اقتصاد

توزيع المحروقات بدلا عن الغذاء.. مبادرات تطوعية لمنح الدفء لفقراء الأردن

عجلون – بدخول موسم الشتاء، تبدأ معاناة الخمسيني مصطفى المومني في تأمين حاجة عائلته من المشتقات النفطية، خاصة مادة الكاز المستخدمة في التدفئة، وتزداد معاناته مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية لمستويات لا يستطيع تأمينها، على حد قوله.

وينتظر المومني -بحسب حديثه للجزيرة نت- مبادرة تطوعية لإمداده بجالون من الكاز، يمنح أطفاله شيئا من الدفء، ويضيف “نعتمد على الكاز والحطب والجفت للتدفئة في الشتاء القارس بجبال عجلون، وللأسف مع ارتفاع أسعار مادة الكاز لم يعد لنا حيلة لشرائها، فنعتمد على ما يصلنا من تبرعات أو على حطبات يجمعها الأطفال، أو قطع من جفت الزيتون”.

و”الجفت” هو عبارة عن بقايا ثمار الزيتون بعد عصرها، ويتم تجفيفها واستخدامها في مواقد الحطب للتدفئة بمناطق الأرياف للتخفيف من فاتورة المشتقات النفطية والكهرباء.

تشارك المومني الهم نفسه الأرملة أم طارق الوهادنة (52 عاما) العاملة بالقطاع الزراعي، تقول للجزيرة نت إن فصل الشتاء ثقيل على الأسر الفقيرة، إذ تكثر الأمراض ويزداد الطلب على الأدوية والتدفئة ويتراجع العمل بالقطاع الزراعي، وبارتفاع أسعار الكاز نلجأ للحطب للوقاية من البرد.

وبدخول فصل الشتاء، يرتفع إنفاق الأسر الأردنية فيما يعرف بـ”اقتصادات الشتاء”، خاصة تأمين حاجة العائلات من التدفئة، ومواجهة أمراض الشتاء وتكاليف التنقل والمواصلات والغذاء، وترتفع نفقات العائلات الأردنية خلال فصل الشتاء نحو 20% عن باقي الأشهر، بحسب اقتصاديين.

الدفء مقدم على الغذاء

لكن انتظار المومني والوهادنة لن يطول كثيرا، إذ تقدم جمعيات خيرية ومبادرات تطوعية حزمة من المساعدات، من ضمنها مادتا الغاز والكاز المستخدمتان في التدفئة، وباتت جمعيات خيرية تقدم المشتقات النفطية على المساعدات الغذائية خلال فصل الشتاء، بحسب مديري جمعيات.

ومع دخول أول منخفضات الشتاء، يحمل مؤسس مبادرة “نسمة خير” محمود العنابي حزمة من الجالونات، متجها لأقرب محطة محروقات لتعبئتها وتوزيعها على الأسر العفيفة، يشاركه في المبادرة نحو 250 متطوعا ينقلون جالونات الكاز وأسطوانات الغاز لمحتاجيها.

وخلال جولة للجزيرة نت مع متطوعي المبادرة بإحدى مناطق محافظة عجلون شمالي الأردن، قال العنابي إن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية خاصة مادة الكاز بات يشكل عبئا على الأسر العفيفة، مما أدى إلى زيادة لجوء تلك الأسر للمبادرات التطوعية والجهات الخيرية بشكل كبير عن الأعوام السابقة لمساندتها في تأمين الكاز والغاز لفصل الشتاء.

زيادة الأسر الطالبة للمحروقات

وتقدم مبادرة “نسمة خير” ضمن مشاريعها التطوعية مساعدات لأكثر من ألف أسرة شهريا، بحيث تحصل الأسر على جالون كاز (10-20 لترا) لكل أسرة حسب عدد أفرادها ودخلها المالي، وبمعدل مرتين في الشهر، بحسب العنابي، وتتركز التوزيعات بالمنخفضات الجوية، حتى إن الأسر العفيفة باتت تفضل المشتقات النفطية على الطرود الغذائية، على حد قوله.

ويضيف العنابي للجزيرة نت أن ارتفاع أسعار المحروقات أثر بشكل سلبي على حجم المساعدات الموزعة خلال هذا العام، إذ كانت تتم تعبئة جالون الكاز سعة 10 لترات خلال العام الماضي بتكلفة 6.1 دينارات (8.5 دولارات)، لكن هذا العام أصبحت التكلفة 8.6 دينارات (12 دولارا) بزيادة نحو 2.5 دينار (3.5 دولارات) لكل جالون، مما يؤثر بشكل سلبي على عدد الأسر المستفيدة وحجم التبرعات.

ولمواجهة ارتفاع أسعار مادة الكاز، قررت المبادرة اتخاذ بديل آخر بإضافة مادة الغاز خلال التوزيعات، خاصة في ظل لجوء العديد من الأسر العفيفة للغاز بديلا أقل تكلفة عن الكاز.

%60 تراجع الطلب على الكاز

وتراجع الطلب على مادة الكاز خلال الشهر الماضي بدخول فصل الشتاء نحو 60% عن الشهر ذاته من العام الماضي، وفق بيانات نقابة أصحاب محطات المحروقات، في المقابل ارتفع الطلب على أسطوانات الغاز لأكثر من 300 ألف أسطوانة شهريا من بداية موسم الشتاء نظرا للجوء أسر للتدفئة بالغاز لتدني أسعاره مقارنة بالكاز.

ويبلغ سعر لتر الكاز، بحسب تسعير المشتقات النفطية للشهر الحالي، 86 قرشا (1.2 دولار)، بواقع 17.20 دينارا (24.2 دولارا) للصفيحة ذات الـ20 لترا، في حين كان سعر لتر الكاز خلال الشهر نفسه من العام الماضي 61.5 قرشا (85 سنتا) وسعر الصفيحة ذات الـ20 لترا 12.30 دينارا (17.3 دولارا)، مما يشير إلى زيادة نحو 5 دنانير (7 دولارات) في الأسعار للعام الحالي.

اقرأ ايضاً
لا ضرائب ولا خصومات.. أين تكمن مكاسب السلطة من تحويلات رواتب العمال الفلسطينيين في إسرائيل؟

وأعلنت السلطات تثبيت سعر لتر مادة الكاز عند 86 قرشا (1.2 دولار) وسعر إسطوانة الغاز عند 7 دنانير (9.8 دولارات) دون رفعهما كبقية المشتقات النفطية التي تم رفعها خلال تسعيرة الشهر الحالي.

مطالبات نيابية ورفض رسمي

وخلال جلسة مجلس النواب الاثنين الماضي، طالب نواب بتخفيض أسعار المشتقات النفطية خاصة الكاز، وإلغاء الضريبة المضافة عليها، وقال رئيس لجنة الطاقة في المجلس النائب فراس العجارمة عقب الجلسة للجزيرة نت إن أسعار المشتقات النفطية مرتفعة بالأردن عن السعر العالمي للنفط بسبب ارتفاع قيمة الضريبة الثابتة على المشتقات النفطية المباعة للمستهلك الأردني، والتي تبلغ 40% على بعض المشتقات.

وتابع العجارمة أن سلطات بلاده مطالبة بتخفيض أسعار مادة الكاز المستخدم للتدفئة خلال فصل الشتاء على الفقراء، وذلك لتأمين حماية اجتماعية لهم، خاصة أن كمية الكاز المستهلكة سنويا لا تتجاوز قيمتها 9 ملايين دينار سنويا (12.6 مليون دولار)، وتشكل ما نسبته 1% من حجم المشتقات النفطية المستوردة.

ترف دعم المحروقات

لكن رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة رفض المطالبات النيابية، مؤكدا أن حكومته “ستعكس أسعار المشتقات النفطية بالسعر الدولي على الأسعار محليا سواء هبوطا أو صعودا”، مؤكدا أن الخزينة العامة “لا تملك ترف دعم المحروقات مجددا لأن ذلك سيرتب عجزا إضافيا للموازنة وارتفاعا بالمديونية”، خاصة بعد دعمها المحروقات بـ550 مليون دينار (774 مليون دولار) خلال العام الحالي.

وبين مطالبات نيابية وشعبية ورفض حكومي لتقديم أي دعم مالي، يلسع البرد أطفال الفقراء والمحتاجين مع كل انخفاض لدرجات الحرارة، خاصة وأن الارتفاعات طالت أيضا أسعار الحطب والجفت المستخدم للتدفئة بارتفاع أسعار المحروقات.

غضب على وسائل التواصل

وعلى منصات التواصل الاجتماعي يتبادل الأردنيون الشكوى من ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، حيث يقول الناشط على توتير أحمد الزعبي “إعلان رئيس الوزارء أن الحكومة غير قادرة على دعم المحروقات رسالة للجميع بأن المحروقات سترتفع بأرقام فلكية، الحكومة لا تسأل عن مواطن ولا عن شعب ولا عن أسعار الكاز الذي يعتبر وسيلة التدفئة الأولى، ولا عن مادة الديزل التي بستخدمها سائقو الشحن والنقل”.

أما الناشطة على تويتر رزان العمد فغردت على وسمي #الأردن_مش_بخير و#الحريه_لمعتقلي_الرأي قائلة “الأردن بألف خير والحمد لله. إنجازات حكومتنا الرشيدة وضعتنا في مصاف الدول المتقدمة، والشعب الأردني من أكثر شعوب العالم رفاهية، ولا مشكلة تواجه الدولة وشعبها فعليا سوى أنه لغاية الآن  ما رجعنا الشرشف، فالشعب شوي بردان ومش قادر يدّفى! #وين_الشرشف”.

أما الناشط على تويتر محمد العموش فغرد على وسم #الأردن #الأردن_مش_بخير قائلا: خيار “الكاز” لم يعد ضمن حسابات الأسرة الأردنية ومنهم بشير مبيضين المواطن الذي لا يتجاوز راتبه التقاعدي 300 دينار (423 دولارا)، الذي يتساءل: “لماذا لا تشعر الحكومة بالفقراء؟ أين تذهب أموال الضرائب والمساعدات؟ يجب تخفيض أسعار الكاز وإزالة الضرائب”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى