“كل الطرق تؤدي إلى عُمان”، بهذه الكلمات وصف ديفيد ماك أيستر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي، العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وسلطنة عمان والتي وصلت إلى قمّتها خلال السنوات الماضية.
وكثفت بروكسل ومسقط مساعيهما المشتركة، في السنوات الأخيرة، لتعزيز العلاقات الثنائية الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية، حيث يرى الاتحاد الأوروبي في السلطنة شريكاً ناجحاً ومهماً في الشرق الأوسط.
وتدرك مسقط وبروكسل أنَّ تصاعد علاقاتهما يأتي في سياق تحقيق مصالح ثنائية مشتركة؛ فالاتحاد الأوروبي يعتبر السلطنة وسيطاً صادقاً وشريكاً رئيساً، ويعتبر جهودها بالشرق الأوسط مُكملة للجهود الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي.
العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وعُمان تمنح عمان مميزات يمكن أن تدعم اقتصادها بقوة، إضافة إلى دعم دورها السياسي في الشرق الأوسط، فأوروبا لاعب مهم في المنطقة لا يمكن تجاهله.
علاقات عسكرية
أحدث مؤشر على تصاعد وتيرة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وعمان، كان مناورة بحرية مشتركة، في 19 أكتوبر 2021، جرت بين القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي في الصومال من جهة والبحرية الملكية العمانية من جهة أخرى.
وجرت المناورة في بحر العرب، وشملت إجراء اتصالات بحرية وإجراءات تكتيكية معقدة، وتدريب على عمليات
بحث وإنقاذ، حسب بيان لخدمة العمل الخارجي في بروكسل.
وقال البيان الأوروبي: إن “مشاركة الاتحاد الأوروبي مع عمان جزء من جهود الاتحاد لتعزيز شراكته مع دول الخليج”.
وأضاف: إن “استراتيجية الاتحاد الأوروبي للتعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادئ المعتمدة حديثاً، تدعو إلى
زيادة الأنشطة المشتركة مع الشركاء من منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ لتعزيز الأمن البحري في المنطقة”.
علاقات سياسية واقتصادية
كما وقَعت عمان واليونان، في 20 أكتوبر 2021، بالديوان العام لوزارة الخارجية العمانية، على اتفاقية الإعفاء
المتبادل من التأشيرات لحمَلة الجوازات الدبلوماسية والخاصة والخدمة بين البلدين.
وتم ذلك خلال لقاء جمع وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، مع نظيره اليوناني نيكوس ديندياس، على هامش زيارة الأخير لمسقط.
وفي 7 أكتوبر 2021، أعلن الاتحاد الأوروبي رفع اسم سلطنة عمان مما يعرف بـ”قائمة الدول غير المتعاونة في
المجال الضريبي”، وهي القائمة التي بدأ الاتحاد العمل بها منذ ديسمبر 2017، بغرض تكثيف الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة التهرب الضريبي وتجنب الازدواج الضريبي ومكافحة غسل الأموال.
وأوضح الاتحاد الأوروبي، في بيان، أنَّ رفع اسم السلطنة من القائمة جاء نتيجة التعديلات التشريعية التي أتاحت
التبادل التلقائي للمعلومات في المجال الضريبي، واستكمال الإجراءات كافةً الخاصة بتفعيل تبادل المعلومات مع الاتحاد الأوروبي.
والعام الماضي، أثنى الاتحاد الأوروبي، في بيان له، على الإجراءات والتعديلات التشريعية التي قامت بها سلطنة عمان، والتي أتاحت التبادل التلقائي للمعلومات في المجال الضريبي واستكمال الإجراءات كافةً الخاصة بتفعيل تبادل
المعلومات مع الاتحاد.
وعلى الصعيد السياسي، عقدت جلسة مشاورات سياسية بين وزارة الخارجية العمانية وهيئة العمل الخارجي بالاتحاد الأوروبي عبر الاتصال المرئي.
وتمَّ خلال الجلسة استعراض العلاقات الثنائية بين السلطنة والاتحاد الأوروبي وسبُل تعزيزها وتطويرها بما يخدم
المصالح المشتركة للجانبين، وتبادل الرؤى حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المُشترك.
كما عقدت عديد من الاجتماعات بين ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وسلطنة عمان حول الأزمة اليمنية، حيث تعد
السلطنة من أهم الوسطاء بين الحكومة اليمنية الشرعية والحوثيين.
وآخر هذه الاجتماعات التي بحثت الأزمة اليمنية، كان في مايو الماضي، عندما استقبل وكيل وزارة الخارجية العماني
للشؤون الدبلوماسية خليفة الحارثي، مجموعة من سفراء الاتحاد الأوروبي والمبعوث السويدي إلى اليمن.
كما وقَّعت بروكسل ومسقط اتفاقية تعاون، في سبتمبر 2018، إضافة إلى اتفاقية تعاون بين دائرة العمل الخارجي
الأوروبي ووزارة الخارجية العمانية، بهدف تعزيز الحوار السياسي والتعاون في المجالات القطاعية ذات الاهتمام المشترك.
ومن الناحية الأمنية، فإن القوات البحرية للاتحاد الأوروبي وقوات البحرية الملكية العمانية تتشاركان في مكافحة تهديد
القرصنة على سواحل الصومال والقرن الأفريقي وخليج عدن، منذ عام 2008، من خلال عملية “أتلانتا”.
“كل الطرق تؤدي لعُمان”
وبالعودة إلى رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي، ديفيد ماك أيستر، فإنه كتب مقالاً بموقع الاتحاد
الأوروبي الإلكتروني عام 2019، تحت عنوان “كل الطرق تؤدي إلى عمان”، أشاد فيه بالسلطنة وسياساتها بالمنطقة.
وقال أيستر: إن “السلطنة تدعم الجهود السياسية والإنسانية للأمم المتحدة لإنهاء الحرب الكارثية باليمن، وتوسطت في
عدة جولات من المحادثات بين الفصائل المتحاربة المختلفة بالصراع. إنها تعمل كمُسيّر بالمنطقة”.
واضاف: “الاتحاد الاوروبي يدعم جهود عمان، خاصة، بالنظر إلى الدور الجغرافي السياسي للمنطقة”.
كما تحدث أيستر أيضاً عن جهود السلطنة في الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة “5+1″، حيث قال إنَّ مسقط أدت
دوراً مهماً أيضاً في إنجاز الاتفاق النووي الإيراني، واستضافة المحادثات الأولية بين الولايات المتحدة وإيران.
إضافة إلى ذلك، فإن الجهود التي بذلتها عمان مؤخرا في العمل من أجل التوصل إلى حل لعملية السلام بالشرق
الأوسط كانت موضع تقدير كبير من أوروبا، وفق أيستر.
وقال: إن “الاتحاد الأوروبي يعتبر السلطنة وسيطاً صادقاً وشريكاً رئيساً؛ وتعتبر الجهود العمانية مكملة للجهود الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي”.
وحول العلاقة بين السلطنة والاتحاد قال أيستر: إنه “منذ عام 2008، كان هناك تعاون مستمر بين الاتحاد الأوروبي
وعمان في شكل عملية القوات البحرية للاتحاد الأوروبي (أتالانتا-الصومال) في خليج عدن والحوض الصومالي”.
وأضاف: “السلطنة تسعى لتصبح مركزا رئيسا للوجستيات في منطقة الشرق الأوسط، وقد تحولت إلى نماذج تطوير آسيوية للإلهام”.
علاقات أقوى
كل ما سبق يقود إلى أن العلاقات بين سلطنة عمان والاتحاد الأوروبي تتجه لتكون أكثر صلابة في المستقبل، ما يعود
بالفائدة على الجانبين.
وحول ذلك يقول المختص الاقتصادي، عاصم أحمد: إن “أكثر ما يجذب أوروبا نحو بناء علاقات قوية مع سلطنة
عمان سياستها المنفتحة على جميع دول وأقطاب الصراع في المنطقة وحتى بأنحاء العالم”.
وأضاف أحمد في حديثه “: إن “عمان يمكن وصفها بأنها سويسرا الشرق الأوسط، فهي تقيم علاقات
جيدة مع الجميع، وهذا يتناسب تماماً مع مصالح الاتحاد الأوروبي وسياساته بالمنطقة”.
ورأى أن الدبلوماسية العمانية، بالتعامل مع أزمات المنطقة، باتت مكملة لجهود الاتحاد الأوروبي المتواصلة للحفاظ
على استقرار الشرق الأوسط؛ وذلك لخدمة مصالحه ليس أكثر.
على صعيد آخر، فإن الاتحاد الأوروبي يحرص بقوة على تعزيز علاقاته مع سلطنة عمان، لأنها تمثل مركزاً اقتصادياً مهماً له.
ووفق المختص الاقتصادي، فإن السلطنة تتمتع بموقع استراتيجي مهم، وتمتلك 3 من أهم الموانئ بالمنطقة، إضافة
إلى عديد من المناطق الاقتصادية والمناطق الحرة.
كما أن حجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وعمان كبير نسبياً، حيث تبلغ قيمة واردات أوروبا سنوياً من
مسقط نحو 900 مليون دولار، فيما تبلغ واردات السلطنة من دول الاتحاد نحو 5 مليارات دولار.
وأشار إلى أن سلطنة عمان تملك مناخاً استثمارياً مُغرياً للأوروبيين، فهي تسمح للمستثمر بتملك المشروع بنسبة
100%، إضافة إلى الإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية، كما لا تقيد المستثمر بحد أدنى من رأس المال، والأهم
من كل هذا حالة الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي التي تعيشها السلطنة.
ورأى المختص الاقتصادي، أن مستقب العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وعُمان سيكون كبيراً، الأمر الذي سينعكس
إيجابياً على اقتصاد مسقط، وموقعها ودورها السياسي بالشرق الأوسط.