الانتخابات الفرنسية.. ماكرون بوضع غير مسبوق واليسار يتجه لطرح تصويت بسحب الثقة من حكومته وحزبه يبحث عن حل
بعد أقل من شهرين على إعادة انتخابه رئيسا لولاية ثانية من خمس سنوات في أبريل/نيسان، وجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه محروما من الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية وهو وضع غير مسبوق عمليا يُنذر بفترة انعدام يقين وربما عدم استقرار، في حين حذرت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن أن نتيجة الانتخابات البرلمانية تمثل “خطرا على البلاد”.
فقد انتهت الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الأحد بحسب المحللين “بصفعة” أو “ضربة” لماكرون الذي لم يحتفظ ائتلافه إلا بـ245 مقعدا من أصل 577 في الجمعية الوطنية بعيدا عن الغالبية المطلقة المتمثلة بـ289 مقعدا، وفقا للأرقام النهائية الصادرة عن وزارة الداخلية الفرنسية.
وشهد التصويت تقدما غير مسبوق لليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن، منافسة ماكرون في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، مع حصوله على 89 نائبا، وإحياء ائتلاف اليسار بقيادة أقصى اليسار المتمثل بجان لوك ميلانشون والذي نال 131 نائبا.
لكن الحزب اليميني التقليدي “الجمهوريون” صمد ونال 61 نائبا ويمكن أن يؤدي دور الحكم، وقد مد المعسكر الرئاسي اليد له اعتبارا من مساء الأحد.
نهاية الرئاسة القوية
ومع أن إيمانويل ماكرون، هو أول رئيس أعيد انتخابه منذ اعتماد الولاية من خمس سنوات في 2002، فهو أيضا أول رئيس يجد نفسه مع أقلية منذ قلب البرنامج الزمني الانتخابي الذي وضع الانتخابات التشريعية بعد الانتخابات الرئاسية والذي كان يعطي حتى الآن غالبية واضحة لرئيس الدولة المنتخب حديثا.
ونتيجة لذلك، لن تكون ولاية إيمانويل ماكرون الثانية شبيهة بالأولى. ويقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة بانثيون-سوربون، دومينيك روسو لوكالة الصحافة الفرنسية “ليس هناك تجديد لرئاسة قوية جدا”.
ويضيف “بالنسبة لماكرون، ستكون هذه الولاية المؤلفة من خمس سنوات، ولاية مفاوضات وتسويات برلمانية. لم يعد الأمر حكم رجل مهيمن إنما رئيس يعاني من نقص في الغالبية في الجمعية الوطنية”.
ويتابع “نحن نتجه نحو ولاية مدتها خمس سنوات سيتم فيها إعادة تأهيل دور البرلمان. هذه هي ممارسة كل الدول الأوروبية الأخرى”.
مع نتيجة قريبة من 289 مقعدا، يمكن للرئيس أن يحكم عبر أقلية “تسعى للحصول على دعم على أساس كل حالة على حدة وفقا للقوانين” لا سيما لدى الأحزاب الصغيرة كما أوضح روسو.
لكن التوقعات تشير الى فجوة أوسع، ما يترك مارسيال فوكو متشككا حيال التحالفات قائلا “الصعوبات ستكون عديدة جدا في الساعات المقبلة لتحديد ما اذا كنا نتحدث عن اتفاق، ائتلاف حكومي”.
سحب الثقة من حكومة ماكرون
وفي أولى تداعيات انتخابات الأمس؛ قال تحالف اليسار في فرنسا اليوم الاثنين إنه يعتزم طرح تصويت من أجل سحب الثقة من حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون في الخامس من يوليو/تموز القادم.
وتحالف اليسار هو ثاني أكبر تكتل في مجلس النواب بالبرلمان الفرنسي بعد الانتخابات التي جرت أمس الأحد، لكن ليس لديه ما يكفي من الأصوات للمضي قدما بمفرده في تصويت سحب الثقة، ويمتلك عددا قليلا من الحلفاء في برلمان في غاية التفتت.
خياران أمام ماكرون
عمليا، أمام تحالف ماكرون خياران هما إما أن يبرم اتفاقا مع أحزاب أخرى على غرار الاتفاقات الحكومية في ألمانيا، أو أن يتفاوض على كلّ نصّ يريد تمريره، لكن كلما كان عدد النواب الناقصين لبلوغ الأغلبية أكبر، كلما كانت المسألة أكثر صعوبة.
ويضع هذا المشهد البرلمان في قلب اللعبة السياسية في فرنسا، في سابقة في ظلّ الجمهورية الخامسة، النظام الذي وضعه الجنرال ديغول عام 1958 بالتحديد لتجنّب عدم الاستقرار في النظام البرلماني الذي كان سائدا في ظلّ الجمهورية الرابعة.
وإذا كانت فكرة التوصل إلى ائتلاف حكومي التي طرحها بعض قادة اليمين رفضت من قبل قيادة حزب الجمهوريين (الحزب اليميني التقليدي) فإن النقاش يمكن أن يفتح مجددا في الحزب الذي تعهد بعدم القيام بعرقلة منهجية.
وقال زعيم الحزب كريستيان جاكوب “لقد خضنا حملة في صفوف المعارضة، نحن في المعارضة وسنبقى في المعارضة”.
خطر على البلاد
وربما بسبب حالة التشتت التي صنعتها نتائج الانتخابات؛ اعتبرت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن اليوم الأحد أن نتيجة الانتخابات البرلمانية تشكل “خطرا” على البلاد.
وقالت بورن “النتيجة تمثل خطرا على بلدنا في ضوء التحديات التي يتعين علينا أن نواجهها”.
وأضافت “سنعمل ابتداء من الغد من أجل تشكيل أغلبية.. لضمان الاستقرار لبلدنا وتنفيذ الإصلاحات اللازمة”.
وفازت بورن نفسها في سباقها للحصول على مقعد في الجمعية الوطنية عن منطقة كالفادوس بشمال البلاد، حيث تغلبت في الجولة الثانية على منافس من اليسار.
وأخفق بعض أعضاء حكومتها، مثل وزيرتي البيئة والصحة، في مساعيهم للفوز بمقعد برلماني بينما نجح آخرون مثل وزير الدولة للشؤون الأوروبية كليمان بون ووزير الميزانية جابرييل أتال ووزير العمل أوليفييه دوسوب.
وكانت الحكومة قد أعلنت في وقت سابق أن الوزراء الذين فشلوا في حملتهم البرلمانية سيستقيلون.
إجراءات متعلقة بالنواب الجدد
من ناحية أخرى، ستبدأ رسميا يوم الأربعاء القادم ولاية النواب الجدد التي تستمرّ خمس سنوات.
ويجب على النواب الذين انتُخبوا الأحد للمرة الأولى ومن بينهم شخصيات رمزية حديثة العهد في السياسة على غرار راشيل كيكي وهي عاملة تنظيفات سابقة أصبحت نائبة عن تحالف اليسار، أن يسجّلوا ويحصلوا على حقيبة النائب التي تحتوي على الوشاح ذي الألوان الثلاث.
كما يتعيّن عليهم التقاط صور رسمية لهم والانضمام إلى الكتل البرلمانية التي يُفترض أن تتشكل قبل 28 يونيو/حزيران عند الساعة الثالثة بعد الظهر بالتوقيت المحلي، موعد افتتاح الهيئة التشريعية الـ16 في جلسة عامة.