بعد التقدم المهم الذي حققته الوساطة بين السعودية وإيران التي نتج عنها عقد أربع جولات من المحادثات بين البلدين، آخرها في بغداد في سبتمبر 2021، تثار العديد من التساؤلات بشأن مصير المباحثات مع قرب انتهاء ولاية حكومة مصطفى الكاظمي وتحولها إلى حكومة تصريف أعمال بعد الانتخابات المبكرة التي تجرى في العاشر من الشهر الحالي.
ومن المتوقع أن تتوقف جولات التفاوض لأسابيع بعد الانتخابات بسبب انشغال العراق بتشكيل الحكومة الجديدة، لكن مراقبين يؤكدون أن الوساطة بين السعودية وإيران لا بد أن تستأنف بسبب إجماع القوى العراقية على ضرورة إنجاح تلك المباحثات.
وشدّد المسؤول نفسه على أن الوساطة يجب ألا تقتصر على حقبة الكاظمي التي ستنتهي قريباً، خاصة مع اشتراك عدة جهات منها وزارة الخارجية والأمن الوطني والمخابرات، وكشف عن تحركات لترتيب جلسة مفاوضات جديدة بعد الانتخابات، للتفاهم حول العديد من القضايا.
وأشار في تصريحات صحفية إلى أن الوساطة العراقية وصلت إلى مراحل متقدمة، مشدداً على ضرورة عدم تراجع دور العراق الإقليمي بعد الانتخابات، لأن من أولويات الحكومة المقبلة تعزيز العلاقات الخارجية وتطويرها.
تأكيد رسمي
وبعد أشهر من التزام الصمت كشفت كل من الرياض وطهران عن مسار محادثاتهما، في مؤشر واضح على التقدم الحاصل، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إن المحادثات الجارية مع السعودية
مستمرة على أفضل وجه، والمفاوضات بين إيران والسعودية جرت في بغداد، وشملت قضايا إقليمية، في ظل مساعٍ لخلق علاقة دائمة بين البلدين.
وأكد المتحدث إجراء عدة جولات بين الجانبين في العاصمة العراقية، وقال إنه تم تبادل الآراء حول كيفية ضمان بناء
علاقات دائمة بين الدولتين، مضيفاً: “تمت مناقشة مختلف القضايا، وتركيزنا الأساسي هو على العلاقات الثنائية”.
من جانبه قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إن الرياض وطهران عقدتا جولة رابعة من
المفاوضات المباشرة، في 21 سبتمبر الماضي، مشيراً إلى أن المفاوضات ما تزال في مرحلتها “الاستكشافية”.
وجولة المفاوضات هذه تعتبر الأولى من نوعها منذ أن تسلم الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي منصبه رسمياً، في أغسطس الماضي.
وفي مايو الماضي، أعلن الرئيس العراقي برهم صالح أن بلاده استضافت أكثر من جولة حوار بين السعودية وإيران.
وكانت هذه هي أول مرة يكشف فيها رسمياً عن إجراء مباحثات رسمية مباشرة بين البلدين منذ قطع العلاقات بينهما
عام 2016، إثر اعتداء محتجين على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران؛ تنديداً بإعدام الرياض رجل الدين الشيعي، نمر النمر، بتهمة الإرهاب.
دور عراقي مؤثر
ويقول الكاتب والصحفي براء سلمان، إن السياسة الخارجية لحكومة الكاظمي أعلنت وجهة نظرها تجاه المشاكل
الإقليمية بوصفها عاملاً مؤثراً بأمن واستقرار العراق، ولذلك سعت وزارة الخارجية العراقية لأداء دور الوساطة بين الرياض وطهران.
وأضاف أن حكومة الكاظمي تدرك طبيعة التحولات في المنطقة والتوجه العام نحو خفض التصعيد، فالوساطة قائمة على توفير أرضية للحوار، لافتاً إلى أن بغداد لا تملك أي أوراق ضاغطة على أي من الطرفين سوى أنها أجادت
التعامل مع الظرف الإقليمي والعالمي، ورغبة واشنطن بإعطاء دور للعراق ليؤدي دور الوساطة وتقريب وجهات النظر الإقليمية.
وعن موقف القوى السياسية الفاعلة من ترطيب الأجواء بين السعودية وإيران، يرى سلمان أن هذه القوى المقربة من
إيران لا تجرؤ على عرقلة جهود الكاظمي لتحقيق النجاح في هذا الملف، لأن إيران لديها مصلحة كبيرة في هذا
الاتجاه حيث تعد المصالحة مع السعودية خطوة مهمة في إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
تأثير الانتخابات العراقية
ويقول أستاذ الجغرافية السياسية المساعد في الجامعة المستنصرية، د.مثنى مشعان المزروعي، إن الانتخابات العراقية عليها الكثير من علامات الاستفهام، حيث من المتوقع أن تكون المشاركة الجماهيرية محدودة، وقد لا تتجاوز
الـ20%، بسبب إخفاق الحكومات المتعاقبة في إدارة الدولة سياسياً واقتصادياً، بالإضافة إلى عدم وجود برامج أو أهداف واضحة للأحزاب والشخصيات المشاركة في الانتخابات.
وأشار المزروعي، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن القوى السياسية في العراق متناحرة ولا تسير باتجاه واحد،
بل تتقاطع في معظم الأمور السياسية والاقتصادية وكذلك في رؤيتها لملفات المنطقة الإقليمية.
وأضاف أن المشهد السياسي العراقي في الفترة الحالية مشهد غامض، يسوده الخوف والمستقبل المجهول، لأن التنافس
في الانتخابات عبارة عن صراع غير مهني قد ينتج صدامات غير محسوبة.
وعن الوساطات العراقية بين الرياض وطهران يرى المزروعي أنها لم تنجح خلال الفترات السابقة، لأنها غير
مدعومة وليس لها أهداف محددة وواضحة، لافتاً إلى أن هذه المباحثات تحاول إثبات أن العراق لا يزال له تأثير إقليمي.
ترحيب أمريكي
مفاوضات البلدين بلغ صداها البيت الأبيض إذ قال مسؤول في إدارة بايدن لشبكة “سي إن بي سي”، الاثنين، إن
الولايات المتحدة ترحب بأنباء الحوار المباشر بين السعودية وإيران، في وقت تتصاعد فيه التوترات في منطقة الشرق الأوسط.
وأضافت جينيفر جافيتو، نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون إيران والعراق في مكتب الشرق الأدنى بوزارة
الخارجية الأمريكية: “فيما يتعلق بالإعلان عن إجراء محادثات مباشرة بين السعودية وإيران، فإننا نرحب بذلك. نرحب بأي محادثات مباشرة تؤدي إلى مزيد من السلام والاستقرار في المنطقة”.
جاءت هذه التصريحات أثناء زيارتها لمعرض إكسبو دبي 2020، وتعد جافيتو أعلى مسؤول أمريكي يحضر الحدث حتى الآن.
يذكر أن ثلاث جولات من المحادثات السعودية الإيرانية أجريت في العراق في الشهور التي سبقت تنصيب الرئيس
الإيراني إبراهيم رئيسي في أغسطس 2021 والذي يعتبر من غلاة المحافظين، لكن وصول رئيس جديد إلى السلطة
في إيران لم يضع عقبات أمام المفاوضات، وهذا الأمر قد ينطبق على العراق بعد الانتخابات.