هل تكون الإمارات بوابة استقرار علاقات إيران مع دول الخليج؟
ليس حسن جوار فقط ما يطغى على علاقات إيران مع دول الخليج ، فالأخبار الواردة ترفع الستار عن مستقبلٍ معبَّد بتعاون كبير، وعلاقات أعمق، بعد خلاف لسنوات وتهديدات واستفزازت متبادلة بين الجانبين.
الإمارات ذات النشاط التجاري الأوسع في المنطقة، وصاحبة الاستثمارات العالمية الضخمة، والعلاقات الدولية النشطة، ربما لن تكون فقط اليد الأقوى لانتشال طهران من هوّة التردي الاقتصادي الناتج عن العقوبات الدولية على إثر برنامجها النووي، لكنها أيضاً ستكون عوناً لإيران في عودة علاقاتها بالمملكة العربية السعودية إلى طبيعتها.
بذلك فإن الإمارات- وفق ما يرى مراقبون- ستكون بوابة واسعة لاستقرار علاقات إيران مع دول الخليج ، وهو ما يعزز مكانة طهران السياسية في المنطقة وعودة نشاطها التجاري والاقتصادي بأوسع إمكاناته مع الدول الخليجية، خاصة السعودية التي تعتبر القوة الاقتصادية الكبرى في المنطقة.
إشارات من العهد الجديد
يوم دخول إيران بعهد رئاسي جديد، مطلع أغسطس الماضي عند تنصيب إبراهيم رئيسي رئيساً جديداً لإيران، كانت الإشارات تدل على أن عهداً جديداً ستدخله كل من طهران وأبوظبي، أساسه الود والتعاون وحسن الجوار.
فوفق وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أشاد الرئيس الإيراني الجديد بالإمارات، ووصفها بأنها “صديقٌ مخلص لإيران”.
كان ذلك خلال اجتماع إبراهيم رئيسي مع وفد إماراتي كبير برئاسة وزير التسامح، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، حضر للمشاركة في تنصيب الرئيس الإيراني، خلاله أعرب الأخير عن رغبته بتعزيز العلاقات مع دولة الإمارات.
الإشارة هذه جبّت ما قبلها من توترات في العلاقات وتبادل الاتهامات والتهديدات والتحذيرات بين البلدين، وما كان بعدها صفحة جديدة بيضاء لسجل بدأت أبوظبي وطهران تسطران على صفحاته لقاءات ودية ودعوات لزيارات حكومية لغاية تعميق التعاون وتوثيق روابط الجِيرة وتحسينها.
مطفأة حرائق إيران
مسار عبد المحسن راضي، الكاتب والباحث في الشأن السياسي، وصف أبوظبي بأنها “كانت دائماً وأبداً مطفأة الحرائق الاقتصادية لطهران”.
راضي يرى، في حديثه ، أنه لولا الإمارات لكانت العقوبات الاقتصادية على إيران، التي تجاوز عدد سكانها عتبة الـ 85 مليوناً، “قد وصل إلى انفجارٍ سياسي”.
وزاد أن الإمارات العربية المتحِدة هي “مِن أهم خمسة شُركاء اقتصاديين لإيران. سواء كان الأمر لهُ علاقة بالصادرات أم الواردات، علماً أن الإمارات هي شريان وارداتِها مِن الخارج”.
ففي سبتمبر الماضي، أعلن المتحدث باسم الجمارك الإيرانية، روح الله لطيفي، أن حجم التبادل التجاري بين إيران والإمارات سجل زيادة نسبتها 24% بالوزن و54 % بالقيمة، خلال آخر خمسة أشهر، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وقال إنه خلال الشهور الخمسة الماضية من العام الحالي بلغت صادرات إيران إلى الإمارات 5 ملايين و912 ألف
طن بقيمة مليار واحد و553 مليون دولار.
وبشأن استيراد إيران من الإمارات، صرح المتحدث باسم مصلحة الجمارك الايرانية، أنه خلال هذه الفترة استوردت
إيران 4 ملايين و436 ألف طن من السلع من الإمارات بقيمة 5 مليارات و391 مليون دولار.
دول الجوار الإيراني
ارتفاع نشاط العلاقات بين الإمارات وإيران كان أحدثه دعوة وجهها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان
لنظيره عبد الله بن زايد، خلال اتصال أجراه عبد اللهيان، وفيه أيضاً ناقشا العلاقات الثنائية ومجالات التعاون
المشترك وسبل تعزيزها، بحسب ما ذكرت “وكالة أنباء الإمارات” (وام)، الثلاثاء (30 نوفمبر 2021).
أما وزارة الخارجية الإيرانية فقالت إن عبد اللهيان أكد لنظيره الإماراتي حرص الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي،
على تطوير علاقات إيران مع دول الخليج خصوصاً، ودول الجوار عموماً.
وأكد الوزيران ضرورة التشاور المستمر بين البلدين، وأن العلاقات بين طهران وأبوظبي شهدت تحسناً، وأن الحكومة
الإيرانية الجديدة عازمة على مواصلة التشاور والتعاون الفعال مع الدول الصديقة والجارة.
العلاقات الإيرانية مع دول الجوار تطرق إليها المستشار السياسي للرئيس الإماراتي أنور قرقاش، حيث قال، الثلاثاء
(30 نوفمبر 2021)، إن بلاده سترسل وفداً إلى إيران لبحث العلاقات بين البلدين، في إطار الجهود لتحسين العلاقات بين الطرفين.
وأفاد قرقاش بأن الإمارات ستطلع الحلفاء في منطقة الخليج على مستجدات الأمور بعد إرسال الوفد إلى إيران.
ونقلت وكالة “رويترز” عن قرقاش قوله: “هناك تقدير من جانب الإيرانيين لإعادة بناء الجسور مع الخليج. نحن نتعامل مع ذلك بمنظور إيجابي”
عاصمة الممكنات المستحيلة
مرونة السياسة الخارجية التي تعتمدها الإمارات مكنتها من كسب صداقات أكثر، وطي الخلافات بشكل سريع
وعلاقتها مع تركيا مثال على ذلك، وهذا ما يؤكد الوصف الذي أطلقه عليها مسار عبد المحسن راضي بأنها “عاصمة
المُمكِنات المُستحيلة”.
راضي يعتقد أن الإمارات تستطيع، بما تمتلكه أيضاً من علاقات جيدة مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أن تقنع
الإدارات الجمهورية القادمة بإبقاء الاتفاق النووي قابِلاً للحياة إن عادت طهران إليه.
ووفق قوله فإنه “حتى فيما يخص التوازنات الأمنية في المنطقة؛ فإن أبوظبي شريك استراتيجي ممتاز لواشنطن. أيضاً
لعلاقتها الجيدة مع طهران، قد تستطيع أن تُقنِع الأخيرة بأن تحتفظ بثقلها الاستراتيجي على مسافةٍ آمنة من محورها مع موسكو وبكين، وأن تكون القلب الذي يضخ دماء الدبلوماسية الإيرانية في شرايين الخليج العربي”.
من جانب آخر يرى راضي أن “الإدارة الإيرانية الجديدة كانت تطمح لتفعيل تبادلاتها التجارية مع وسط آسيا، وأن
تكون سياسة إدارة هذه التبادلات، بأسلوب التايكونات الروس (رجال الأعمال الواسعي الثراء والنفوذ)”.
تطرق راضي إلى ما أعلنه في وقت سابق رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، عن إعجاب بلاده بطريقة
موسكو في إدارة تحدياتها الاقتصادية، لكن وفق راضي “يبدو أن رفع سقف التعاون مع موسكو ليس احتياطاً مستقبلياً
مأموناً، بسبب التوترات بين موسكو وواشنطن وبروكسل”.
وفي مِثال على ذلك يشير راضي إلى ما تتعرض له موسكو من ضغوط بسبب مشروع “نورد ستريم 2″، “إذ يمارس
الجمهوريون، بقيادة السيناتور تيد كروز، ضغوطاً على إدارة الرئيس الأمريكي لإيقاع العقوبات على روسيا، ووصل الأمر لحدِّ تعطيل التصديق على السفراء الذين رشَّحهم بايدن”.
وزاد: “يُضاف إلى ذلك تحديات أفغانستان، وباكستان، وقائمة طويلة من العُقد العربية؛ التي تستطيع أبوظبي تحمل
حظوظ إزالة تعقيداتها بشكل كبير”.