تعد مباخر العود إحدى أهم رموز الزينة والكرم في الدولة السعودية الأولى، والتي كانت تسمى مبخرة الطيب نسبة إلى العطر الفريد الذي يتصاعد من مزيج البخور وخشب العود ليفوح في أرجاء المكان ويعطر الثياب والأبدان.
واحتفى الحساب الرسمي بيوم التأسيس السعودي بالمبخرة لكونها إرث الأجداد وأيقونة الكرم وحسن الضيافة في المملكة منذ مئات السنين، وتدل على ذلك المقتنيات الأثرية الموجودة في بعض دكاكين القرية التراثية على ذلك، حيث يوجد العديد من المباخر القديمة المصنوعة من الفخار أو المعدن أو الحديد.
رمز الحفاوة
وعن سبب الاهتمام السعودي الكبير بالمبخرة والقهوة وغيرها، أوضح المهتم بالتراث وليد العبيدي، في 14 فبراير، خلال حديثه “للعربية نت”، أن “للبخور أو طيب العود دلالة رمزية متأصلة في التاريخ والتراث السعودي، فعلاوة على مبخرة الطيب يعتبر رمزاً للكرم والجود، وتعبيراً راقياً لاحترام الضيف وتقديره، بعد إكرامه بفنجان القهوة السعودية، وذلك لإظهار أهمية الضيف ومكانته عند مضيفه”.
وأضاف العبيدي أن الحفاوة والكرم كانت تقاس قديماً بزيادة جودة البخور المقدم للضيف المحتفى به، موضحاً أن للبخور عدة أنواع، بعضها أطيب وأجود من غيرها، ومنها بخور “العود الهندي” وبخور “العود الكمبودي”.
إلى ذلك، أشار إلى أن وصول البخور إلى الجزيرة العربية يعزى إلى “طريق البخور”، وهو طريق للقوافل التجارية قديماً، والذي يقسم إلى طريقين؛ أحدهما يتجه إلى نجد ثم العراق، حتى تغنى الشعراء السابقون في قصائدهم بالبخور.
تشبث بالبقاء
ومنذ عشرات السنين، يستخدم السعوديون في مجالسهم التقليدية مباخر لنشر روائح تدخل البهجة في نفوس الحضور، وهذه المباخر تصنع يدوياً وبدقة بالغة بفضل صناعة راسخة تتوارثها أجيال في منطقة حائل.
ويشير تقرير نشرته “ميدل إيست أونلاين” إلى أن نحو خمس عائلات في حائل تحافظ على هذه الصناعة القديمة التي ترمز عند ملايين السعوديين للكرم وحسن الضيافة.
وتصنع المباخر الخشبية من شجر الطرفاء الذي ينمو في صحراء حائل، فما إن تجف فروع الشجرة حتى يحولها الصانعون إلى مباخر، وعن ذلك قال عامل في ورشة نجارة لصنع المباخر الحائلية يدعى عبد الحميد خان بأنهم يقومون بقص خشب المبخرة من أشجار خاصة، وبعدها تبدأ عمليات النحت والتشكيل، من قبل مجموعة من الحرفيين المهرة لتزيين تلك المباخر، أو المجامر أو المداخن، بأشكال وطرق مختلفة.
ويشير تقرير “ميدل إيست” إلى أن هذه الصناعة عمرها في حائل أكثر من 140 عاماً، وتوارثتها الأجيال جيلاً بعد
جيل، لكونها من العادات والتقاليد التي يفتخرون بكونها من أساس كرم الضيافة، حيث يستقبل بها الضيوف ويودعون بها، كما تستخدم بالأعياد والمناسبات والأعراس وبالمحافل الرسمية.
وقال صاحب محل لبيع العود والبخور والمباخر يدعى عمر الفقيه: “المداخن تتفاوت بالنسبة للجودة، وبالنسبة للسعر،
لكن بوجه عام الشعب السعودي لا يمكن أن يستغني عن المدخنة لأنها رمز من رموز الكرم وخصوصاً في منطقة حائل”.
ويضيف لنفس المصدر بأن عملية تزيين المبخرة الواحدة تستغرق بين ساعتين وخمس ساعات من العمل شديد التدقيق
على الأرجح، ويتراوح سعرها بين 13 – 500 دولار بحسب الجودة.
مباخر عصرية
ويبدو أن الجيل السعودي الجديد بدأ يودع الطريقة التقليدية لإشعال بخور العود باستخدام الفحم، متجهين نحو الأعواد
سريعة الاشتعال، وهي الطريقة الأكثر رواجاً في مكاتب العمل وأماكن التنقل، إلا أن هذه الصناعة باتت ملهمة
لابتكار مباخر حديثة أشبه بالقطع الفنية، تدمج بين الفكرة العصرية لبخور العود وعراقة النقوش التراثية، بحسب صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.
وتنقل الصحيفة عن خلود الأنصاري، وهي صاحبة مشروع حديث لإنتاج المباخر، بأن آلية صنع المباخر تتم بتحضير
الخشب الطبيعي الخام، وبعد تقطيعه وتشكيله تتم عملية الحفر إما بالخط العربي أو النقوش التراثية أو رسوم الأزهار
أو الرسوم التي قد يطلبها العملاء، يتلو ذلك مرحلة تلوين القطعة، مؤكدة أنها تهتم بالحفاظ على تعرجات الجذع
الموجودة على الخشب، مع حرصها على ألا تتكرر أي قطعة تصنعها.
وترى الأنصاري لهذه الصناعة سوقاً رائجة، خاصة مع ما هو متعارف عليه من ارتفاع معدلات إنفاق السعوديين
على بخور العود، وتنوع الأشكال والأحجام حديثاً بصورة مغرية للمستهلك.
وتلفت وكالة الانباء السعودية إلى أن أشكال المباخر تنوعت في الوقت الحاضر، حيث تظهر أنواع متعددة، منها
الخشبي أو المصنوعة من الألمنيوم والزجاج، وتأتي المبخرة على شكل هرم مقلوب يقوم على أربعة قوائم، ويتم
تزيين المبخرة بالعديد من الزخارف من النحاس والبرونز والزجاج، وتطورت المبخرة أكثر لتستغني عن الجمر والفحم بالكهرباء.
ويشير الهمش إلى أن من أبرز ما يحتفى به القهوة السعودية، وبخور العود، و”الكلمات الترحيبية التي تتعالى بها
الأصوات فرحاً واعتزازاً وفخراً بإكرام الضيف، ومنها (حياك الله – ومرحباً ألف – ويا مرحباً به)، حسب اللهجات
المتعددة بالسعودية، ويعد استقبال الضيف وإكرامه من أهم معالم الكرم”.
ويتابع المرشد السياحي أن أبرز رموز الحفاوة في الدولة السعودية الأولى مبخرة الطيب أو “العود الخشب”، فهي
معلم أساسي للكرم والضيافة، ولا بد أن تقدم عند استقبال الضيف والترحيب به وحين توديعه. وأما عن سبب تسميتها
بمبخرة الطيب فأن استخدامنا لها يكون من خلال وضع العود الذي تتصاعد الرائحة الطيبة منه بواسطتها، لذا نسميها
“الدخون” أو البخور.
ويشير الهمش، ، إلى أن المباخر والبخور و”الدخون” -كما نسميه- لها ارتباط أصيل بالجزيرة العربية وبالسعودية
على وجه الخصوص؛ “حيث كانت أغلب مناطق المملكة تقع على طريق البخور، وهو أحد أقدم الطرق التي ارتادها
العرب سابقاً. فتوارثناها جيلاً بعد جيل واهتممنا بها وأصبحت لا تفارق مجالسنا ومناسباتنا وأفراحنا”.