الاخبار العاجلةسياسة

ما مصير اتفاق جوبا للسلام بعد التسوية السياسية بالسودان؟

الخرطوم- يكتنف الغموض مصير اتفاق السلام الموقع في السودان عام 2020 بين الحكومة الانتقالية ومجموعة من الحركات المسلحة التي خاضت حروبا طويلة في 3 أقاليم جنوبي وغربي البلاد، بعد تعالي الدعوات لإلغائه أو مراجعته وتقويمه بنحو أثار حفيظة الجماعات الموقعة عليه رفضا للمساس به، بل وصل الأمر إلى تلويحها بالعودة للحرب.

استدعى ذلك ترحيل التفاوض حول مصير الاتفاق ليكون بين القضايا التي تنتظر مزيدا من النقاش خلال الأسابيع المقبلة، بعد أن وقع قادة الجيش وتحالف قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي وقوى مدنية أخرى اتفاقا إطاريا لحل الأزمة السياسية المستفحلة لإدارة المرحلة الانتقالية، إثر الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش الفريق الركن عبد الفتاح البرهان يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وأطاح بموجبها بشركائه المدنيين في الحكومة الانتقالية التي تسلمت السلطة عقب الثورة التي أسقطت نظام عمر البشير يوم 11 أبريل/نيسان 2019.

ولم تكن اثنتان من الحركات المسلحة في دارفور جزءا من وثيقة الاتفاق الإطاري الممهدة لتسوية شاملة، بعد رفض قادتها الانضمام للموقعين عليه وتحذيرهم من إدخال أي تعديلات على اتفاق جوبا للسلام بمعزل عن موقعيه، لكن -في المقابل- لا تمانع حركات أخرى في إخضاع الاتفاق للمراجعة والتقويم، وهو ما يجعل من الوصول لاتفاق شامل أمرًا معقدًا.

Dr. Gibril Ibrahim, the leader of Justice and Equality movement (JEM), signs the initial agreement on a roadmap for peace talks in Juba
جبريل إبراهيم طالب بتجنب أي مغامرة بتعديل أو مراجعة اتفاق جوبا للسلام (رويترز)

لم تتكاتف المطالبات بمراجعة اتفاق السلام؟

“بعد مرور أكثر من عامين على توقيع اتفاق جوبا للسلام، لم يستفد منه بعد السكان الأكثر تضررا من النزاع في دارفور والمنطقتين، ورغم إحراز بعض التقدم في الترتيبات الأمنية بدارفور، فإن حالة السخط ازدادت لدى السكان”، حسبما يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

ولن تكون المكاسب مستدامة -وفق غوتيريش- ما لم تعالج الأسباب الجذرية للنزاع معالجة فعالة، ومن بين ذلك الحقوق المتعلقة بالأراضي، وعودة المشردين داخليا، والقضايا المتعلقة بالعدالة وآلياتها لوضع حد للإفلات من العقاب على الجرائم والانتهاكات المرتكبة في دارفور والمنطقتين طال انتظاره”، حسب الأمين العام للأمم المتحدة الذي لخص محصلة اتفاق السلام السوداني خلال تقريره الذي قدمه -الأربعاء الماضي- لمجلس الأمن بشأن تطورات الوضع في السودان خلال الفترة من 21 أغسطس/آب إلى 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضيين.

وتقريبا، الأسباب ذاتها التي تحدث عنها غوتيريش هي التي دفعت قوى سياسية -بينها الحزب الشيوعي- للمطالبة بإلغاء اتفاق السلام، إذ لم يحقق برأيهم أي اختراق على الأرض، بل اتسعت بعده موجات العنف القبلي وانعدم الأمن في مناطق واسعة من الإقليم الواقع غربي البلاد.

أعضاء قيادات الحرية والتغيير أثناء مراسم توقيع الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في يوليو/تموز 2019
قوى المجلس المركزي أكدت تمسكها باتفاق جوبا للسلام لكنها قالت إنه سيخضع للمراجعة بغرض التجويد (الجزيرة)

ما موقف ائتلاف الحرية والتغيير؟

تنظر الأطراف الموقعة على الاتفاق بعين الريبة لتعامل قوى الحرية والتغيير مع اتفاق السلام، وتتهم الحركات المسلحة الائتلاف بالسعي لإلغاء الاتفاق في سياق التنافس السياسي والخلافات التي عصفت بالطرفين؛ ففي أعقاب الموقف من إجراءات قائد الجيش في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 حين أطاح بالتحالف من سدة الحكم واعتقل رموزه المشاركة في الحكومة، انضوى قادة الحركات المسلحة في تكتل مناوئ لقوى المجلس المركزي بقوي الحرية والتغيير ووقعوا اتفاقا مع العسكر واستمروا في الوزارات والمناصب من باب الحفاظ على اتفاق السلام.

ولبث تطمينات لأطراف اتفاق السلام، حرص ممثل الحرية والتغيير الواثق البرير -خلال كلمته يوم توقيع الاتفاق الإطاري- على تأكيد الالتزام بالسلام ووصفه بالأمر الإستراتيجي، لا سيما اتفاق جوبا الذي قال إنه سيخضع للمراجعة بغرض التجويد والتقويم وضمان قوة دفع جماهيرية مؤيدة لهذا الاتفاق.

وأضاف “مع التأكيد أن مراجعة هذا الاتفاق جزء من المراجعة الشاملة التي شملت الوضع الدستوري ومهام وهياكل الفترة الانتقالية، وفي ذلك لا بد من تحديد دقيق لنقاط المراجعة دون المساس بمكتسبات مناطق الحرب وما حققته من مكتسبات لجماهير تلك المناطق، وفي ذلك لا بد من استكمال السلام مع كافة الأطراف غير الموقعة” في إشارة لحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور والحركة الشعبية التي يتزعمها عبد العزيز الحلو.

من رافضو المساس بالاتفاق؟

في مقابل توقيع تنظيم الجبهة الثورية -التي تضم حركات مسلحة في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق- على الاتفاق الإطاري المتضمن مراجعة اتفاق السلام، تعارض حركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان برئاسة مني أركو مناوي أي تدخلات لمراجعة الاتفاق.

وحذرت حركة العدل والمساواة -برئاسة وزير المالية بالحكومة الحالية الانتقالية جبريل إبراهيم- صراحة من أي محاولات لتقويض اتفاق جوبا للسلام، وجاء في بيان صدر عقب اجتماع موسع الأسبوع الماضي أن “المكتب التنفيذي أكد التزامه باتفاق السلام والالتزام بتنفيذه”، وشدد البيان كذلك على ضرورة عدم المساس باتفاقية السلام “بأي صياغة أو ذرائع واهية مثل تقييمها وأشكال أخرى من الاحتيال لتقويضها”.

اقرأ ايضاً
الشيخة لطيفة تناشد الشرطة البريطانية للكشف عن مصير شقيقتها شمسة
رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي
مني أركو مناوي أكد معارضته أي مراجعات لاتفاق السلام (الجزيرة)

لماذا تعطل التنفيذ؟

يؤكد حسن إبراهيم فضل نائب أمين الإعلام بحركة العدل والمساواة -للجزيرة نت- أن عملية السلام تواجه تحديا كبيرًا في ما يتعلق بالتنفيذ بسبب ما قال إنه واقع موضوعي مرتبط بالأزمة التي تواجهها البلاد والتحديات في الساحة السياسية، علاوة على عدم الالتزام بجداول التنفيذ لأسباب متعلقة بأطراف أخرى كان عليها أن تصدر قرارات محددة لدفع الاتفاق، وهو ما لم يحدث كما أن بعض البنود تحتاج لتوافر معينات لوجستية ومادية.

ويصف إبراهيم الحديث عن تقييم ومراجعة اتفاق السلام بأنه “تغبيش للواقع” متهما قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي بالسعي لإلغاء الاتفاق من وراء الحديث عن مراجعته، ويضيف “خضنا الحرب ونعلم قيمة السلام، وأي حديث عن مراجعة اتفاق السلام غير مقبول، ولا يمكن لأي طرف لم يكن جزءًا من الاتفاق أن يكون طرفا في المراجعة والتقويم”.

ما تأثير رفض حركات للاتفاق الإطاري على اتفاق السلام؟

تمثل حركتا تحرير السودان والعدل والمساواة أبرز القوى الرافضة للاتفاق الإطاري بين قادة الجيش وبعض القوى المدنية، وتقول الحركتان إنهما لم تشتركا في تفاصيل النقاشات التي أفضت لتلك المسودة، ويعدانها صفقة ثنائية لا يمكن قبولها بشكلها الراهن ما لم تعاد النقاشات حولها من جديد.

لكن محمد جابر عبد الله -المتحدث باسم حركة العدل والمساواة السودانية الموقعة على اتفاق الدوحة لسلام دارفور عام 2011- لا يجد مبررا لرفض تلك الحركات الاتفاق الإطاري الذي قال إنه يمثل المخرج الوحيد للأزمة التي تعيشها البلاد حاليا، كما يرى أنه يمكنه المساعدة في تنفيذ اتفاقيات جوبا والدوحة بشكل أفضل، بما يستدعي الالتفاف حوله ومساعدة الحكومة الجديدة لتكون في وضع أفضل لتستكمل المفاوضات مع الحركات الرافضة

ويرى عبد الله -في حديثه للجزيرة نت- أن الامتناع عن الالتحاق بالاتفاق الإطاري لن يؤثر على عملية السلام لأن الدولة هي الملتزمة بتنفيذ البنود، كما يشير إلى أن الحاجة لمراجعة الاتفاق وتقييمه تبدو منطقية، خاصة في ما يلي المسارات المختلفة التي شهدت عدم توافق بشكل واضح، علاوة على أهمية إعادة النظر في آليات التنفيذ.

مراجعة أم إعادة تقييم؟

من وجهة نظر إبراهيم زريبة كبير مفاوضي تجمع قوى تحرير السودان -أحد أطراف عملية السلام- فإن اتفاق السلام عالج حزمة كبيرة من القضايا باستصحاب آراء أهل المصلحة ولا يمكن وأدها برغبات ودوافع سياسية، وفق تعبيره، ونتج عن حوار عميق “ومن يتحدثون عن مراجعته كانوا جزءًا من وضعه، لكن المكايدات السياسية هي دافعهم الآن للحديث عن المراجعة”.

ولا يمانع كبير المفاوضين في الجلوس لتقييم الاتفاق، وليس مراجعته، متسائلا “هل يتضمن الاتفاق ما يهدد الأمن القومي ويضر بأهل المصلحة بما يستوجب مراجعته أو إلغاءه؟” قبل أن يجيب بالقول: “بالعكس، بنوده لبت تطلعات أهل الإقليم، على الأقل في ما يخص الفوارق التنموية”.

ويميل الصحفي والمحلل السياسي قرشي عوض للحاجة إلى مراجعة اتفاق جوبا للسلام قائلا -للجزيرة نت- إن “أكبر مشكلاته كانت في ارتكازه على عملية المسارات التي منحت حركات الكفاح المسلح حق تمثيل أقاليم في السودان من دون حق”.

ويدلل على ذلك بانفجار النزاعات بعد توقيع الاتفاق في دارفور والشرق والنيل الأزرق وكردفان، ويلفت إلى أن حركات دارفور مثلا تطرح نفسها على المستوى القومي من دون أن يكون لها حق في تمثيل تلك الأقاليم الأخرى ما لم تحصل على تفويض شعبي.

كما أن اتفاق السلام -بحسب عوض- يعطي هذه الحركات حق التصرف في الأموال المخصصة لتلك الأقاليم خاصة دارفور من دون تسمية مشاريع تنموية يتم الصرف عليها، وذلك في غياب المجالس التشريعية التي تراقب عمليات الصرف، علاوة على مشاركتها في تحالف قوى الحرية والتغيير الذي يعد حاضنة للحكومة الانتقالية.

ويتابع قائلا “هي تخشى أن تسلبها مراجعة الاتفاق ناهيك عن إلغائه هذه المكتسبات، ولذلك لن تقبل وربما نعود لنفس الوضع قبل توقيع اتفاق جوبا، حينما رفضت الحركات أن تكون جزءًا من الحرية والتغيير أو حتى التشاور معها حول كيفية حكم السودان”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى