حرب نفطية مرتقبة.. ماذا لو لجأت أمريكا لمخزونها الاستراتيجي؟
حرب نفطية مرتقبة في حال رفضت السعودية وروسيا اللتان تقودان مجموعة “أوبك+”، الاستجابة لضغوط الولايات المتحدة الأمريكية والدول المستهلكة للنفط، المعروض في السوق لتتراجع أسعار الزيت الأسود، خرج الرئيس الأمريكي ليعلن عن وجود أدوات وخيارات لدى بلاده للتعامل مع هذه الأزمة.
ويبدو أن الرئيس بايدن بدأ باستخدام أول هذه الخيارات بعد طلبه، مؤخراً، من كبار الدول المستهلكة للنفط في العالم وبينها الصين والهند واليابان، دراسة استخدام احتياطاتها من الخام، حسبما نقلت “رويترز” عن مصادر.
ويتوافق الموقف الأمريكي مع مواقف أكبر الدول المستهلكة للنفط عالمياً، حيث قالت الصين إنها تعمل على السحب من احتياطيها النفطي، حسب بيان للإدارة الوطنية للغذاء والاحتياطيات الاستراتيجية.
وفي اليابان قال مسؤول بوزارة الصناعة إن الولايات المتحدة طلبت تعاون طوكيو في مواجهة ارتفاع أسعار النفط، في إشارة إلى السحب من الاحتياطات لخفض الأسعار، وفق ما نقلته وكالة “رويترز”.
كما أكد مسؤول كوري جنوبي للوكالة البريطانية، طلب واشنطن من بلاده استخدام بعض احتياطيها النفطي، مشيراً إلى أن بلاده “تراجع بعنايةٍ الطلب الأمريكي”.
وأبقت مجموعة “أوبك+”، خلال اجتماعها في 4 نوفمبر الجاري، سياستها لإنتاج النفط دون تغيير خلال شهر ديسمبر المقبل.
وقالت المجموعة، في بيان، إنها قررت إعادة تأكيد خطة تعديل الإنتاج، التي تنص على زيادة بمقدار 400 ألف برميل يومياً خلال شهر ديسمبر المقبل.
كما جدد الاجتماع، حسب البيان ذاته، استمرار التزام الدول المشاركة ضمان سوق نفط مستقر ومتوازن وإمداد فعال وآمن للمستهلكين.
ومن المقرر أن يعقد تحالف “أوبك+” الاجتماع الوزاري الـ23 في الثاني من ديسمبر 2021، ليتخذ قرارات جديدة بشأن الإنتاج أو تثبيت مجدداً السياسة الحالية.
انزعاج أمريكي
وعبّر الرئيس الأمريكي جو بايدن، في تصريحات صحفية لاحقة، عن أسفه “لامتناع روسيا والسعودية والمنتجين الكبار الآخرين في أوبك+ عن ضخ مزيد من النفط”، مضيفاً: “هذا ليس أمراً عادلاً”. واحتمال حرب نفطية مرتقبة
وتحوَّل انزعاج بايدن إلى خطوات ملموسة بحديثه عن إمكانية استخدام احتياطي الخام لدى بلاده والدول الأخرى من كبار المستهلكين.
وقال الصحفي الأمريكي كليفورد كراوس، وهو مراسل أعمال الطاقة في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية: إنه “مع ارتفاع أسعار البنزين والضغوط التضخمية بالأسابيع الأخيرة، تزايدت الدعوات في الكونغرس لإدارة بايدن إلى الاستفادة من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي للبلاد”.
وأضاف: “زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، تشاك شومر، أضاف صوته، مؤخراً، لهذه الدعوات وقال: نحتاج إغاثة فورية والمكان الذي يجب البحث فيه هو الاحتياطي البترولي الاستراتيجي”.
ونقل كراوس عن وزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر جرانهولم، قولها: إن “مثل هذا البيان (بإشارة إلى تصريحات شومر) هو أحد الإجراءات التي تدرسها الإدارة الأمريكية لتهدئة أسواق الطاقة ، إلى جانب حث المملكة العربية السعودية والمنتجين الأجانب الآخرين على زيادة إنتاج البترول”.
ورأى أن البيع من الاحتياطي الأمريكي بأسعار نفط تزيد على 80 دولاراً للبرميل لن يؤدي فقط إلى زيادة الإمدادات وخفض الأسعار في أسواق النفط، بل سيحقق أيضاً عائدات بمليارات الدولارات للحكومة الأمريكية.
إلا أنه أشار في الوقت ذاته، إلى أن معظم الخبراء يعتقدون أن استخدام الاحتياطي النفطي سيخفض الأسعار بشكل متواضع، على الأقل لفترة قصيرة.
وأوضح أن إطلاق 30 مليون برميل يومياً على سبيل المثال، لن يكون له أكثر من تأثير مؤقت؛ نظراً إلى أن أسعار النفط محددة عالمياً، ومتوسط الاستهلاك العالمي قارب 100 مليون برميل يومياً.
خطوة غير مستبعدة
وكانت الولايات المتحدة استغلت احتياطيها النفطي عدة مرات، ففي عام 2011 أطلق الرئيس الأسبق باراك أوباما
30 مليون برميل كجزء من جهد مشترك مع دول أخرى لمواجهة اضطرابات الإمدادات من ليبيا.
وفي العام 2005، أطلق الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش 11 مليون برميل في أعقاب إعصار كاترينا،
وفي عام 1991 في عهد الرئيس جورج بوش الأب، تم الإفراج عن 17 مليون برميل خلال حرب الخليج الأولى.
إعصار هارفي في إحداث دمار بالمنطقة.
ولا يستبعد حسين البناء، الكاتب في الشؤون الاقتصادية والسياسية، أن “تلجأ الولايات المتحدة للاحتياطي
الاستراتيجي النفطي للتأثير على السعر العالمي للنفط”.
وأضاف: “من المتوقع أنه في حال تواصل صعود أسعار النفط، أن تضطر واشنطن إلى استخدام جزء معين من
الاحتياطي الاستراتيجي؛ على أمل تثبيت الأسعار وتقليل التذبذبات الحادثة بسوق الذهب الأسود”.
وأوضح أنه من الممكن أن تستخدم الحكومة الأمريكية الاحتياطي على مدار شهر مثلاً لتصل بالسوق العالمي
لاستقرار الأسعار، وسيرافق ذلك بالتأكيد بعض الاتصالات السياسية مع المنتجين؛ للحفاظ على معدلات الإنتاج أو زيادتها لمواجهة الطلب العالمي المتزايد على منتجات الطاقة.
وذكر الخبير الاقتصادي، أن هذه الزيادة تحتاجها الدول المنتجة للنفط مثل السعودية وروسيا وفنزويلا ونيجيريا لضبط
موازناتها وتقليص العجز فيها، الناتج عن أشهر طويلة من الركود خلال أزمة جائحة كورونا.
وأشار”البناء”، إلى أن هناك زيادة في التنسيق بين السعودية وروسيا بشأن ملف النفط، وهذا التنسيق سيساعد بقوة
على الوصول لأهداف الدول المنتجة.
معركة قاسية
من جانبه، يرى الخبير والمحلل الاقتصادي حسام عايش، أن “هناك معركة قاسية تدور حالياً بين أوبك بلس من جهة
والولايات المتحدة وأوروبا ومستهلكي النفط من جهة أخرى على خلفية ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري”.
وأضاف عايش لـ”الخليج أونلاين”: “أسعار النفط والغاز والفحم ارتفعت بشكل لا تتوقعه الدول المستهلكة، بسبب
زيادة الطلب مع دخول فصل الشتاء ومحاولات الاقتصادات العالمية التعافي من آثار جائحة كورونا”.
وتابع: “سعر الغاز زاد 5 أضعاف في أوروبا، وسعر الفحم وصل لأسعار كان عليها قبل 20 عاماً، إضافة إلى
الارتفاعات الكبيرة والمتسارعة لأسعار مشتقات الوقود وعلى رأسها البنزين”.
وأشار إلى أنَّ رفض السعودية وروسيا والدول المنتجة للنفط الاستجابة للضغوط الأمريكية دفع الرئيس بايدن إلى
القول إنه سيتم استخدام المخزون الاستراتيجي البالغ نحو 600.6 مليون برميل من النفط.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن مخزونات النفط موجودة في 29 دولة أخرى أعضاء ومنتسبين لوكالة الطاقة الدولية،
ومن بين هذه الدول اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، والصين والهند وغيرها.
وقال عايش: إنه “إذا ما تم استخدام هذه المخزونات الاستراتيجية التي تضم 1.5 مليار برميل بالكامل، فإنها ستنفد
خلال 15 يوماً حسب معدلات الاستهلاك الحالي البالغة 96 مليون برميل يومياً”.
وأضاف: “حرب نفطية مرتقبة هذا يعني أن المخزون الاستراتيجي حتى لو استُخدم بكامله فسيتم استهلاكه بسرعة كبيرة، وستحتاج هذه
الدول إلى تعويضه لاحقاً، ما يعني العودة لزيادة الطلب على النفط والدخول بدائرة ارتفاع الأسعار مجدداً”.
لذلك يرى عايش، أن الولايات المتحدة يمكن أن تنسق مع الصين واليابان وأستراليا وكورويا الجنوبية والهند وبقية
الدول التي تملك مخزونات نفطية، لاستخدام جزء من هذه الاحتياطيات النفطية لتغطي به الإنتاج الذي خفضته مجموعة “أوبك+”، والذي يصل إلى نحو 5.4 ملايين برميل يومياً.
ولا يستبعد أن يتم اتخاذ مثل هذا القرار؛ الأمر الذي سيؤدي إلى حرب أسعار ومعركة بين الولايات المتحدة
والمستهلكين من جهة والدول المنتجة للنفط من جهة أخرى، فالأولى تضغط بقراراتها لخفض الأسعار والثانية تريد
الحفاظ على أسعار مرتفعة؛ لتغطي عجز موازناتها التي خلَّفتها أضرار كورونا.