الاخبار العاجلةسياسة

أزمة الطلاب الوافدين بجامعات مصر.. تسليع للتعليم أم دخل قومي وقوة ناعمة؟

القاهرة- منذ نحو 3 أعوام، أعلنت وزارة التعليم العالي المصرية الاتجاه نحو استقبال مزيد من الطلاب الأجانب للدراسة بالجامعات الحكومية والأهلية، حينئذ لم تكشف الوزارة تفاصيل الخطة الحكومية -التي ستثير جدلا في وقت لاحق- حقيقة منح الطالب الوافد مزايا لا يحصل عليها زميله المصري.

ومع توالي القرارات الحكومية في إطار ما عدّه مسؤولون رسميون دفع مصر لتصبح وجهة تعليمية في محيطها الإقليمي، تنامى الجدل المجتمعي حول ما يراه البعض نوعا من التمييز الممنوح للطلاب الوافدين على حساب أبناء الوطن، حسب ما يتداوله مغردون.

ورفعت وزارة التعليم نسبة الطلاب الوافدين من 5% من إجمالي عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات ليصبح 25%، فضلا عن القبول بكليات الطب بنسب نجاح في الثانوية العامة “البكالوريا” نحو 75%.

ويُمنح الطالب الوافد، وفق قرار صدر مؤخرا عن مجلس الوزراء، ميزة تخفيض المصروفات الدراسية في 5 جامعات واقعة خارج نطاق القاهرة، وهي جامعة دمنهور بنسبة تخفيض 20%، وجامعتا السويس ومطروح 30%، وجامعة بورسعيد 35%، وجامعة الوادي الجديد 40%.

وبتكليفات رئاسية -في إطار تطوير منظومة استقبال الطلاب الوافدين بوصفها مشروعا قوميا- أطلقت وزارة التعليم العالي، يناير/كانون الثاني 2019، مبادرة “ادرس في مصر” التي تستهدف تقديم خدمات مميزة للطلبة الأجانب وتيسير الإجراءات اللازمة للدراسة في مصر.

تمثيل كارثي

بفعل التسهيلات الحكومية، أصبح هناك إقبال على الجامعات المصرية من الطلاب الأجانب خاصة العرب، وهو ما شكل مفاجأة لبعض الأساتذة الجامعيين الذين وجدوا أنفسهم يدرّسون لأعداد من الوافدين تماثل أعداد المصريين تقريبا داخل المدرجات التعليمية.

وبيّن الدكتور صلاح الغزالي حرب، أستاذ الأمراض الباطنية بكلية الطب البشري جامعة القاهرة والوكيل السابق لشؤون الطلاب بالكلية، أن عدد الوافدين بكلية الطب جامعة القاهرة لعام 2021-2022 يبلغ نحو 1300 طالب، في حين لا يتعدى عدد المصريين 1400 طالب.

ورأى حرب -خلال تصريحات متلفزة- أن نسبة تمثيل الوافدين كارثية؛ إذ إنها تشكل نصف أعداد الملتحقين بالكلية تقريبا خلال العام الماضي.

قبل نحو 200 عام، أنشئت كلية الطب البشري جامعة القاهرة -التي يطلق عليها كلية طب قصر العيني- ويتعالج داخل مستشفياتها نحو مليوني مريض سنويا، وتوظف حوالي 3 آلاف طبيب، و11 ألف موظف.

تلك النسبة الكارثية -كما يصفها الأستاذ الجامعي- لا تشكل كل اعتراضاته على السياسات الحكومية في استقبال الطلاب الوافدين، فالطالب الأجنبي الذي يلتحق بكلية طب القاهرة لا يزيد مجموعه بالثانوية العامة عن 75%، مقابل اشتراطات على الطالب المصري بأن يحصل على أعلى الدرجات التي تقارب الدرجات النهائية.

وفسّر اتجاه وزارة التعليم إلى استقبال مزيد من الوافدين الحكومة بتلك التسهيلات الكبيرة بعدم قدرتها على الإنفاق على الكيانات التعليمية والمستشفيات الجامعية، وبالتالي حاولت البحث عن موارد جديدة للإنفاق.

