باكستان تحت الضغط.. قرض صندوق النقد مقابل وقف “الحزام والطريق” مع الصين
إسلام آباد– تواجه باكستان ضغوطا خلال مفاوضاتها للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، فقد اشترط الصندوق عليها مراجعة اتفاقيات الطاقة مع الصين ضمن الممر الاقتصادي المشترك بين البلدين، ما يثير الشكوك حول سعي هذه المؤسسة المالية الدولية لعرقلة الممر بكل مكوناته.
ويعتقد الصندوق أن المحطات الصينية لا تعامل نفس معاملة المحطات المحلية، وأنها تتطلب تكاليف كثيرة بسبب شروط صعبة وضعها الصينيون، مما يجعل تكلفة الكهرباء من المحطات الصينية كبيرة جدا على باكستان.
ممر إستراتيجي تعول عليه إسلام آباد كثيرا
الممر الاقتصادي المشترك بين الصين وباكستان هو مبادرة مشتركة بين البلدين، وهو جزء رئيسي في مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تعتبر على رأس اهتمامات القيادة الصينية منذ عام 2013. بدأ المشروع عام 2015، بتكلفة 46 مليار دولار وفقا للمواقع الحكومية الباكستانية، لكن مع التقدم في المشروع تضخمت القيمة التراكمية للمشروع لتبلغ 62 مليار دولار.
ويمتد المشروع 2700 كيلومتر من مدينة كاشغر غربي الصين حتى ميناء جوادر على الساحل الجنوبي الغربي لإقليم بلوشستان الباكستاني.
من المخطط أن يكتمل الممر الاقتصادي بحلول عام 2030 ليوفر 700 ألف فرصة عمل في مجالات مختلفة. ويقسم المشروع لعدة مراحل، وقد اكتملت المرحلة الأولى منه وتتعلق بتطوير البنية التحتية للطرق وتطوير قطاع الطاقة، بالإضافة إلى البدء في تطوير ميناء جوادر، وقد تم إنفاق ما يقرب من 24 مليار دولار على هذه المرحلة، وهو ما يمثل 40% من مشروع الممر، وفق ما نقله موقع (The Digital Dispatch) الباكستاني في 11 يونيو/حزيران.
وتعول باكستان على الممر كثيرا في تحسين الاقتصاد، وتطوير البنية التحتية المتهالكة، وأن يكون له دور في توظيف عدد كبير من الباكستانيين وتشغيل عدد من المجالات أهمها تطوير مجال الطاقة، حيث تهدف الاتفاقية لتطويره بقيمة 33 مليار دولار تقريبا. بالإضافة إلى مشاريع لمد أنابيب لنقل الغاز الطبيعي والنفط بين البلدين بمشاركة إيران.
من منظور أوسع، تعتبر مبادرة الحزام والطريق مهمة جدا في إطار التوسع التجاري والاقتصادي الصيني، بالإضافة إلى الأهمية على المستوى الجيوسياسي، حيث تمثل المبادرة أداة للترابط ما بين الصين وآسيا الوسطى وباكستان وأفغانستان وإيران وصولا إلى الخليج العربي، بالإضافة إلى وصولها إلى أفريقيا وأوروبا. وبالحديث عن الممر الاقتصادي فيعتبر هو “درة التاج” بالنسبة للمبادرة الصينية، ذلك أنه الطريق الأهم للوصول إلى بحر العرب.
شروط صعبة
وحول الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي، يقول الدبلوماسي الباكستاني السابق، والخبير في شؤون آسيا، عقيل نديم، إن الولايات المتحدة وجهات دولية مثل صندوق النقد الدولي يعتقدون أن هذه الاتفاقيات مع الصين غير عادلة، وتصب في مصلحة الصين، ويعتقدون أن هناك بعض النقاط السرية والمخفية في الاتفاق.
ويضيف نديم، في حديث خاص للجزيرة نت، أن هذه الأطراف لم تفهم بعد أن الصين وقفت إلى جانب باكستان في الوقت الذي تخلى فيه الدائنون الدوليون عن مساعدتها في حل مشاكل الطاقة.
من جهته، يقول الخبير في الاقتصاد السياسي، ورئيس المعهد الآسيوي لبحوث الحضارة والتنمية في إسلام آباد، شاكيل راماي، في حديث للجزيرة نت إن الأسباب بحد ذاتها سياسية، ونابعة من رفض الولايات المتحدة -التي لها نفوذ على الصندوق- للشراكة الاقتصادية والإستراتيجية بين الصين وباكستان، ولذلك تضغط على باكستان باستمرار.
بينما يرى الصحفي والمحلل السياسي جاويد رانا أن شروط الصندوق منطقية إلى حد ما، لكنها في نفس الوقت تستند لخلفيات سياسية تتعلق بالمنافسة الغربية مع الصين.
وتطرح شروط صندوق النقد الدولي على باكستان تساؤلات حول ما يمكن للصندوق تقديمه لتعويض باكستان عن إلغاء شراكتها مع الصين، وفي هذا السياق، يتساءل عقيل نديم بقوله إنه إذا كان لدى الغرب والولايات المتحدة بديل عما تقدمه الصين فلماذا لا يقدمونه؟.. ولذلك، فهو يعتقد أن الغرب ليست لديهم أي خطط لمساعدة باكستان على تطوير اقتصادها وبنيتها التحتية.
وهذا ما يؤكد عليه شاكيل راماي الذي يقول إن صندوق النقد الدولي ليس لديه أي شيء لتقديمه. ويضيف أن الولايات المتحدة ابتكرت مجموعة الدول السبع الكبرى (G7) كبديل عن مبادرة الحزام والطريق، لكن من جديد، هم لا يملكون الموارد الكافية لذلك، وبالتالي، عمليا لا يستطيعون تقديم أي بديل.
ويتضح من ذلك -وفقا لآراء المحللين الباكستانيين- أن الثمن الذي ستدفعه باكستان جراء ذلك لن يكون سوى خسارة المشاريع الصينية التي طورت مجال الطاقة والبنية التحتية إلى حد كبير في البلاد.
باكستان.. بين الصندوق والصين
يعتقد جاويد رانا، أنه يجب على باكستان مراجعة اتفاقياتها مع الصين -وباكستان تريد ذلك- لأن الاتفاقيات على مدار الـ40 عاما المقبلة لا تقدم لباكستان فوائد كبيرة، حيث يقول رانا إن مقدار ما سوف تسدده باكستان كبير جدا ونسبة الأرباح قليلة. فعلى سبيل المثال 90% من عائدات ميناء جوادر ستذهب للصين.
ويضيف رانا في حديث للجزيرة أن الصين يجب أن تقبل بإعادة التفاوض، ويعتقد أن العلاقات بين إسلام آباد وبكين قوية بشكل كبير، بالإضافة إلى أهمية باكستان الإستراتيجية بالنسبة للصين، ولذلك فإن الصين لن تسيطر على الأصول الباكستانية كما فعلت في سريلانكا.
ويتفق معه عقيل نديم، الذي يقول إن الصين ستكون منفتحة على إعادة التفاوض مع باكستان، وربما تم التشاور في ذلك خلال زيارة قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا إلى بكين الأسبوع الماضي، ويعتقد الدبلوماسي السابق، أن الصين على الأقل سوف تقبل بتأجيل سداد الديون لعدة سنوات مقبلة، بالإضافة إلى وجود محادثات مع الصين لتقديم قرض بقيمة 2.8 مليار دولار.
ويضيف نديم أن هناك تصورا في باكستان بأنه يجب السعي وراء المصلحة الوطنية لباكستان، وهذا يجعلنا في مرحلة موازنة صعبة بين الصين والغرب. فالمصلحة الوطنية تقتضي الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية مع الصين، ووجود علاقات جيدة وتعاون مع الغرب، وهذا يتطلب معالجة مخاوف كلا الطرفين.
ويتوافق مع ذلك شاكيل راماي. لكنه توقع أن مراجعة الاتفاقيات بين الصين وباكستان لن تحدث، وأن الاتفاقيات سوف تستمر بين الطرفين كما هي. ويقول إن باكستان واضحة في ضرورة وأهمية الممر بالنسبة لها لأنه برنامج شامل.
وحول الضغوط التي تتعرض لها باكستان، قال راماي، إنه منذ إنشاء فكرة الممر وتوقيع الاتفاق بين باكستان والصين، لم يلق ذلك ترحيبا لدى الولايات المتحدة والغرب، ونقلوا ذلك لباكستان على أعلى مستوى. وأشار إلى تنوع الضغوط التي تعرضت لها باكستان ما بين الشائعات والضغوط المباشرة، وإدراجها على القائمة الرمادية للدول الداعمة للإرهاب وغسيل الأموال، وأخيرا بالضغوط من خلال صندوق النقد الدولي.
الصين وباكستان.. علاقات قوية
يشار إلى أن باكستان كانت أول دولة إسلامية وثالث دولة غير شيوعية تعترف بالصين عام 1950، بالإضافة إلى كونها الثانية في جنوب آسيا، والرابعة على مستوى العالم تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع الصين عام 1951.
وبالرغم من وجود خلافات على التقسيمات الحدودية التي خلفها الاستعمار البريطاني في المنطقة، فإن باكستان والصين وقعتا اتفاقية حدودية عام 1963من خلال مفاوضات سلمية. وكانت باكستان وسيطا بين الصين والولايات المتحدة في الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى الصين عام 1970.
وقد ظهرت قوة العلاقات في الدعم الصيني لباكستان في حروبها مع الهند عامي 1965 و1971، بالإضافة إلى دعمها في بناء البرنامج النووي الذي أصبح حقيقة عام 1998. ومن جديد يرسخ الممر الاقتصادي واقعا جديدا في العلاقات بين البلدين، ويرسم ملامح شراكة شاملة على المدى البعيد، حيث لا تزال الصين أكبر مستثمر في باكستان.
وقد تعددت الاتفاقيات التجارية والاقتصادية بين البلدين، وكان أبرزها اتفاقية التجارة الحرة (المرحلة الأولى) عام 2006، وهو ما أدى إلى تعزيز التبادل التجاري بين البلدين. وفي عام 2015، احتفل البلدان به باعتباره عام التبادلات الودية، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 16 مليار دولار آنذاك. وفي عام 2018، تم توقيع اتفاق تجارة حرة (المرحلة الثانية).
وفي عام 2021، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 27.82 مليار دولار، وفق ما نقلته صحيفة “داون” الباكستانية في يناير/كانون الثاني الماضي عن الإدارة العامة للجمارك بالصين.
ولا تقل العلاقات بين البلدين على المستوى العسكري عن العلاقات الاقتصادية والسياسية، ففي عام 1999 تم توقيع عقد التطوير والإنتاج المشترك للطائرة “JF-17″، وهو حدث بارز في صناعة الدفاع الباكستانية، بعد عام واحد من إجراء أول تجربة نووية باكستانية. واليوم تعتبر الصين أكبر حليف عسكري بالنسبة لباكستان.