توماس فريدمان: حرب أوكرانيا ما تزال تحمل مفاجئات.. أهمها لبوتين
يكشف التاريخ أن الحروب لا يمكن دائما التنبؤ بنهاياتها، إذ قد تتبع مسارات متوقعة، كما أنها قد تسير في اتجاهات لم تكن في الحسبان، ولا يبدو أن حرب أوكرانيا تمثل استثناء لهذه القاعدة.
هذا ما يراه توماس فريدمان الكاتب المخضرم بصحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) في مقال له استهله بحقيقة وصفها بالمفاجئة، وهي أن الأميركيين الذين لا يبدو أنهم متفقون في الوقت الحالي على أي شيء؛ أظهروا بغالبيتهم وبشكل مستمر أنهم يؤيدون “تقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية سخية لأوكرانيا في حربها ضد سعي (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين محوها من الخريطة”.
وهذا أمر مفاجئ بشكل مضاعف، وفق الكاتب، خصوصا أن “معظم الأميركيين لم يكونوا يعرفون مكان أوكرانيا على الخريطة قبل بضعة أشهر فقط، لأنها بلد لم تكن لنا معه علاقة خاصة من قبل”.
لكن الكاتب يرى أن أهم شيء هو أن يظل هذا الدعم مستمرا خلال الصيف الحالي الذي ستكون فيه أوكرانيا مسرحا “لمبارزة سومو” بين مصارعين عملاقين يحاول كل منهما قذف الآخر خارج الحلبة، وليس أي منهما مستعدا للانسحاب حتى وهو عاجز عن الانتصار”.
وبينما توقع فريدمان أن يتآكل هذا التأييد بعض الشيء عندما يدرك الناس دور هذه الحرب في دفع أسعار الطاقة والغذاء العالمية إلى الارتفاع، فإنه أظهر أنه ما زال يأمل في أن تبقى غالبية الأميركيين على موقفها من حرب أوكرانيا حتى يتمكن هذا البلد من استعادة سيادته عسكريا أو إبرام اتفاق سلام لائق مع بوتين، على حد تعبيره.
ولفت فريدمان إلى أن تفاؤله باستمرار ذلك التأييد على المدى القريب لا ينبع من قراءة استطلاعات الرأي، بل من قراءة التاريخ، وعلى وجه الخصوص، كتاب مايكل ماندلباوم الجديد “العصور الأربعة للسياسة الخارجية الأميركية: القوة الضعيفة، القوة العظيمة، القوة العظمى، القوة الجامحة”.
وبينما قد تبدو مواقف الولايات المتحدة من أوكرانيا غير متوقعة تماما وجديدة، فإن ماندلباوم يرى أنها ليست كذلك، مستشهدا بمواقف اكتسحت السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ نشأتها.
وبحسب الكاتب يؤكد ماندلبالم أن سياسة أميركا الخارجية تأرجحت على مدار تاريخ هذا البلد بين نهجين عريضين أحدهما يركز على القوة والمصلحة الوطنية والأمن وهو نهج الرئيس الأسبق ثيودور روزفلت، والثاني على تعزيز القيم الأميركية ويتوافق مع نهج الرئيس الأسبق وودرو ويلسون.
ويبدو هذان النهجان متنافسين في كثير من الأحيان، وفقا لفريدمان، لكن ذلك لم يكن هو الواقع دائما، إذ “عندما يكون ثمة تحد للسياسة الخارجية يضع مصالحنا وقيمنا على المحك، فقد نصل إلى النقطة المثالية، فيحظى ذلك بدعم شعبي واسع وعميق ودائم”، على حد تعبيره.
ويرى ماندلبالم في كتابه الذي نشر بداية يونيو/حزيران الحالي أن هذا التأييد الشعبي المستمر هو الذي ساد الولايات المتحدة طيلة الحرب العالمية الثانية وكذلك الحرب الباردة، متوقعا أن يكون ذلك هو الحال بالنسبة لحرب أوكرانيا.
مسارات الحروب
لكن السؤال الكبير -وفق فريدمان- هو إلى متى سيستمر هذا التأييد؟، والجواب “لا أحد يعلم، لأن الحروب تتبع مسارات متوقعة وأخرى غير متوقعة”.
وأوضح الكاتب أن ما هو متوقع في حرب أوكرانيا هو أنه “مع ارتفاع التكاليف، ستزداد معارضة الحرب إما في أميركا أو بين حلفائنا الأوروبيين، بحجة أن مصالحنا وقيمنا قد خرجت عن التوازن في أوكرانيا”.
ولفت إلى أن هناك من سيجادلون بأن البلاد لا يسعها اقتصاديا دعم أوكرانيا إلى حد النصر الكامل، أي طرد جيش بوتين من كل شبر من أوكرانيا كما أنها إستراتيجيا لا يمكنها السعي لتحقيق النصر الكامل، لأن بوتين في مواجهة هزيمة مدوية يمكن أن يلجأ للسلاح النووي.
وقال فريدمان إن بعض المؤشرات بدأت تتكشف، مثل تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن التحالف الغربي ينبغي ألا “يذل روسيا”، وهو ما أثار غضبا هائلا في أوساط الأوكرانيين.
لكن ماندلبالم قال في كتابه إن جميع الحروب عبر التاريخ الأميركي قوبلت ببعض المعارضة، بما في ذلك الحرب الثورية، عندما انتقل المعارضون إلى كندا”.
وشدد الكاتب على أن ما ميز الرؤساء الأميركيين الذين حكموا خلال فترات الحروب هو تمكنهم من إبقاء البلاد ملتزمة بكسب الحرب، على الرغم من المعارضة.
وقال فريدمان إن التحدي الذي يواجه الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن -خصوصا في ظل غياب إجماع بين الحلفاء أو مع أوكرانيا حول شكل “الانتصار”- هو هل الحل استعادة كييف جميع أراضيها أم قبولها بالتخلي عن بعضها؟ وهل بوتين قرر أنه لا يريد أبدا أي حل وسط، وبدلا من ذلك يريد أوكرانيا أن تتحمل موتا بطيئا ومؤلما؟.
أما ما لا يمكن توقعه بشأن هذه الحرب، فهو -وفق فريدمان- أنه بعد 100 يوم من اندلاعها لا تلوح في الأفق نهاية لها، إذ إنها “بدأت في رأس بوتين، ومن المرجح أن تنتهي فقط عندما يقول بوتين إنه يريدها أن تنتهي.. لكن الحروب الكبيرة لها أطوار غريبة، فأيا كانت الطريقة التي بدأت بها يمكنها أن تنتهي بطرق غير متوقعة على الإطلاق”، وفقا لفريدمان.
فمثلا، يقول فريدمان، أجبرت حرب أوكرانيا بالفعل كل دولة وشركة على تطوير خططها لاستخدام الطاقة النظيفة، وإذا لم تفجر هذه الحرب الكوكب عن غير قصد، فقد تساعد بدون قصد في استدامته، وبمرور الوقت، سيتقلص المصدر الأساسي للمال والسلطة لبوتين”.