حرب روسيا والصين على الدولار.. هل هي مجرد بداية لكسر الهيمنة الأميركية؟
حذر مقال في موقع “ناشونال إنترست” (The National Interest) الأميركي الولايات المتحدة من أنها إذا أرادت البقاء على رأس النظام الدولي القائم، فعليها مواجهة الجهود الجادة الجارية من قبل الصين وروسيا لتقويض هيمنتها المالية العالمية.
وقال كاتب المقال، أكسل دي فيرنو، إن إحدى الحقائق التي استمرت عبر التاريخ هي الارتباط بين القوتين المالية والجيوسياسية، مضيفا أنه في حين أن الدولار الأميركي لا يزال هو المسيطر عالميا، إلا أن التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين أوضحت أن الولايات المتحدة لم تعد تتمتع بتفوق جيوسياسي مثل الذي كانت عليه خلال سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وأكد أن الاقتصاد العالمي لا يزال يعتمد على المؤسسات المالية التي تديرها الولايات المتحدة، وليس هناك ما يشير إلى أن هذا سيتغير في أي وقت قريب.
الوضع يستدعي قلق الأميركيين
مع ذلك، يقول دي فيرنو، في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا، يبدو أن المد بدأ يتحول ربما ليس بشكل دائم، ولكن بطريقة ينبغي أن تثير قلق صانعي السياسة الأميركيين؛ فالتحالف الصيني الروسي يحاول جر الدول الأخرى إلى بديل جذاب لتحقيق هدف نهائي، وهو بناء نظام مالي مستقل تماما عن سيطرة واشنطن.
ورأى الكاتب في سعي روسيا إلى تعزيز قيمة عملتها الروبل، حتى وسط العقوبات الغربية عليها، مؤشرا سلبيا على استمرار هيمنة الدولار، وأشار إلى إجبار روسيا الدول الأوروبية على الدفع بالروبل مقابل ما تستورده من نفط وغاز.
وأضاف أن روسيا تعمل على بناء بديل لنظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “سويفت” (SWIFT). ففي عام 2014، وهو العام الذي ضمت فيه روسيا شبه جزيرة القرم، أنشأ الكرملين “نظام تحويل الرسائل المالية” (SPFS)، وهو نظام دفع قائم على الروبل يعمل كبديل لنظام سويفت. كما حذت الصين حذو روسيا بعد ذلك بعام واحد، فأطلقت “نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك” (CIPS).
قمة بوتين-شي
وقال الكاتب إن قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ التي سبقت الهجوم الروسي على أوكرانيا، ورفض الصين إدانة الكرملين صراحة، عكسا درجة التعاون التي تستعد هاتان القوتان بها لتحدي الغرب.
وأضاف أنه لكي يكون لتحديهما أي تأثير، سيكون المجال الاقتصادي أحد أهدافهما الأولى، إذ إنه شرط أساسي للتأثير الجيوسياسي.
وأشار الكاتب إلى أن الصين وروسيا ناقشتا بالفعل دمج أنظمتهما المالية، إذ أكدت موسكو لبكين أنها مستعدة لاستخدام اليوان في احتياطاتها الأجنبية لتسريع العملية، قائلا إنه بالاقتران مع خطة التحويل الروسية المعقدة لمدفوعات النفط والغاز، التي ستستمر في العمل ما دامت الدول الأوروبية لا تستطيع خفض اعتمادها على موسكو من دون التعرض لانتكاسات مالية غير مقبولة، يتضح أن بكين وموسكو تهدفان إلى تقويض الهيمنة العالمية للدولار الأميركي.
اليوان الرقمي
يقول الكاتب من الواضح أن الصين هي أكبر سبب للقلق، لأنها سعت بشكل فعال إلى تطوير اليوان الرقمي، مشيرا إلى أن هذه العملة الإلكترونية المنفصلة عن الرقابة المالية الأميركية ستسهل التوسع غير المقيد لمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ لأن واشنطن لن تكون قادرة على تتبع المعاملات التي تتم بين بكين والدول النامية.
ولتمويل مشاريع البنية التحتية في أميركا اللاتينية أو أفريقيا أو الشرق الأوسط، ستجبر الصين الدول الأجنبية على سداد المدفوعات بعملة شديدة المركزية لا يمكن تعقبها، يضيف الكاتب.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة لا تتمتع بهذه الميزة مع الدولار، نظرا للشفافية والديمقراطية، اللتين تتيحان الوصول للمعلومات المتعلقة بقيمة المعاملات المالية بين الدول وتداول هذه المعلومات بسهولة أكبر.
ويقول دي فيرنو، حتى وإن لم نأخذ في الاعتبار شكل اليوان الرقمي، فإنه يهدد بالفعل بأن يحل محل الدولار في الأسواق الرئيسية التي قد يكون لها تأثير هائل على الأمن الأميركي؛ إذ كانت إيران تقبل مدفوعات اليوان مقابل مبيعاتها النفطية للصين على مدار العقد الماضي، بسبب العقوبات الأميركية. والاستقرار النسبي لليوان قد يجعله أكثر ملاءمة للأغراض التجارية وكعملة احتياطية.
وبينما نجا المستهلكون والشركات الأميركية من آثار الاقتصاد التضخمي، فإن البلدان الأقل تقدما التي لديها دولارات في احتياطات بنوكها المركزية قد لا تخرج من الركود الحالي، لذلك من الممكن أن تتحول هذه البنوك المركزية إلى اليوان كبديل، حسب الكاتب.
دي فيرنو: بينما نجا المستهلكون والشركات الأميركية من آثار الاقتصاد التضخمي، فإن البلدان الأقل تقدما التي لديها دولارات في احتياطات بنوكها المركزية قد لا تخرج من الركود الحالي، لذلك من الممكن أن تتحول إلى اليوان كبديل
طريق طويل
يستدرك الكاتب بقوله إن هذا لا يعني أن الدولار في حالة انخفاض لا مفر منه؛ فقد أعرب بوتين عن شكوكه بشأن إزالة العملة الأميركية بالكامل من البنك المركزي الروسي.
واعتبارا من يوليو/تموز 2021، تحتفظ الصين بنسبة 50% إلى 60% من احتياطات النقد الأجنبي في الأصول المقومة بالدولار. وعلى الرغم من أن بكين تعمل بلا شك على تعزيز قدراتها العسكرية، إلا أنه لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه قبل الزعزعة الكاملة للدولار.
وختم الكاتب مقاله بذكر التحديات أمام المحاولات الصينية الروسية، قائلا إن الصين استعدت الدول الأوروبية بمقررات القمة بين الرئيسين شي وبوتين، وبصمتها بشأن الأزمة الإنسانية في أوكرانيا، مشيرا إلى أن هذا سيضر بالصادرات الصينية ويمنع بكين من جذب المزيد من الحكومات في شبكتها الاقتصادية.
بالإضافة إلى ذلك -يقول الكاتب- قد لا تُترجم مبادرة الحزام والطريق بالضرورة إلى نجاح لا يرقى إليه الشك. وإذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الاستفادة من مؤسساتها المالية الراسخة، مثل بنك التنمية للبلدان الأميركية، لخلق المزيد من رأس المال في أميركا اللاتينية، على سبيل المثال، فقد تواجه الصين صعوبة في تقديم بديل أكثر جاذبية.
العقوبات ومساعي الدول لتنويع الاحتياطات
وفي مقال بصحيفة “إيكونوميست” (The Economist) البريطانية -نشر مارس/آذار الماضي- أعربت الصحيفة عن اعتقادها بأنه كلما زادت حجم القوة الرادعة للغرب تجاه روسيا التي أعلنت حربا على أوكرانيا، ازداد سعي الدول عبر العالم إلى تجنب الاعتماد على التمويل الغربي، وهذا من شأنه أن يجعل التهديد بالاستبعاد أقل قوة.
ورأت أن ذلك سيؤدي إلى تجزئة الاقتصاد العالمي بشكل خطير، مذكرة بما حدث في الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما ارتبط الخوف من الحظر التجاري بالاندفاع نحو الاكتفاء الذاتي ومجالات النفوذ الاقتصادي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه، على امتداد العقد المقبل، يمكن للتغيرات التكنولوجية أن تخلق شبكات مدفوعات جديدة تتجاوز النظام المصرفي الغربي، إذ يبلغ عدد مستخدمي العملة الرقمية الصينية الجديدة 261 مليون مستخدم.
وبينت أنه على الرغم من صعوبة الاحتفاظ بتريليونات الدولارات خارج الأسواق الغربية اليوم، لكن بمرور الوقت قد تسعى المزيد من الدول إلى تنويع احتياطاتها من خلال زيادة الاستثمار في أماكن أخرى.
وتعتقد الصحيفة أنه، من خلال تطبيق العقوبات على المزيد من الدول على مدار العقدين الماضيين وزيادة حدتها المحتملة حاليًا، يخاطر الغرب بدفع المزيد من الدول إلى الانفصال عن النظام المالي الذي يقوده أكثر مما هو مرغوب فيه.
ولهذا السبب -بحسب الصحيفة- فإنه بعد انتهاء الأزمة في أوكرانيا، يتعين على الغرب أن يهدف إلى توضيح كيفية السيطرة على العقوبات، كما يجب احتواء الانتشار المستمر من العقوبات منخفضة المستوى.