم الابتكار وتطبيق التقنيات، والطرق الحديثة
للتنقيب عن المعادن، وتطوير الصناعات التعدينية، وعلى وجه الخصوص المعادن النادرة، وتحقيق القيمة المضافة للمعادن.
كما نصت المذكرة على التعاون في مجال الأبحاث الفنية، وأبحاث ودراسات المسح الجيولوجي.
في حين تسعى السلطنة من خلال هذه المذكرة لاستقطاب الخبرات العالمية للكشف عن الثروات المعدنية الموجودة في
أراضيها، خاصةً المعادن المتعلقة بصناعات تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة (IR4) وتقييمها.
وتركز الاتفاقية أيضاً على التعاون بين الجانبين فيما يتعلق بشركة “الأرض النادرة الهندية المحدودة” المملوكة
لحكومة نيودلهي، للقيام بالأنشطة الاستكشافية في أراضي السلطنة.
وتشمل الاتفاقية الاستفادة من الخبرة الهندية الواسعة في هذا المجال عن طريق تدريب المهندسين الجيولوجيين
العمانيين على الكشف والتنقيب عن هذه النوعية من المعادن.