مخرجات القمة الخليجية الـ42.. ما بعد العلا ليس كما قبلها
عكست مخرجات القمة الخليجية الـ42 التي عقدت في العاصمة السعودية يوم الثلاثاء (14 ديسمبر 2021) حقيقة أن العلاقات بين دول مجلس التعاون بعد قمة “العلا” ليست كما قبلها، وأن ثمة تحركاً خليجياً فعلياً نحو مزيد من العمل المشترك، وإن بوتيرة بطيئة.
فقد جدد القادة الخليجيون تأكيدهم على الوحدة الأمنية لدول مجلس التعاون، وقالوا في البيان الختامي للقمة الثانية والأربعين التي عقدت في الرياض، إن أي اعتداء يقع على أي من دول المجلس الست يعتبر اعتداءً على الجميع.
وجرت القمة الأخيرة وسط حالة من اللايقين تسيطر على عدد من الملفات المهمة بالمنطقة، وفي مقدمتها حرب اليمن، والعلاقات الخليجية الإيرانية، فضلاً عن الملف النووي الإيراني الذي تحول إلى أزمة بين الغرب وطهران.
وشدد البيان الختامي للقمة الذي تلاه نايف الحجرف، أمين عام مجلس التعاون، على العمل الجماعي وإزالة العقبات أمام العمل الاقتصادي المشترك.
وأكد البيان: “على ما تضمنته المادة الثانية من اتفاقية الدفاع المشترك بأن الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعتبر أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها كلها، وأي خطر يتهدد إحداها يتهددها جميعاً”.
وحظيت القمة بأهمية خاصة؛ لكونها الأولى منذ قمة “العلا” التي جرت مطلع العام في السعودية، وتم خلالها التوقيع على اتفاق المصالحة الخليجية الذي أنهى خلافاً استمر أكثر من 3 سنوات، بين قطر من جهة، وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، من جهة أخرى.
وبعد القمة قال وزير الخارجية الكويتي، الشيخ أحمد ناصر الصباح، إنها “عززت العمل الخليجي المشترك
جولة استباقية
قبل أيام قليلة من القمة، أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جولة خليجية شملت دول المجلس كافة، وأجرى خلالها مشاورات مع قادة الدول، قيل إنها تعلّقت بالأساس بما سيتم بحثه خلال القمة.
وخلال كلمة بلاده التي ألقاها نيابة عن الملك سلمان بن عبد العزيز، قال ولي العهد السعودي إن المملكة تدعم الحلول السلمية لحل النزاعات بالمنطقة، مشيراً إلى الاستمرار في دعم جهود المبعوث الأممي لحل الأزمة اليمنية.
وشددت السعودية على أنه “يجب التعامل مع البرنامجين الصاروخي والنووي الإيرانيين بما يحقق الاستقرار الإقليمي”، وعلى أهمية “إيجاد التوازن لتحقيق استقرار وأمن أسواق الطاقة العالمية”، فضلاً عن “استكمال بناء تكتل اقتصادي مزدهر لدول المجلس”.
من جانبه قال ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة في كلمته: إنه “لا بد من استكمال بنود إعلان العُلا وتنسيق المواقف لتعزيز التضامن والاستقرار”، مؤكداً أنه “لا بد من الالتزام بمضامين إعلان العُلا” الموقع بين دول مجلس
التعاون في القمة الـ41.
تطور كبير للعلاقات
وشهدت الشهور التي تلت القمة حالة كبيرة من التوافق بين دول المجلس، كما تبادل قادة الدول ووزراء الخارجية
الزيارات الرسمية، وبحثوا العديد من الملفات المهمة.
وكانت مواقف دول المجلس موحدة تقريباً خلال الفترة التي تلت قمة العلا، وقد تجلت هذه الوحدة في الأزمة التي
اندلعت بين السعودية ولبنان خلال الشهرين الماضيين بسبب تصريحات لوزير الإعلام اللبناني المستقيل، جورج قرداحي.
وبعد انتهاء القمة الأخيرة، قال الأمين العام لمجلس التعاون نايف الحجرف، في مؤتمر صحفي، إن المجلس “طالب
لبنان باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بالإصلاحات الشاملة ومكافحة الفساد وبسط السيطرة على سيادته وكافة مؤسساته”.
كما طالب المجلس الحكومة اللبنانية بـ”منع حزب الله الإرهابي من ممارسة نشاطاته الإرهابية واحتضانه ودعمه
للتنظيمات والمليشيات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية لتنفيذ أجندات دولية وإقليمية”.
وأكد الحجرف أن أمن دول المجلس “كل لا يتجزأ”، مضيفاً: “بناء على ذلك، جاء افتتاح مقر القيادة العسكرية
الموحدة كرسالة سلام وعزم على حماية وصون أمن دول مجلس التعاون”.
وبدأت دول المجلس تتعامل بشكل أكثر تكاملاً فيما يتعلق بأزمات اليمن ولبنان، فضلاً عن تذويب أو تجميد الخلافات
التي كانت متصاعدة في ملفات ليبيا ومصر وغيرها.
وحالياً، تتخذ دول الخليج موقفاً موحداً تقريباً من الملف النووي الإيراني ومن نشاط طهران الصاروخي، الذي يمثل
تهديداً للمنطقة بصفة عامة، فيما بدأت مشاورات خليجية أمريكية أوروبية كبيرة لصياغة موقف موحد من هذه الأزمة.
آمال خليجية
وبرزت أهمية القمة في الكتابات الخليجية التي سبقتها، حيث قال الكاتب الإماراتي علي بن سالم الكعبي، في مقال
نشرته صحيفة “الاتحاد” الإماراتية (14 ديسمبر 2021)، إن آمال أبناء الخليج العربي معقودة على هذه القمة.
وأضاف الكعبي: “الطموح كبير بأن تشهد المرحلة المقبلة تطوراً لافتاً في تنمية علاقات مجلس التعاون مع العديد من
الدول والتكتلات العالمية، بما في ذلك استئناف مفاوضات التجارة الحرة، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الدول الصديقة”.
كما أعرب الكاتب سلطان العنقري، في صحيفة “المدينة” السعودية، عن أمله في تشكيل تكتل اقتصادي خليجي،
مضيفاً: “الأمير محمد بن سلمان استبق القمة الخليجية بعدة أيام لكي يُمهِّد الأرضية، ويُهيئ الأجواء لقمة خليجية
ناجحة ومغايرة لبقية القمم الأربعين الخليجية السابقة”.
وتحدث على بن أحمد العيسائي، في مقال بصحيفة “الأهرام” المصرية، عن وجود منهجين في العمل داخل مجلس
التعاون نتيجة العوامل الداخلية والإقليمية والدولية التي تحيط بمنطقة الخليج.
وقال إن التوجه الأول هو “التمسك بالأسس التي قام عليها المجلس والمتمثلة في التنسيق والتكامل والترابط بما تسمح
به ظروف كل دولة، وتمسكت بهذا المنهج كل من الكويت وعمان”.
أما التوجه الثاني فهو “تغليب المصلحة الوطنية للدولة الوطنية ولو تعارض مع مصلحة بعض الدول الأخرى وتبنته
دول أخرى وهي السعودية وقطر والإمارات كلٌّ بطريقته”.
وخلص إلى أن تحقيق التوازن بين المنهجين يعد “من أهم عوامل نجاح قمة مجلس التعاون”، ومن ثم “إعادة الثقة التي
فقدت، وغير ذلك فإن اختلاف الآراء في المجلس سيبقى