حراك فرنسي.. هل تنهي استقالة قرداحي الأزمة بين الرياض وبيروت؟
تمضي الأزمة بين الرياض وبيروت التي أطلقت شرارتها تصريحات سابقة للإعلامي جورج قرداحي، قبل أن ينضم لحكومة ميقاتي وزيراً للإعلام، نحو التهدئة بعد أن كانت مثل كرة ملتهبة تحرق ما حولها، حيث تلوح بوادر انفراجة في المدى القريب مع وساطة دولية.
وراوحت محاولات حل االأزمة بين الرياض وبيروت بين اتصالات ومواقف داخلية حول سبل ومخارج بينها استقالة قرداحي، إضافة إلى وساطات خارجية لمعالجة أزمة دبلوماسية كبرى هي الأولى في تاريخ لبنان.
ومع إعلان قرداحي تقديم استقالته، الجمعة 3 ديسمبر 2021، لم تتضح الصورة بعد ما إن كانت الاستقالة ستكون سبيلاً لعودة المياه لمجاريها بين السعودية ولبنان، أم أن الأزمة تعد أكبر من ذلك.
استقالة متأخرة
بعد مرور نحو شهرين على اندلاع الأزمة بين الرياض وبيروت ، عقب تصريحات قرداحي حول حرب اليمن، أعلن الوزير اللبناني استقالته من حكومة نجيب ميقاتي، مؤكداً أن ذلك يأتي بهدف حلحلة الأزمة مع السعودية ودول الخليج.
وقال قرداحي في مؤتمر صحفي عقده، في 3 ديسمبر 2021: “أريد من خلال استقالتي أن أفتح باباً إذا كان الأمر يسهل حلحلة الأزمة بين لبنان والسعودية”، مضيفاً: “منذ اليوم الأول قلت إنه إذا كانت استقالتي تفيد فأنا جاهز لها”.
وتابع: “هذه الاستقالة تأتي حرصاً على مصلحة بلدي وأهل بلدي، ولأنني لا أقبل أن أكون سبباً لأذية اللبنانيين في السعودية والخليج”
وفي أكتوبر الماضي، طردت 4 دول خليجية -هي السعودية الإمارات والبحرين والكويت- السفراء اللبنانيين من أراضيها، وسحبت سفراءها من بيروت؛ بسبب انتقاد وزير الإعلام للرياض وأبوظبي، واصفاً حرب اليمن بـ”العبثية”.
ورفض قرداحي عقب ذلك كل دعوات الاستقالة التي وجهت له منذ ذلك الحين، ولاقت تصريحاته دعماً من “حزب
الله” اللبناني وحلفائه.
وساطة فرنسية
كانت وسائل إعلام قالت، في مطلع ديسمبر: إن “قرداحي يتجه إلى إعلان استقالته من الحكومة بعد لقاء جمعه
بالرئيس ميقاتي، ونزولاً عند وساطة فرنسية لحل الأزمة قبيل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية”.
وأضافت أن ذلك القرار يعد “استجابة لطلب فرنسي لحل الأزمة قبل لقاء ماكرون بولي العهد السعودي محمد بن
سلمان في الرياض”، وذلك ضمن جولة خليجية للرئيس الفرنسي تشمل أيضاً قطر والإمارات
ونقلت صحيفة “النهار اللبنانية” عن مصدر فرنسي رفيع قوله إن ماكرون سيحاول إقناع قيادات الخليج بإعادة الاهتمام بلبنان ومساعدته.
وأضاف المصدر أن ماكرون كان التقى رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي في غلاسكو، على هامش قمة المناح،
ووعده بأنه سيحاول إقناع القيادة السعودية بالعودة عن القرار بمقاطعة لبنان، مشيراً إلى أنه من الأفضل أن يخرج الوزير الذي سبب المشكلة بهدوء.
وكانت تقارير صحفية قد كشفت، في وقتٍ سابق أيضاً، أن ميقاتي نقل إلى قرداحي والقوى السياسية رغبة فرنسية
باستقالة قرداحي، لتكون ورقة بيد ماكرون في حواره مع السعوديين في الملف اللبناني.
تصاعد هيمنة حزب الله
“جوهر الأزمة الراهنة بين الدول الخليجية ولبنان ليس في شخص وزير الإعلام وتصريحاته، بل في تصاعد هيمنة
حزب الله على الدولة”، هذا ما يراه المحلل السياسي اللبناني محمود علوش.
ويؤكد لـ” أن استقالة قرداحي “لن تُعالج جوهر المشكلة، لكنّها قد تُساعد في فتح حوار مباشر بين بيروت والعواصم
الخليجية، أو عبر وسطاء لتخفيف حدّة الأزمة وليس معالجتها نهائياً”.
ويعتقد أن الاستقالة قد تدفع دول الخليج إلى التراجع عن إجراءاتها الأخيرة ضد بيروت أو بعض منها؛ كإعادة
العلاقات الدبلوماسية، مضيفاً: “لكنّها ستواصل ضغوطها السياسية والاقتصادية لإضعاف قدرة حزب الله و(الرئيس اللبناني) عون على إدارة الأزمة الاقتصادية والسياسية حتى الانتخابات المقبلة”.
وحول إقناع فرنسا للسعودية يقول علوش: “ماكرون لديه علاقة جيدة مع الأمير محمد بن سلمان، والفرنسيون يُعولون
على ذلك لإقناع السعودية بإنهاء الأزمة”.
لكنه في الوقت ذاته يرى أن حدود تأثيرهم في الصراع الإيراني – السعودي “محدود، ولا يُمكن عزل الأزمة اللبنانية
الخليجية عن هذا الصراع الإقليمي”.
ويضيف: ” يُدرك الخليجيون أن مثل هذه الضغوط لن تُفلح في دفع حزب الله إلى التراجع عن دوره الداخلي والإقليمي، لكنّهم يُعولون على أن تؤدي الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها لبنان إلى إضعاف فرص حزب الله
وحلفائه في الحفاظ على الغالبية البرلمانية في الانتخابات المقبلة”.
الأزمة أكبر
وكانت وكالة “رويترز” نقلت عن مصادر لم تسمها قولها: إن “الرياض ترى المسألة أكبر من تصريح أو استقالة
وزير غير مؤثر، ولكنها في المقام الأول مرتبطة بسيطرة حزب الله الموالي لإيران على مفاصل الدولة اللبنانية”.
وتوقعت المصادر أن “يطرح الجانب السعودي على بساط البحث مع الجانب الفرنسي حقائق عن ذلك؛ مثل الدعم
الإيراني من خلال حزب الله للحوثيين في اليمن بالمال والسلاح والخبراء العسكريي”.
وسبق أن اعتبرت المملكة العربية السعودية إصرار حزب الله اللبناني على فرض هيمنته على البلاد سبباً رئيساً في
الأزمة الخانقة التي يواجهها لبنان.
وفي بيان أصدره وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مطلع أغسطس الماضي، قال إن أي دعم
سعودي للبنان مرهون بإجراء إصلاحات جادة.
وكانت السعودية استدعت سفيرها في بيروت، مطلع أكتوبر الماضي، وأمهلت السفير اللبناني لدى المملكة 48 ساعة
لمغادرة البلاد، في خطوة اتبعتها دول الكويت والبحرين، فيما استدعت الإمارات دبلوماسييها
وكان أبرز القرارات التي اتخذتها المملكة في الجانب الاقتصادي وقف كافة الواردات اللبنانية إلى المملكة.
وجاءت تلك الخطوات عقب انتقاد قرداحي في برنامج حواري يبث على مواقع التواصل الاجتماعي تحالف دعم
الشرعية الذي تقوده السعودية في اليمن.
وتعد المملكة واحدة من أهم الدول الداعمة لبيروت على مدار أكثر من 100 عام، وهو ما يزيد من تعقيدات الأزمات
الاقتصادية العميقة التي تواجهها الأخيرة في الآونة الأخيرة، والتي تسببت بانهيار قيمة عملتها المحلية.