قضايا مرفوعة ضد شهباز وعمران خان.. هل تعيد محاكم باكستان تشكيل المشهد السياسي؟
إسلام آباد- من جديد، عاد القضاء الباكستاني ليتصدر مشهد صراعات الأحزاب السياسية في البلاد، بعد رفع قضايا ضد رئيس الحكومة شهباز شريف ونجله حمزة، رئيس وزراء إقليم البنجاب، في مقابل مساع لمحاكمة رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة عمران خان.
وينظر القضاء الباكستاني في قضية فساد وغسيل أموال بقيمة 16 مليار دولار، وقالت وكالة التحقيقات الفدرالية أمام محكمة خاصة إنها أرادت اعتقال رئيس الوزراء ونجله على خلفية هذه القضية.
أما القضية الثانية، فهي ضد شريف ونجله ووزير الداخلية رانا سناء الله بتهمة تعذيب وضرب أعضاء ومناصري حزب الإنصاف الباكستاني إبّان المسيرات التي قادها رئيس الحزب ورئيس الوزراء السابق عمران خان يوم 25 مايو/أيار الماضي.
وأفادت صحيفة “إكسبرس تريبيون” السبت الماضي بأن محكمة محلية في لاهور أمرت الشرطة بتسجيل تقرير ضد شريف ونجله ورانا سناء الله ومديري الشرطة ونائب مفوضها، وضد 600 من عناصرها، لتعذيبهم أنصار حزب الإنصاف في أثناء مسيرة الحزب.
من جهة أخرى، تسعى الحكومة إلى إدانة عمران خان بتهم التحريض على الفتنة وزعزعة استقرار البلاد، ومحاولة الهجوم على مجلس الوزراء الاتحادي في أثناء المسيرة الطويلة التي قادها.
وناقشت لجنة حكومية خاصة -شارك فيها وزير الداخلية ووزراء آخرون ومستشارون- رفع دعوى إثارة الفتنة ضد عمران خان ورئيسي وزراء جيلجيت بالتستان وخيبر بختونخوا بموجب قانون الإجراءات الجنائية.
تاريخ من الفصل في الأزمات السياسية
بالرجوع إلى الوراء، في يونيو/حزيران 2012، حكمت المحكمة العليا في باكستان بعدم أهلية رئيس الوزراء آنذاك يوسف رضا جيلاني للحكم، بتهمة ازدراء المحكمة لرفضه إعادة فتح قضايا فساد ضد الرئيس عاصف علي زرداري. وتم كذلك إلغاء عضويته في البرلمان وحظره من شغل أي منصب في حزب الشعب الباكستاني لمدة 5 سنوات.
لكن سلطات جيلاني كانت قليلة في ظل وجود رئيس قوي مثل زرداري، كما أن إزاحته لم ينتج عنها انهيار للحكومة أو عدم استقرار سياسي في البلاد، لأن حزب الشعب الباكستاني كان يتمتع بأغلبية برلمانية مكّنته من البقاء في السلطة حتى نهاية تلك الولاية.
في يوليو/تموز 2017، استبعدت المحكمة العليا أيضا رئيس الوزراء نواز شريف من منصب عام، في قرار رآه البعض تاريخيا، وذلك بعد نشر “وثائق بنما” التي أثبتت تورطه في قضايا فساد. وحُكم بالإجماع على شريف بأنه غير لائق لتولي المنصب، على أن يُفتح تحقيق ضده وضد أشخاص من عائلته وأشخاص آخرين.
وبعد إزاحته، حلّ مكانه شاهد خاقان عباسي من الحزب نفسه (الرابطة الإسلامية الباكستانية- جناح نواز شريف)، الذي كان يشغل منصب وزير البترول.
ومن المفارقات، أن قضية الفساد ضد نواز شريف كان الذي رفعها عمران خان -رئيس حزب الإنصاف الباكستاني والذي كان يمثل المعارضة في ذلك الوقت- في المحكمة العليا قبل عام من إزاحة شريف من منصبه. وهو ما أتاح له المنافسة بقوة في انتخابات 2018، وانتهى ذلك بفوزه وتشكيل حكومة من حزبه.
ومؤخرا، فصلت المحكمة العليا في الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد. فبعد إقرار نائب رئيس البرلمان وقتها، قاسم خان سوري، بعدم دستورية التصويت على حجب الثقة، تم إحالة القضية إلى القضاء، الذي حكم بعدم دستورية قرار نائب رئيس البرلمان وضرورة إجراء التصويت على حجب الثقة ضمن جدول زمني معين. وهذا ما تم بالفعل وانتهى بإسقاط حكومة خان، وتولي المعارضة الحكم حتى انتهاء الفترة القانونية صيف العام المقبل.
بالإضافة إلى ذلك، أصدر القضاء الباكستاني العديد من القرارات التي أحدثت تغييرات على مجالس الأقاليم، وأبرزها الصراع في برلمان البنجاب بالتزامن مع الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد أبريل/نيسان الماضي.
استقلالية القضاء
بالرغم من ربط المحكمة العليا بالجيش أحيانا، فإن بعض أحكامها كانت مخالفة للمؤسسة العسكرية؛ ففي يوليو/تموز 2001، حكمت المحكمة العليا بأن بعض بنود مرسوم أصدره الجنرال برويز مشرف لمكافحة الفساد مخالفة للقانون.
وعام 2007، قررت المحكمة إعادة القاضي افتخار تشودري، الذي عزله مشرف من رئاسة المحكمة العليا مارس/آذار من العام نفسه.
من جهة أخرى، يربط البعض استقلالية القضاء في باكستان بالتاريخ السياسي للبلاد. وفي هذا يقول الصحفي والمحلل السياسي، وقاص علي تشودري، إن “القضاء يلعب دورا إيجابيا في السيناريو السياسي الحالي، خاصة أن رئيس محكمة إسلام آباد العليا يحسب قراراته بشكل دقيق، ويبدو أنه لم يتجاوب مع أي ضغط من أي جانب”.
ويؤكد ذلك الخبير في الشؤون القانونية أسد رحيم خان، الذي قال إن المحاكم منذ 2009 سعت إلى الانفصال عن الماضي؛ “لقد استبعدوا رؤساء وزراء، ودانوا دكتاتورا عسكريا بتهمة الخيانة، وأعادوا البرلمان بعد حله غير القانوني أبريل/نيسان الماضي”.
كلمة الفصل الأخيرة
يقلل المحللون السياسيون والخبراء القانونيون من شأن القضايا التي يواجهها رأس السلطة، وتلك التي من المتوقع أن يواجهها رأس المعارضة أيضا. في الوقت الذي قال فيه وزير الداخلية رانا سناء الله، أول أمس الأحد، إن عمران خان سيُعتقل بمجرد انتهاء الكفالة الوقائية التي منحتها له محكمة بيشاور العليا في الثاني من يونيو/حزيران الجاري ولمدة 3 أسابيع بقضايا متعلقة بالمسيرة الطويلة في 25 مايو/أيار الماضي.
وبالنسبة للقضايا المرفوعة ضد عمران خان، يقول المحلل وقاص تشودري إن دافعها الأساسي تفكيك حملته المناهضة للحكومة، إذ إن الضغط هو الشيء الوحيد وراء قضايا الفتنة ومكافحة الإرهاب. بالإضافة إلى أن ادعاءات الحكومة ليست قوية وإذا انتقلت إلى المحاكم فلن تتسبب بالكثير من المتاعب لعمران خان ورفاقه.
ويرى أسد رحيم خان أن اتهامات التحريض على الفتنة لا تستخدم في باكستان للحفاظ على سلامة الدولة بقدر كونها أدوات للإكراه السياسي. ويضيف -للجزيرة نت- أن محاولة توجيه الاتهام إلى خان بارتكاب مثل هذه الجريمة لا أساس لها من الصحة إطلاقا في القانون.
من جهة أخرى، يقول تشودري “إذا تحدثنا عن قضايا فساد ضد رئيس الوزراء شهباز شريف، أعتقد أنه لن تكون هناك أي نتيجة، خاصة عندما يكون في السلطة، فجميع إدارات النيابة العامة تخضع لسيطرة الحكومة، وليس لديها الكثير من القوة للوقوف ضد رئيس الوزراء أو نجله أو وزير الداخلية”.
ولدى سؤاله حول إمكانية أن يواجه رئيس الوزراء شهباز شريف مصير شقيقه نواز، قال تشودري إنه من المبكر تأكيد ذلك، فسياسة شهباز شريف هي سياسة “التنازلات”، وفي ظل تجاوبه مع المؤسسة العسكرية، فلا توجد مشاكل جدية بالنسبة له.
أما الخبير القانوني أسد رحيم خان، فيقول إن “السلالتين السياسيتين الرئيسيتين” في باكستان تواجهان سلسلة من قضايا الفساد، وتشمل حسابات مزيفة وغسيل أموال، مع سنوات من التحقيق والأدلة وراءها، ويضيف أن “هذا يعزز الانطباع بأن مثل هذه الحالات لا تعدو كونها مجرد ورقة ضغط على الطبقة السياسية، يتم إخراجها أو إبعادها حسب مقتضى الحال”.