ورغم اعتراض أستاذ الطب على تحويل الصرح التعليمي العريق إلى وسيلة للربح حتى ولو كان الهدف هو تطوير الكليات، فإنه شكك في الطريقة التي تدار بها الأموال المدفوعة من جانب الوافدين، قائلا إن 60% من هذه الأموال تذهب إلى المجلس الأعلى للجامعات و20% لجامعة القاهرة ولا يتبقى للكلية سوى 20% فقط.

وعرض المذيع إبراهيم عيسى -خلال برنامجه حديث القاهرة- إحصاء للطلاب الوافدين مقابل المصريين بعدد من كليات الطب الحكومية، من دون أن يكشف عن مصدر ذلك الإحصاء الطلابي.

ووفقا لعيسي، في جامعة الإسكندرية بلغ عدد الوافدين 992 وافدا مقابل 1682 طالبا مصريا، وفي جامعة المنصورة وصل عدد الوافدين 450 مقابل 1081 مصريا، وفي جامعة الزقازيق بلغ عدد الطلبة الوافدين 463 وافدا مقابل 890 مصريا.

ولم يكشف عيسى عن مصدر الإحصاء الطلابي الذي عرضه عبر برنامجه التليفزيوني الأسبوع الماضي.

دخل قومي

بدوره، دافع وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار عن سياسات وزارته نحو الطلاب الوافدين، متحدثا بلغة الربح والخسارة.

وقال إن عدد الطلاب الذين يبحثون عن جامعات أجنبية للدراسة فيها يصل إلى نحو 7 ملايين طالب حول العالم، مضيفا أنهم ينفقون 200 مليار دولار سنويا بشكل مباشر، أي مصاريف تعليم مباشرة.

وأوضح أن الطالب الوافد الذي يدرس في كليات الطب المصرية يدفع سنويا رسوما تقدر بنحو 7 آلاف دولار، ويدفع نحو 3 آلاف دولار بالكليات النظرية، “مما يعني أنه يدخل لمصر ما يقرب من 430 مليون دولار سنويا، أي ما يعادل 8 مليارات جنيه سنويا”، حسب قوله.

وأضاف عبد الغفار -خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “الحكاية” الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب بقناة “إم بي سي مصر” ( مصر mbc)- أن السياحة التعليمية تساعد في زيادة الدخل القومي كما أنها نوع من الدبلوماسية الناعمة.

وأكد وزير التعليم الإصرار الحكومي على التوسع في استقدام طلاب وافدين من كل دول العالم، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الطالب الوافد لا يحصل على مقعد مخصص للطالب المصري.

وبالنسبة لقبول طلاب أجانب بكليات الطب رغم حصولهم على درجات منخفضة بالمرحلة الثانوية، أوضح أن الوزارة تحدد درجات القبول للوافدين بعد دراسة متوسط الدرجات في بلدانهم.

أعداد الوافدين

في سبتمبر/أيلول الماضي، قال وزير التعليم العالي إن عدد الطلاب الوافدين إلى مصر شهد زيادة بنحو 5 أضعاف، ليتجاوز 100 ألف طالب مسجلين بالجامعات الحكومية والخاصة مقارنة بنحو 22 ألفا عام 2014.

ويناير/كانون الثاني 2020، كشفت رئيسة الإدارة المركزية لشئون الطلاب الوافدين بوزارة التعليم العالي رشا كمال عن وصول عدد الطلاب الوافدين لنحو 87 ألف طالب بمصر، من بينهم 13 ألف طالب بالجامعات الحكومية.

وأوضحت -في تصريحات صحفية- أن نحو 75 جنسية مختلفة تدرس في الجامعات المصرية، وتتصدر الكويت والأردن وفلسطين وسوريا والسودان قائمة الدول التي ترسل طلابها للدراسة في مصر.

وقالت إن كليات القطاع الطبي تحصل على النصيب الأكبر، حيث تستوعب حوالي 60% من الطلاب الوافدين.

وتسوق مبادرة “ادرس في مصر” 27 جامعة حكومية و20 جامعة خاصة، و7 جامعات دولية، و7 جامعات أهلية، و6 جامعات تكنولوجية، و173 معهدا عاليا، و46 معهدا تكنولوجيا، بالإضافة إلى 170 أكاديمية ومعهدا عاليا خاصا.

ووصل عدد الطلاب المقيدين بالجامعات والمعاهد المصرية نحو 3.4 ملايين طالب للعام الجامعي 2020-2021، حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي).

نُدرة الطالب المصري

في هذا السياق، أبدت الكاتبة الصحفية داليا جمال دهشتها من كثرة عدد الطلاب الوافدين بكلية طب قصر العيني، التي وصفتها بقلعة الطب في العالم العربي.

اقرأ ايضاً
الاقتصاد والانفصال عن المملكة المتحدة.. ملفات مهدت الطريق لحمزة يوسف كأول زعيم مسلم في أسكتلندا

وقالت -في مقال بعنوان “وزير يصنع المعجزات”- إنه بات من النادر مقابلة طالب مصري بكلية الطب، في حين تتعثر داخل أروقتها بطلاب من جنسيات عربية وأفريقية مختلفة، مشيرة إلى أن عدد المصريين لا يتجاوز نسبة 25% من المقبولين هذا العام للدراسة بطب جامعة القاهرة، حسب وصفها.

واستطردت الكاتبة “ونظرا لصعوبة دراسة الطب باللغة الإنجليزية على طلاب حاصلين على ثانوية بلادهم بنسبة 70%، فقد لجأ أساتذة طب قصر العيني لتدريسهم الطب باللغة العربية”.

واختتمت مقالها برؤية تشاؤمية لمستقبل الطب في مصر في حال استمرار سياسية استقبال الطلاب الوافدين، بالقول إنه “بعد سنوات قليلة، لن نجد أطباء في مصر، بعد أن فقدنا وجود أجيال من الأطباء يتسلمون رسالة الطب جيلا بعد جيل”.

وفي الإطار نفسه، استنكر الصحفي المتخصص في شؤون التعليم بصحيفة الأهرام، عبد الرحمن عبادي، تقديم بعض الجامعات عروض تخفيضات للمصروفات الدراسية بهدف جذب عدد أكبر من الوافدين.

وأوضح -في منشور على صفحته بموقع فيسبوك- أن متوسط تكلفة دراسة الطالب الوافد سنويا بعد التخفيض 4 آلاف دولار بالكليات التطبيقية وأقل من ذلك في النظرية، وأردف “هذه الرسوم تقل عما يدفعه الطالب المصري في معظم البرامج الدراسية الجديدة بالجامعات العامة، وتقل أكثر عن تكلفة الطالب المصري في أرخص جامعة خاصة”.

وأكد عبادي أن الاستثمار في التعليم يبدأ من جودة المحتوى والاهتمام بالدارس المصري قبل التطلع للخارج، وتابع “عروض التخفيضات ستأتي فقط بفئة من الباحثين عن شهادة والسلام، ممن يكشفهم سوق العمل ببلادهم في أول اختبار.. لتكون النتيجة دعاية سلبية وقوائم عربية تعترف بعدد محدود جدا من جامعاتنا”.

تمييز الوافد

وعبر منصات التواصل الاجتماعي، تحدث مصريون -طلابا وأولياء أمور- عن تجارب الالتحاق بكليات الطب الحكومية، وكيف تم استبعاد كثيرين بسبب طبيعة الثانوية العامة التي حصل منها الطالب على شهادته أو بسبب نصف درجة فقط تفصل الطالب عن المجموع المحدد من الجامعات.

ورأى غالبية المتفاعلين أن السياسات التعليمية الجديدة تميز الأجنبي على حساب المواطن، بل تدفع الأخير للسفر خارج البلاد بحثا عن خدمة تعليمية أرخص وبجودة أعلى.

في المقابل، عدّ بعض رواد الإعلام الاجتماعي وجود الطلاب الأجانب داخل الجامعات المصرية استثمارا ناجحا ودليلا على نجاح التعليم المصري.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى