حديث أمريكي سعودي متزايد ويحتل الملف اليمني موقعاً متقدماً في أولويات السياسات الخارجية للولايات المتحدة بقيادة الرئيس الحالي جو بايدن، ويعد وقف الحرب في اليمن جزءاً من “أهدافها الاستراتيجية”.
وفي 4 فبراير الماضي، أي بعد أسبوعين فقط من وصوله إلى البيت الأبيض، أعلن بايدن وقف الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية الهجومية التي تقودها السعودية في اليمن، مع التأكيد على وضع حد للحرب التي مضت عليها 7 سنوات، والعمل مع الرياض للدفاع عن أمنها وسيادتها.
ومنذ ذلك الحين حتى اليوم تدفع الولايات المتحدة بثقلها السياسي نحو ذلك الأمر، وهو ما بدا واضحاً من التحركات التي يجريها مسؤولون أمريكان كبار، إضافة إلى تحركات مبعوثها إلى اليمن، التي لم تتوقف، في سبيل إنهاء الحرب، في وقتٍ تقول الرياض إنها تجري حواراً تصفه بـ”القوي” مع واشنطن نحو الهدف ذاته.
سوليفان و”بن سلمان”
كانت السعودية، في 29 سبتمبر 2021، على موعدٍ مع زيارة أكبر مسؤول أمريكي منذ مجيء بايدن إلى السلطة، بعدما التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، حيث أكد “بن سلمان” خلاله ما قدمته بلاده بهذا الصدد، في إشارة منه إلى المبادرة السعودية لإنهاء الصراع في اليمن.
وناقش ولي العهد، خلال اللقاء الذي حضره أيضاً المبعوث الأمريكي لليمن، تيم ليندركينغ، العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل تعزيزها، إضافة إلى الوضع في اليمن. فيما دعا الطرفان إلى “حديث أمريكي سعودي و تكثيف الجهود الدبلوماسية للوصول إلى حل للأزمة اليمنية”، وفق وكالة “واس” الرسمية”
وشدّد اللقاء بين بن سلمان وسوليفان على أهمية مشاركة جماعة الحوثي بـ”حسن نية” في المفاوضات السياسية مع الحكومة اليمنية الشرعية تحت إشراف الأمم المتحدة.
يقول موقع “Responsible Statecraft” الأمريكي إن الحاجة إلى إجراء محادثات جادة لإنهاء الأزمة في اليمن ازدادت إلحاحاً مؤخراً لدى الأمريكيين، وذلك بعد التعديل ذي الصلة الذي تقدم به النائب الأمريكي رو خانا على قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي، الذي وافق عليه مجلس النواب الأمريكي، (24 سبتمبر 2021)، وينص على تقليص دعم واشنطن لتحالف دعم الشرعية في اليمن.
ويبدو أن هذه هي الرسالة التي نقلها سوليفان إلى ولي العهد السعودي كما يقول الموقع الأمريكي، كشيء على غرار: “انظروا، ضغط الكونغرس علينا يتزايد، لن نتمكن من كبحهم إلى الأبد، عليكم أن تجدوا طريقة للخروج من اليمن”.
تأكيدات سعودية
بحسب “واس” أكد ولي العهد السعودي خلال لقائه سوليفان، “مبادرة المملكة لإنهاء الصراع في اليمن”، والتي تتضمن وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، ودعم مقترح الأمم المتحدة بشأن السماح بدخول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة.
وتشمل المبادرة السعودية كذلك فتح مطار صنعاء الدولي للرحلات من وإلى محطات مختارة، إضافة إلى الرحلات الإغاثية الحالية، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي.
ورغم حديث أمريكي سعودي المتكرر عن خلافات بين السعودية وأمريكا بخصوص حرب اليمن، خرج وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في 3 أكتوبر 2021، خلال لقائه مسؤول العلاقات الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قائلاً: “إن المملكة تجري حواراً قوياً للغاية مع الولايات المتحدة بشأن الحرب في اليمن”.
ولعل هذه الزيارة تأتي على وقع تواصل معارك جديدة ضارية حول مدينة مأرب الاستراتيجية شمالي اليمن، بين القوات الموالية للحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، وسط مقتل عشرات من الطرفين.
حرب مرهونة بالداخل اليمني
إلا أن الباحث في مركز واشنطن للدراسات اليمنية سيف المثنى، يشير إلى أن الحرب في اليمن “ليست مرهونة
بموقف الكونغرس، ولا حتى الحكومة الأمريكية”.
ويقول “المثنى” : إن الحرب “مرهونة بما يحدث داخل اليمن نفسه، ففي حال التوصل إلى اتفاق في
اليمن يضمن السلام للجميع والاستقرار، حينها تنتهي الحرب، وليس غير ذلك”.
ويضيف: “كما أن الحرب في اليمن بالنسبة للسعودية ليست شأناً في آخر العالم، بل على حدود المملكة
مباشرة؛ فالسعودية تخوض يومياً حرباً دفاعية على الهجمات الحوثية الباليستية والمسيرات الملغمة التي تستهدف مدنها ومنشآتها”.
ولفت إلى أن التداعيات الإقليمية الأوسع والتحولات الجذرية للسياسة الأمريكية، شكّل اليمن فيها “نقطة خلاف مهمة
في وسط اليسار”؛ فقد استغل الحزب الجمهوري لترامب الصراع من أجل “الانقضاض على عدوه اللدود: إيران،
ومن أجل خلق علاقات ودية غير مسبوقة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”.
وتابع: “غير أن لبعض الديمقراطيين رأياً مختلفاً، فقد أبدت بعض الشخصيات البارزة من يسار الحزب امتعاضها من
السعوديين بالنظر إلى سجلهم الحقوقي، وأوضحوا أن الضغط على المملكة العربية السعودية بشأن الحرب في
اليمن سيكون من أولويات الحزب الديمقراطي”.
ويعتقد أن التصويت الأخير من قبل الديمقراطيين يعتبر “داعماً أساسياً ويصب في مصلحة الحوثي، لكن التصريحات
الأخيرة من الملك سلمان للحوار مباشرة مع إيران، تعد تحولاً آخر، مما يدل أن الصراع في اليمن إقليمي وليس
صراعاً سعودياً حوثياً، لذلك من غير المرجح أن يؤدي التغير الجذري إلى إحلال السلام في اليمن”.
ويؤكد أن التحول الجديد خصوصاً فيما يتعلق بالمفاوضات السعودية الإيرانية “يمهد الطريق للمزيد من المشاركة
الأمريكية في اليمن على وجه الخصوص”، معتقداً أن يبقى اليمن من وجهة نظر أمريكية “قضية أمنية لا سياسية”.
عوائق تتطلب حلولاً
منذ إعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلغاء تصنيف جماعة الحوثي إرهابية، مطلع فبراير 2021، تتعرض
مناطق عدة في السعودية باستمرار لهجمات بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة مفخخة تطلق من اليمن باتجاه مطاراتها ومنشآتها النفطية.
وتطلب الرياض من الولايات المتحدة ضمانات بعدم مهاجمة الحوثيين لأراضيها، خصوصاً بعدما تسبب الكثير من
الهجمات بالطائرات المسيرة في تضرر منشآت نفطية وعرقلة الإنتاج منها.
وإلى جانب ذلك تطالب السعودية بعدم وجود أي جماعات مسلحة على حدودها كما هو الحال مع الحوثيين الذين
يتمركزون بشكل رئيسي في صعدة الحدودية، وكان ذلك واضحاً في تصريح لولي العهد السعودي، في مقابلة بثتها
وسائل الإعلام السعودية الرسمية في 27 أبريل الماضي، وقال فيها إن بلاده ترفض وجود “أي تنظيم مسلح خارج
عن القانون” على حدودها.
وأضاف بن سلمان: “نتمنى أن يجلس الحوثي حول طاولة المفاوضات مع جميع الأقطاب اليمنية؛ للوصول إلى حلول
تكفل حقوق الجميع في اليمن وتضمن أيضاً مصالح دول المنطقة”.
وكانت السعودية قد دشنت حملة عسكرية أطلقت عليها “عاصفة الحزم”، أواخر مارس 2015، للوقوف إلى جانب
الشرعية ممثلة بحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي في مواجهة انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران، والذين
سيطروا على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014.
المصدر:مواقع اخبارية