أيهما أفضل لخزينة واقتصاد بريطانيا الإبقاء على اللاجئين أم ترحيلهم إلى رواندا؟
لندن – يظهر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إصرارا منقطع النظير في الدفاع عن خطته لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، رغم المعارضة الحقوقية والسياسية الشديدة لهذه الخطة.
ويبرر بوريس جونسون خطته هذه بقطع الطريق أمام “عصابات الاتجار بالبشر”، والرغبة في إنهاء أزمة اللاجئين المنهكة لخزينة الدولة.
وكثيرا ما يتم تضخيم أزمة اللاجئين في بريطانيا، رغم أن الأرقام تظهر واقعا مغايرا مقارنة بدول أوروبية أخرى مثل ألمانيا أو فرنسا وحتى السويد، كما أن تكلفة مخطط الترحيل إلى رواندا ستكون أكثر كلفة من استقبال طالبي اللجوء والبث في طلباتهم والسماح لهم بالعمل وتوفير مصدر دخل لأنفسهم، وفق مراقبين.
كلفة باهظة
أعلنت الحكومة البريطانية أن كلفة خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا هي 120 مليون جنيه إسترليني ستتسلمها الحكومة الأيرلندية، إلا أن تقديرات اقتصادية لمجلس اللاجئين البريطاني أظهرت أن هذه الخطة سوف تكلف دافعي الضرائب أكثر من 1.4 مليار جنيه إسترليني في السنة (الجنيه الاسترليني يعادل 1.23 دولار).
هذا المبلغ الضخم كان من الأجدى استثماره في الموارد البشرية والتقنية للبث بسرعة في طلبات اللجوء، والسماح لطالبي اللجوء بالعمل إلى حين اتخاذ القرار النهائي في طلباتهم، كما يقول متابعون للشأن البريطاني.
وأظهر بحث للجنة الدولية للإنقاذ التي تشتغل في إغاثة اللاجئين، أن السماح للاجئين بالعمل وسد الفجوة المهولة في الأجور -التي يحصلون عليها سواء في دول مثل ألمانيا أو الولايات المتحدة ولبنان والأردن وبريطانيا- قادران على منح الناتج الداخلي الخام العالمي دفعة بحوالي 53 مليار دولار.
المنع من العمل
من الإجراءات التي تجعل من طالبي اللجوء يظهرون وكأنهم عبء على خزينة الدولة البريطانية، أن هذه الأخيرة تمنع عليهم العمل طيلة فترة البث في ملفاتهم، وفي بعض الأحيان قد يتطلب النظر في ملف طلب لجوء أكثر من سنة، مما يعني أن الشخص المعني لن يكون بمقدوره العمل إلا حين قبول طلب لجوئه، وبالتالي سيعيش على المساعدات الحكومية التي تقدم له حوالي 10 دولارات في اليوم الواحد.
وعلى سبيل المثال، فخلال العام الماضي كانت الحكومة البريطانية مجبرة على تقديم مساعدات مالية وتوفير السكن لحوالي 68 ألف طالب لجوء ما زالوا ينتظرون البث في طلباتهم، وحسب معطيات وزارة الداخلية البريطانية فإن تكاليف سكن كل طالب لجوء في مراكز اللجوء أو الفنادق تبلغ 4.7 ملايين دولار يوميا، وفي عام تصل 1.5 مليار دولار.
في المقابل تظهر حسابات مؤسسة “أوقفوا الحظر” (Lift the ban) البريطانية -التي ترافع عن حق طالبي اللجوء في العمل- أن خزينة الدولة البريطانية يمكن أن تربح حوالي 181 مليون جنيه إسترليني سنويا لو سمحت لطالبي اللجوء بالعمل.
وحسب المؤسسة نفسها، فإن استطلاعات الرأي التي أجرتها أظهرت أن 50% من طالبي اللجوء قادرون على الحصول على عمل بمتوسط دخل يصل 30 ألف جنيه إسترليني سنويا، وهو ما سيوفر لخزينة الدولة 650 مليون جنيه إسترليني سنويا، أي تقليص كلفة اللاجئين بحوالي النصف سنويا، كما عبّر 92% من طالبي اللجوء عن استعدادهم للعمل إذا تم السماح لهم بذلك.
الرحلة الأغلى في العالم
حسب صحيفة “غارديان” (the Guardian) البريطانية، فإن كلفة الرحلة الأولى من بريطانيا إلى رواندا لترحيل اللاجئين، والتي تم إلغاؤها في آخر لحظة، كلفت خزينة الدولة 500 ألف جنيه إسترليني، مما يجعل هذه الرحلة من أغلى الرحلات في العالم.
أما تقرير آخر لصحيفة “تايمز” (Times) البريطانية فقد أظهر أن المعدل السنوي لترحيل طالبي اللجوء سيكون حوالي 300 شخص في السنة، وذلك لعدد القضايا التي سيرفعها هؤلاء لمنع لترحيلهم، وهذا يعني أن الحكومة البريطانية تحتاج إلى 34 سنة من أجل ترحيل 10 آلاف طالب لجوء وضعتهم الحكومة هدفا للإخراج من بريطانيا.
كما أن كلفة ترحيل طالب اللجوء الواحد ستكون -حسب الصحيفة نفسها- ما بين 20 و30 ألف جنيه إسترليني تشمل ترحيله إلى حين وصوله إلى رواندا والبث في طلبه.
فتش عن السياسة
من الناحية الاقتصادية يظهر أن ترحيل طالبي اللجوء سيكون ربما أكثر كلفة من استقبال اللاجئين، إلا أن هناك تفاصيل سياسية تدفع حكومة جونسون للتشبث بهذه الخطة المثيرة للجدل.
وتظهر معطيات حرس الحدود البريطاني أن عدد الأشخاص الذين عبروا إلى البلاد عبر القوارب خلال العام الماضي بلغ 28 ألفا و500 شخص، مسجلا ارتفاعا قياسيا مقارنة مع العام 2020 حيث بلغ هذا العدد حوالي 8400 شخص، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد الأشخاص الذين سيعبرون إلى بريطانيا عبر القوارب أكثر من 30 ألفا خلال العام الحالي.
هذه الأرقام تقول عندها الحكومة البريطانية إنها أرقام مقلقة وتحتاج لوقفة حازمة، مما جعلها توفر حوالي 50 مليون جنيه إسترليني للبحرية الملكية لمراقبة الحدود البحرية.
وهناك عامل آخر يدفع الحكومة للدفاع عن هذه الخطة، وهي المزاج الشعبي المؤيد لها، إذ أظهر استطلاع رأي لمؤسسة “يو غوف” (YOU GOV) انقساما في صفوف البريطانيين بشأن هذه الخطة بين 35% من المؤيدين و37% من المعارضين، وهما نسبتان متقاربتان، يمكن أن تمنح للحكومة ورقة انتخابية قوية تظهرها وكأنها تفي بوعد التقليص من أعداد المهاجرين واللاجئين.