الاخبار العاجلةسياسة

في الذكرى الـ35 لانطلاقتها.. “مصور حماس الأول” يحكي للجزيرة نت عن سنوات الأرشفة والتوثيق

غزة- “بدنا أولادنا يروحوا غصب عنهم”، عبارة شهيرة للشيخ أحمد ياسين، تستخدم على نطاق واسع في فعاليات تنظمها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لإسناد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

هذه العبارة للشيخ الشهيد، ومدتها 5 ثوان فقط، مقتطعة من فيديو مدته 35 دقيقة، التقطه “مصور حماس الأول” مازن صلوحة في 2003، خلال زيارة معايدة للشيخ في منزله بمدينة غزة، وأصبحت بالنسبة للمقاومة “خارطة طريق لتحرير الأسرى”، وقد أنجزت بعدها بـ7 أعوام صفقة “وفاء الأحرار”.

ليست هذه العبارة الوحيدة التي ترتبط بصلوحة، الذي كان محظوظا بالتواجد في اللحظة والمكان المناسبين، لالتقاط وتسجيل “عبارات خالدة”، أبرزها برأيه وفي حديثه للجزيرة نت؛ كانت ما صدح به الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي “سننتصر يا بوش.. سننتصر يا شارون، وستعلمون ذلك، وكتائب القسام تزلزلكم في حيفا، وفي تل أبيب، وتضربكم في صفد”.

وعندما قال الرنتيسي هذه الكلمات قبل استشهاده عام 2003، لم تكن صواريخ المقاومة في غزة تتجاوز بضعة كيلومترات، لكنها اليوم وبحسب تأكيد كتائب القسام أصبحت تغطي مساحة فلسطين التاريخية، وقد ضربت المدن التي ذكرها الرنتيسي في الحروب الأربع على غزة خلال الـ15 عاما الماضية.

وعي مبكر

مازن إسحاق صلوحة، الذي يكتسي رأسه بالشعر الأبيض، من مواليد غزة في عام 1963، متزوج ولديه ولدان و4 بنات، وبسؤال الجزيرة نت له عن وصفه بـ”مصور حماس الأول”، قال بابتسامة “الأخوة بيحبوا يكبروني.. أنا كنت ضمن الخلية الإعلامية الأولى مع آخرين”.

بدأ وعي صلوحة، الذي يشارف على الـ60 عاما من عمره، بقيمة التوثيق والأرشفة مبكرا في سبعينيات القرن الماضي، وكان حينها طالبا في المرحلة الثانوية، ولأن وسائل التسجيل والتصوير لم تكن متاحة في ذلك الزمن، كان صلوحة يدون في دفتر بالتواريخ كل الأحداث والأخبار المهمة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987 – 1993) اشترى صلوحة من ماله الخاص جهازا لتسجيل نشرات الأخبار المتعلقة بفلسطين عبر الإذاعات الدولية، والاحتفاظ بها على “أشرطة كاسيت” لم تعد مستخدمة في الوقت الحالي مع التطور التكنولوجي.

وكان صلوحة ملتزما دينيا منذ صغره في “مسجد الرضوان” في غزة، والتحق مبكرا بصفوف حركة حماس، التي لمست فيه هذا الميل الكبير نحو التوثيق ومتابعة التطورات السياسية والميدانية، فكان أحد أفراد خلية إعلامية تم تكليفها تنظيميا بالأرشفة.

وفي ذلك الوقت كان العمل بدائيا، يعتمد على الأرشفة اليدوية من الصحف، يقول صلوحة “أعلنت إسرائيل خلال الانتفاضة أنها ضربت أرشيف حماس الإعلامي، ولم يكن الحدث سوى ملفات تحتوي قصاصات ورق صحف قديمة”.

Ezzedine al-Qassam Brigades' parade in Gaza- - KHAN YOUNIS, GAZA - NOVEMBER 11: Ezzedine al-Qassam Brigades, the armed wing of Palestinian resistance movement Hamas, hold a parade as part of the anniversary of the prevention of Israeli covert operation on 11 November 2018 carried out in the Khan Younis of the southern Gaza Strip, on November 11, 2019 in Khan Younis, Gaza.
استعراض سابق لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس (الأناضول)

الخياط المصور

بسبب هذا الوعي الممزوج بكثير من العشق، وبدافع من ضعف الإمكانيات لدى حركة حماس في منتصف تسعينيات القرن الماضي، اضطر صلوحة إلى استئجار كاميرا بماله الشخصي لتوثيق وتصوير أحداث ومناسبات إسلامية بالفيديو، وفي عام 1999 استغل وجوده في الديار الحجازية لتأدية فريضة الحج، واشترى أول كاميرا تصوير تلفزيوني، وظل مواظبا على عاداته بالتصوير التطوعي لسنوات بعد تحرر الشيخ ياسين من سجون الاحتلال عام 1997.

اقرأ ايضاً
شاهد بالفيديو.. أولى صفعات الرئيس بايدن للمملكة السعودية والإمارات

ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وتصاعد الأحداث اليومية من مواجهات مع قوات الاحتلال، وارتقاء شهداء وسقوط جرحى، كتب صلوحة للشيخ ياسين ما يمكن وصفه بـ”مشروع إعلامي” يركز على توثيق مسيرة حماس وأنشطتها وفعالياتها.

ولاقى المشروع اهتماما من الشيخ ياسين، الذي استدعى صلوحة إلى مكتبه لمناقشة التفاصيل، ويتذكر صلوحة من ذلك اللقاء أنه قال للشيخ “إن الجيل القادم لن يقرأ علينا الفاتحة إن لم نوثق مسيرتنا”.

ويقول صلوحة في ذلك اللقاء أيضا أخبرت الشيخ أنه “سيكون لنا في المستقبل القريب قناة تلفزيونية ويجب أن نمتلك أرشيفنا، ونوثق تاريخنا بأيدينا، ولا نتركه للعدو ليكتبه على هواه ووفق مزاجه”.

وقد سأله الشيخ “ما مهنتك؟” فأجاب صلوحة “أنا خياط”، وكان يمتلك معمل خياطة منذ عام 1985، ويقول “طلب مني الشيخ الاهتمام بالعمل الإعلامي، والاكتفاء مؤقتا بالإمكانيات المتاحة لدى الحركة وكانت بسيطة جدا”.

الشيخ والطفل

تعود علاقة صلوحة بالشيخ ياسين منذ كان طالبا في المرحلة الابتدائية في مدرسة الكرمل الحكومية، وكان الشيخ مدرسا فيها للتربية الإسلامية، ويقول “لم يكن مدرسا عاديا، وقد ترك أثرا كبيرا في نفسي وعلى شخصيتي”.

“في أحد أيام الدراسة تغيّب مدرس التربية الرياضية، وكان الشيخ بديلا عنه، وأخذ يوزعنا بالتساوي على فريقين وفق الطول والحجم، وترك لنا حرية اختيار المراكز في الملعب، وكأنه يريد أن يعلمنا مبادئ العدل والمساواة وحرية التعبير”.

هذه الحكاية وغيرها يختزنها صلوحة في ذاكرته رغم مرور عقود طويلة، ويذكر موقفا آخر للشيخ ياسين، عندما وجد الطلاب سعداء بإجازة الربيع وبحلوى وزعها عليهم من كان يسمى “ضابط ركن التعليم”؛ وهو ضابط إسرائيلي مسؤول عن المدارس الحكومية في غزة آنذاك، فقال للطلاب “ضحكوا عليكم بالإجازة والحلوى”، وكأنه يريد أن يزرع في نفوس الطلاب وعيا بالوجود الباطل لهذا العدو على أرض فلسطين.

تصوير أم شهيد أو زوجة شهيد لحظة البكاء على الفراق من أصعب المواقف المؤثرة واضطر لاخفاء دموعي-رائد موسى-الجزيرة نت
مازن صلوحة يضطر لإخفاء دموعه عند تصوير أمّ أو زوجة أو ابنة شهيد لحظة البكاء على الفراق (الجزيرة)

مهمة استشهادية

مسيرة طويلة على مدار عقود لم تطفئ جذوة العمل والنشاط لدى صلوحة، وعندما التقته الجزيرة نت في مقر “دائرة العمل الجماهيري” التابعة لحركة حماس في غزة، كان يعمل يدا بيد مع شبان بعمر أبنائه، تحضيرا لمهرجان ذكرى الانطلاقة الـ35، وتصادف 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري.

أحداث ومواقف كثيرة مرت بصلوحة ومر بها خلال مسيرته الميدانية، لكنه لم يتردد عند سؤاله عن أبرز المحطات وأكثرها تأثيرا عليه، فقال “أم شهيد أو زوجة شهيد أو ابنة شهيد تبكي بحرقة لحظة الفراق.. أضطر حينها أن أمسك الكاميرا بيد وأخفي دموعي باليد الأخرى”.

ويفخر صلوحة بارتباط اسمه بعبارات خالدة وثقها على ألسنة قادة شهداء كالشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي، وأصبحت شعارات يتردد صداها في كل مكان، ويقول “اللقطة تساوي طلقة.. والصحفي في الميدان هو استشهادي إعلامي”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى