سياسةمجتمع

تشاور سياسي بين مصر ودول الخليج.. تنسيق المواقف تمهيداً لترتيبات إقليمية أوسع

تعتبر مصر ودول الخليج من أهم الدول العربية؛ فبينما تعد الأولى من أكبر دول منطقة الشرق الأوسط، وتتميز بأهميتها الاستراتيجية، فإن دول الخليج استطاعت أن تقفز في العقود الثلاثة الأخيرة إلى قمة الاهتمامات الدولية نتيجة لعوامل مختلفة.

ونظراً لما لتلك المنطقة من أهمية استراتيجية كبيرة فقد أدى هذا الأمر إلى ضرورة وجود سياسات واستراتيجيات قائمة بين مصر من جهة، ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى.

وفي خطوة جديدة على طريق تعزيز العلاقات الخليجية المصرية، وتأسيس شراكتهما الاستراتيجية، دشنت في الرياض آلية التشاور السياسي المصري الخليجي، وهي المرة الأولى التي يخطو بها الجانبان نحو تأسيس آلية لتعزيز التشارك في القضايا المختلفة، بما يطرح تساؤلات حول أهمية هذا التشاور.

آلية مشتركة

للمرة الأولى شارك وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في 12 ديسمبر 2021، في اجتماع وزاري خليجي بالرياض، لتدشين آلية تشاور سياسي بشكل مؤسسي بين القاهرة وعواصم الخليج الست.

وأفاد بان مصر ودول الخليج، في بيان، بأنه “عقد اجتماع وزاري بمشاركة وزراء خارجية دول المجلس ورئاسة السعودية وشكري، في مقر الأمانة العامة بمدينة الرياض”.

وفي كلمته خلال الاجتماع قال شكري: “أعبر لكم عن اعتزازي باجتماعنا اليوم بناءً على دعوتكم لمواصلة التشاور والتنسيق الوثيق الذي يجمع بيننا”، مضيفاً: “نقر اليوم وضعه (التشاور الوثيق) في إطار مجمع بيننا، عبر تدشين آلية التشاور السياسي بين وزارة الخارجية المصرية والمجلس”.

فيما قالت وزارة الخارجية المصرية، عبر بيان: إن “مشاركة مصر لأول مرة في هذا الاجتماع من خلال تدشين آلية التشاور السياسي مع دول المجلس تعكس العلاقات الوطيدة والمصير المشترك الذي يجمع الجانبين”، موضحة أنها “تعكس ضرورة تكثيف التنسيق والتشاور بينهما خلال المرحلة المقبلة”.

أما نظيره السعودي فيصل بن فرحان، فقال خلال المؤتمر الصحفي ذاته: إن “التنسيق مستمر وعنصر أساسي بين دول الخليج ومصر وليس مستجداً، ولكن ما تم هو مأسسة لما هو قائم”.

قمة خليجية واجتماعات قادمة

في تصريحات شكري قال: إن “ما انعقد على المستوى الوزاري من إقامة إطار تنسيق تشاوري، ستكون له آليات على مستوى الوزراء وكبار المسؤولين، وسيعقد بشكل دوري لبحث كافة القضايا”.

ويأتي عقد هذا الاجتماع تأسيساً للبدء في العمل ضمن إطار مؤسسي دوري لمبدأ التشاور والتنسيق بشأن القضايا
الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتعزيزاً لدور الجانبين في تحقيق السلام والتنمية المستدامة وخدمة التطلعات السامية للأمتين العربية والإسلامية، وفقاً لما ذكرته وسائل إعلام مصرية.

هذه المباحثات الوزارية جاءت قبل القمة الخليجية الـ42 التي عقدت في الرياض، في الـ14 من ديسمبر الجاري،
وهي القمة الأولى التي تعقد عقب المصالحة الخليجية التي أقيمت خلال قمة العُلا، في الـ5 من يناير الماضي.

وأنهت هذه المصالحة أزمة سياسية حادة اندلعت منتصف 2017، وقطع خلالها كل من السعودية والإمارات
والبحرين ومصر علاقاتهم مع قطر، بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة بشدة.

وتعد الآلية الجديدة التي دشنت باجتماع مصر والخليج إحدى ثمار إعلان العلا، والتي شارك فيها وزير الخارجية
المصري، ووقع على بيان العلا إيذاناً بطي صفحة الأزمة.

واعتبر إعلان العلا أن توقيع مصر على البيان يؤكد “توثيق العلاقات الأخوية التي تربط مصر الشقيقة بدول المجلس،
انطلاقاً مما نص عليه النظام الأساسي بأن التنسيق والتعاون والتكامل بين دول المجلس إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية”.

مصالح مشتركة

الكاتب والمحلل السياسي المصري قطب العربي، أكد أن مشاركة مصر ودول الخليج الأخيرة في الرياض، وتدشين
آلية تشاور سياسي، تأتي استكمالاً للعلاقات المصرية الخليجية وتطورها خلال السنوات الماضية.

وشهدت الفترة الأخيرة، وفق حديث العربي  ، بعض المصالح المشتركة للدول الخليجية مع مصر، لذلك تم الاتفاق
على التشاور والتنسيق بشكل مسترك، وإعلان آلية التنسيق السياسي خلال القمة الأخيرة.

وتهدف الآلية المعلنة، حسب العربي، إلى تحقيق كل الأطراف مكاسب وليس طرفاً واحداً، حيث إن مصر تريد تحقيق
مكاسب على سبيل المثال في ملف إثيوبيا، خاصة أن بعض دول الخليج تستثمر بهذه الدولة الأفريقية، وهو ما لا تريده القاهرة.

وتريد مصر من وراء التشاور السياسي مع دول الخليج، كما يوضح العربي، “الحفاظ على دورها فيما يخص العلاقة
مع “إسرائيل”، وألا تقفز عليها دول أخرى، كالإمارات التي أصبحت القاطرة التي تقود الدول الأخرى للتطبيع”.

ويتابع: “كذلك تهدف آلية التنسيق والتشاور المصرية الخليجية، في ظل المخاوف التقليدية لدول مجلس التعاون من إيران، وسعيها إلى الاحتماء بمصر كدولة عربية كبرى، إضافة إلى أن هناك مصلحة مشتركة لبناء علاقة مع تركيا،
خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت إقبالاً تاريخياً للتعامل معها، لذلك تحركت مصر تجاه الخليج بشكل تنسيقي حتى لا تجد نفسها معزولة”.

وحول دور التشاور المصري الخليجي في ملف اليمن يقول الكاتب والمحلل السياسي: “مصر منذ البداية أيدت
الحرب، ولكن لم ترسل قوات، خاصة أنها في تلك الفترة كانت تتلقى المليارات من السعودية والإمارات، وهو ما
أحدث نوعاً من الغضب المكتوم تجاه القاهرة بسبب موقفها، ولكن لم يؤثر على مجمل العلاقات بينهم”.

وحسب العربي، “أثرت الحرب على المنح الخليجية لمصر؛ لأن تلك الدول قدمت الكثير لها، ولم يعد لديها ما تقدمه
بسبب استنزافها في حرب اليمن، لذلك هي تشجع مساعي وقف الحرب، ومحاولة بناء علاقات مع إيران”.

تطورات متسارعة

ولعل هذه التحركات تأتي وسط تطورات لافتة على صعيد العلاقات التركية – المصرية – الخليجية، والتي تشي بنوع
من التقارب والانفراج فيما بينها، ما قد يعني مزيداً من الهدوء في المنطقة.

والتحركات الأخيرة تكشف عن عدم انقطاع خيوط التواصل بين مصر وتركيا، وأن تفاهمات جديدة قد تقود إلى تقارب
وتعاون فعّال، ولا سيما أن تقارباً مصرياً – قطرياً قد بدأت خطواته.

وإلى جانب ذلك فإن الخطر الإيراني المحتمل على السعودية ودول الخليج يحتاج بالضرورة إلى تعزيز القوة
التي تعدّل في ميزان القوى مع هذا الخطر، وإبعاد مصر عن التقارب مع طهران.

وما هو مؤكد أن اعتماد الرياض والقاهرة على قدراتهما الذاتية، مع تطوير شبكة تحالفاتهما العربية والإقليمية، وإيجاد
مبادراتٍ لحل الأزمات الإقليمية، قد بدا لافتاً وسريعاً مؤخراً للهروب من الرهان على الدعم الأمريكي المتقلب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى