اقتصاد

بعد قرار تقييد النقل إلى كالينيغراد.. هل يصبح الإقليم المعزول رمز حرب باردة جديدة بين روسيا والغرب؟

في إجراء غير مسبوق استندت فيه إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا، قامت ليتوانيا بتقييد عمليات النقل الروسية بالسكك الحديدية إلى منطقة كالينينغراد، وحظرت نقل البضائع الخاضعة للعقوبات إلى الإقليم الإستراتيجي.

ويأتي قرار الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) في وقت يخشى فيه سكان الإقليم -المعزول عن روسيا وليس له حدود برية مشتركة معها- من نقص السلع بسبب تعطل الخدمات اللوجستية (بالحد الأدنى) إلى حين إيجاد سلاسل نقل جديدة في بحر البلطيق، كون هذا الإقليم تتوفر لديه إمكانية الوصول إلى البحر.

واحتجاجا على القرار، استدعت وزارة الخارجية في موسكو سفير الاتحاد الأوروبي لدى روسيا ماركوس إيديرر، وفي حين لا تزال روسيا تحاول حل المشكلة بالوسائل الدبلوماسية، تتوالى الدعوات داخل البلاد لاختراق الممر البري إلى كالينينغراد عبر ليتوانيا بالوسائل العسكرية.

ورغم أنه لم يتوقف أو يحظر العبور البري بين كالينينغراد ومناطق أخرى في روسيا، ولا يزال عبور الركاب والبضائع غير الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي مستمرا، فإنه من الواضح أنه ستكون هناك تداعيات ملموسة على الاقتصاد الروسي لهذا الإجراء الليتواني بوقف النقل عبر السكك الحديدية.

وحددت قائمة البضائع التي يُحظر عبورها من روسيا إلى الإقليم شبه المعزول، استنادا إلى الإصدار الأخير للائحة مجلس الاتحاد الأوروبي “بشأن تقييد التدابير المتعلقة بإجراءات روسيا لزعزعة استقرار أوكرانيا”، الذي يتضمن حظر استيراد أو نقل المنتجات المصنوعة من الحديد والصلب وبعض المعادن الأخرى، وكذلك الكافيار والكحول والأسمدة والأخشاب والبضائع المصنوعة من الخشب والأوعية الزجاجية والإسمنت.

واعتبارا من العاشر من أغسطس/آب المقبل، يبدأ حظر نقل الفحم، ومن الخامس من ديسمبر/كانون الأول المقبل، يُحظر النفط، ومن الخامس من فبراير/شباط 2023 تحظر جميع المنتجات النفطية، ويذكر أن المادة الثالثة من لائحة العقوبات الأوروبية تحظر أيضًا على شركات النقل الروسية نقل البضائع عبر طرق الاتحاد الأوروبي، باستثناء البضائع إلى كالينينغراد.

علاوة على ذلك، فإن حظر العبور مصدر إزعاج ويكلف نفقات إضافية، خصوصا بالنسبة للهياكل الإسمنتية والمعدنية، حتى في حال الانتقال إلى النقل البحري.

فعلى خلاف السكك الحديدية، يعتمد النقل البحري بشكل كبير على عوامل الطقس، وغالبًا ما تتسبب العواصف في تأخر وصول البضائع، مما قد يؤثر على الأسعار.

رد بحري على منع بري

وتقدر السلطات في كالينينغراد حجم نقل البضائع عبر السكك الحديدية بنسبة 40-50% من جميع الشحنات التي كانت تمر عبر ليتوانيا عن طريق السكك الحديدية.

وتؤكد سلطات الإقليم أن النقل البحري يمكن أن يحل محل النقل بالسكك الحديدية، ووفقا للتقديرات الأولية لها، فإنه من أجل إعادة التوزيع الأمثل لحركة الشحن، هناك حاجة إلى 7 سفن موجودة في بحر البلطيق للمشاركة في العمل، وتدخل اثنتان منها إلى الخط هذا الأسبوع، كما أن شركات النقل جاهزة لوضع باقي السفن.

خط حيوي

في السنوات الأخيرة، شحن حوالي 10-15 مليون طن من البضائع بالسكك الحديدية سنويا، ويؤكد اقتصاديون روس أن قدرات مجمع الموانئ في منطقة كالينينغراد ستسمح بمعالجة هذه الشحنات بالكامل، ووفقا للتقديرات المتاحة تبلغ الطاقة الإنتاجية لمحطات موانئ الشحن حوالي 45 مليون طن سنويا، إضافة إلى أن مرافق الموانئ في منطقة لينينغراد كافية أيضا للحفاظ على معدل دوران البضائع، ومن أجل استبدال نقل البضائع بالسكك الحديدية، قد يكون من الضروري زيادة عدد العبّارات بين منطقتي كالينينغراد ولينينغراد، حسب رأي الاقتصاديين.

وبالنسبة إلى الإسمنت -على سبيل المثال- سلّم في عام 2020 نحو 443 ألف طن من أنواع مختلفة من الإسمنت إلى منطقة كالينينغراد من الأراضي الروسية.

يشار إلى أن الأسمنت ليس سلعة صعبة النقل، ولا يتطلب مرافق ميناء خاصة ويمكن نقله عن طريق البحر، إلا أن أسعاره لن تبقى على معدلها الحالي في كل الأحوال.

رد موسكو

ويرى الخبير الاقتصادي فاسيلي غالوبكين أنه من غير المرجح أن تتخذ روسيا إجراءات عسكرية لحسم الأزمة، رغم أن قرار ليتوانيا يعد تصعيدا خطيرا ويتناقض حتى مع مصالحها الاقتصادية، إذ تعد روسيا بالنسبة لها شريكا تجاريا واقتصاديا رئيسيا في كل من الصادرات والواردات.

ورجح -في حديث للجزيرة نت- أنه في حال رفضت ليتوانيا التراجع عن قرارها، فإن موسكو قد تقوم بفرض عقوبات على جميع السلع الليتوانية، إضافة إلى تعليق حركة مرور الطاقة من بيلاروسيا.

علاوة على ذلك، لا يستبعد غالوبكين الإبطال القضائي لمراسيم غورباتشوف الصادرة في الخامس من سبتمبر/أيلول 1991 بشأن استقلال ليتوانيا، والانسحاب من الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي بشأن ليتوانيا، كون روسيا اعترفت بحدود الجمهورية البلطيقية مقابل ضمانات بالعبور المستمر للمواطنين الروس والبضائع الروسية إلى كالينينغراد، متابعا أنه بفضل هذا الاعتراف، تمكنت ليتوانيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

إقليم معزول

وتقع كالينينغراد خارج الحدود الروسية؛ لأنها في الأصل كانت مدينة ألمانية تسمى كونيغسبيرغ ضمن بروسيا الشرقية، وفي أبريل/نيسان 1945، شنت القوات السوفياتية هجوما على ألمانيا واستولت على كونيغسبيرغ، وفي مايو/أيار 1945، أعلنت ألمانيا استسلامها، وفي صيف العام نفسه، عقد مؤتمر “بوتسدام” الذي نتج عنه التنازل عن مدينة كونيغسبيرغ للاتحاد السوفياتي.

وكان الزعيم السوفياتي الراحل يوسف ستالين طالب قبل ذلك -خلال مؤتمر طهران عام 1934- بنقل كونيغسبيرغ وشرق بروسيا إلى الاتحاد السوفياتي، لأنه لم يكن لدى البلاد ما يكفي من الموانئ الخالية من الجليد على بحر البلطيق.

وتعد كالينينغراد محورا رئيسيا للنقل في روسيا، بسبب الشبكة الكبيرة والمتطورة للسكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ البحرية والنهرية ومطار “خرابروفو” الدولي، كما يقع فيها مقر أسطول بحر البلطيق التابع للبحرية الروسية في كالينينغراد.

ولفترة طويلة كانت كالينينغراد مدينة مغلقة بسبب موقعها الإستراتيجي، ولكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي، تغير كل شيء، وتغير وضعية المنطقة البالغ مساحتها 200 كيلومتر مربع بعد إعلان ليتوانيا استقلالها عام 1990.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى