تطلعات كردستان العراق لتصدير الغاز لأوروبا تعرقلها خلافات داخلية
يروج رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور برزاني إلى إمكانية تصدير الغاز من الإقليم بديلا للإمدادات الروسية، لكن الانقسام بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم (الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني) يشير إلى أن هذه الخطة حلم بعيد المنال في الوقت الحالي.
وبينما يعرض الحزب الديمقراطي (الذي ينتمي إليه برزاني) المشروع كجزء من حل لمشاكل الغاز في أوروبا، فقد عطله فعليا شريكه الإقليمي (الاتحاد الوطني) بعد أن اشتكى من استبعاده من المفاوضات مع الشركات والمشترين المحتملين.
ولا يملك إقليم كردستان حتى ما يكفي من الغاز لتلبية احتياجاته، إذ إن انقطاع التيار الكهربائي ظاهرة يومية.
ويتنافس الديمقراطي الكردستاني الحاكم بزعامة مسعود برزاني منذ فترة طويلة على النفوذ مع شريكه الأصغر في الائتلاف الحكومي، الاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة عائلة طالباني.
وتصاعدت هذه التوترات في الأشهر الأخيرة، بسبب الخلاف حول الغاز وبعد أن قدم الحزب الديمقراطي الكردستاني مرشحه لرئاسة العراق، وهو المنصب الذي يشغله عادة الأكراد من الاتحاد الوطني الكردستاني بموجب ترتيب لتقاسم السلطة.
وقال 5 مسؤولين أكراد من الجانبين إنه على مدى أشهر، لم تُعقد محادثات تُذكر بين كبار المسؤولين من الحزبين، ولم يناقشوا حتى الأمن والانتخابات المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وقال دبلوماسيون غربيون إن اجتماعات في الآونة الأخيرة لم تسفر عن نتائج تذكر.
ويترك هذا خطط تصدير الغاز الكردستاني عالقة في الوقت الحالي، مما يوجه ضربة لتطلعات الإقليم لزيادة عائدات الطاقة وتقديم دعم صغير للأسواق العالمية التي تكافح لتنويع الإمدادات.
ويمكن أن يؤدي المأزق أيضا إلى تقويض الاستقرار في شمال العراق، حيث تمتلك كل من العائلتين الحاكمتين قوات أمن خاصة بها.
وكانت الصعوبات الاقتصادية المتفشية بين الشباب الأكراد أحد العوامل الرئيسية وراء أزمة المهاجرين على حدود بلاروسيا في أواخر عام 2021 وأوائل عام 2022.
وقال رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني لوكالة رويترز “إذا كنا حكومة ائتلافية، فيجب أن نقرر الأمور معا”.
ولم يرد الحزب الديمقراطي الكردستاني على طلبات للتعليق على الخلاف. لكن حكومة إقليم كردستان، التي يقودها الحزب، قالت إنها تريد استخدام موارد النفط والغاز لصالح الجميع.
وينبغي أن يتفق الجانبان. وينتج أكبر حقلين للغاز في العراق، خور مور وجمجمال، حوالي 450 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميا ويقعان في أراضي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني.
ولإيصال الغاز إلى الأسواق خارج العراق، فإن أسهل طريق هو الشمال، باتجاه تركيا، عبر الأراضي التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني.
لا انفراجة
ويمتلك كونسورتيوم بيرل، المملوك بنسبة الأغلبية لكل من دانة غاز المدرجة في أبو ظبي وشركة نفط الهلال التابعة لها، الحق في استغلال الحقلين. ويخطط الكونسورتيوم لزيادة الإنتاج إلى أكثر من الضعفين إلى نحو مليار قدم مكعبة يوميا في السنوات القليلة المقبلة، وهو ما يكفي لتغطية الاحتياجات المحلية.
ومع وجود احتياطيات مؤكدة تقدر بنحو 15 تريليون قدم مكعبة، يمكن أن يرتفع الإنتاج إلى 1.5 مليار قدم مكعبة يوميا، مما يترك كمية كبيرة متاحة للتصدير.
وفي العام الماضي، وقعت حكومة الإقليم بقيادة الحزب الديمقراطي عقدا مع شركة الطاقة المحلية كار غروب لمد خط أنابيب للغاز من الحقول إلى عاصمة الإقليم أربيل ومدينة دهوك في الشمال، قرب الحدود التركية.
وبمجرد وصول خط الأنابيب إلى دهوك، يمكن بسهولة تمديده لبضعة كيلومترات أخرى ليصل إلى تركيا، مما يمهد الطريق لتصدير الغاز إلى أوروبا.
لكن طالباني اشتكى من أن الحزب الديمقراطي استبعد حزبه من المحادثات، ومن عدم وجود عملية مناقصة أو شفافية حول كيفية منح كار غروب عقد بناء خط الأنابيب.
وقال مسؤول كبير في كار جروب إنها وقعت عقدا مع وزارة الموارد الطبيعية بالإقليم في ديسمبر/كانون الأول 2021 لتحديث ومد شبكة أنابيب الغاز إلى دهوك.
وأحالت الشركة الأسئلة المتعلقة بالعملية إلى الوزارة التي لم ترد على طلب للتعليق.
كما عرقل حزب الاتحاد الوطني المرحلة الأولى من التوسعة التي تهدف إلى خدمة السوق المحلية، بعدما منع الفنيين من دخول حقول الغاز في المناطق الواقعة تحت سيطرته.
ومما يقوض خطط التصدير أيضا موقف إيران، التي لها نفوذ كبير على جارتها. وقال بعض المحللين إنها تعارض مشروعا قد يقوض نفوذها في المنطقة.
ولم ترد وزارة الخارجية الإيرانية على طلب للتعليق.
وفي مايو/أيار الماضي، زار نيجيرفان برزاني -وهو رئيس إقليم كردستان العراق وابن عم مسرور بارزاني- السليمانية والتقى كبار مسؤولي الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو أول اجتماع رفيع المستوى يشارك فيه الجانبان منذ شهور. وعقدت عدة اجتماعات أخرى في أعقاب الزيارة ناقش خلالها القادة الأمن والانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
ويأتي الحديث عن الصادرات على الرغم من أن إقليم كردستان يواجه صعوبة لإنتاج ما يكفي من الكهرباء.
ومن بين 13 محطة للكهرباء في كردستان، هناك 5 محطات تعمل بالغاز، وتعمل فقط بحوالي 50 إلى 70% من طاقتها بسبب النقص.
وفيما يتعلق بالصادرات، لم يُبرم أي اتفاق مع تركيا حتى الآن، وفق ما ذكره مسؤولون أكراد.
وكانت رحلات برزاني إلى الخارج -والتي شملت زيارة إسطنبول حيث عرضت قضية الغاز- أزعجت الاتحاد الوطني الكردستاني، وفقا لـ3 مسؤولين، وصف أحدهم العلاقة بين الحزبين الكرديين بأنها “زواج سيئ للغاية”.
وعندما أُبلغ قائم قام منطقة جمجمال التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني في يناير/كانون الثاني الماضي أن الحكومة منحت كار غروب عقدا لتوسعة شبكة خطوط الأنابيب المحلية، قال مصدر مطلع إن هذه كانت المرة الأولى التي يتم فيها إبلاغ الحزب رسميا.
ونتيجة لذلك، عرقل الاتحاد الوطني الخطة، مشيرا إلى أن الحزب يريد أن يكون شريكا في القرار في جميع الأمور المتعلقة بالغاز، في مسعى لتجنب ما يراه أخطاء الماضي.
وبدأ إقليم كردستان مبيعات النفط المباشرة إلى الأسواق العالمية في منتصف عام 2015 بعدما اتهم الحكومة المركزية في بغداد بحرمان الإقليم من الأموال لدفع رواتب الموظفين العموميين والجيش، رغم أنه كان له دور فعال في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
وتأتي معظم إيرادات حكومة كردستان من تلك الصادرات النفطية، والتي يقول حزب الاتحاد الوطني إن الحكومة التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي توزعها بشكل غير عادل بين المحافظات.
وقال طالباني “لن يخرج الغاز من كردستان بالطريقة التي يخرج بها النفط، في ظل هذا المستوى من سوء الإدارة وانعدام الشفافية، على جثتي”.