الاخبار العاجلةسياسة

بعد حرب التصريحات.. هل أصبحت المواجهة النووية بين روسيا والناتو وشيكة؟

موسكو– بوتيرة متزايدة، تتسارع العمليات العسكرية للقوات الروسية في أوكرانيا، في وقت تنشط فيه مجموعة السبع الكبار لوضع إطار جديد وأكثر تأثيرًا للعقوبات الغربية على موسكو.

بيد أن مخاوف الانتقال من “الحرب الاقتصادية” إلى احتمال حصول اشتباك مباشر بين القوات الروسية والأطلسية عبر البوابة الأوكرانية باتت تتصدر عناوين الأخبار وقراءات المحللين السياسيين والخبراء العسكريين على ضفتي الصراع.

ومما يعزز المخاوف المذكورة تصريحات لمسؤولين روس وغربيين حول فرضية الصدام الذي من البديهي أن يكون السلاح النووي أحد أشكاله، وهو ما كان محرمًا في الخطاب السياسي للقطبين على امتداد عقود طويلة بعد نهاية الحرب الباردة.

فقد قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن محاولات العودة إلى الطرق الدبلوماسية لحل الصراع في أوكرانيا ستساعد في الإبقاء على حالة “عدم الاستقرار” في جميع أنحاء العالم، وبرأيه فإن الوقت الحالي يشهد اللحظة الحاسمة “لقلب دفة الحرب”.

ويأتي ذلك بعد حديث لنائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، في مقابلة مع الجزيرة، بأن الحرب النووية تمثل “نهاية البشرية ولا يمكن السماح بها”، مشيرًا في الوقت نفسه إلى حالات كان ممكنًا بالفعل استخدام هذا السلاح فيها، لذلك -برأيه- لا ينبغي الحديث عن استحالة مثل هذا السيناريو.

حرب نفسية

يرفض الخبير العسكري العقيد في الاحتياط فيكتور ليتوفكين الربط بين ارتفاع منسوب العمليات والتقدم الميداني الأخير للقوات الروسية وبين الحراك السياسي والتصريحات التهديدية لـ”الصقور” في حلف الناتو.

ويرى ليتوفكين أن تصاعد اللهجة الأطلسية، لا سيما من جانب جونسون، يبقى حتى اللحظة في إطار الحرب النفسية والدعائية، ومحاولة التغطية على ما وصفه بفشل الحلف في تغيير مسار العمليات العسكرية لمصلحة الجانب الأوكراني، متابعا أن كل الأسلحة التي أرسلت إلى كييف حتى اللحظة لم تؤثر، ولو بشكل طفيف، في الميزان العسكري.

لكنه لا ينفي وجود تحوّل في خطاب قادة الناتو قياسًا مع المرحلة الأولى من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ففي حين كانوا يؤكدون في البداية أنهم لا يعدّون أنفسهم طرفًا في الصراع هناك وأنهم لا يبحثون عن حرب مع روسيا، فإنهم في الوقت نفسه زادوا من إرسال الجنود المتعاقدين من الشركات العسكرية الخاصة إلى مناطق القتال.

NATO Secretary General Jens Stoltenberg
الناتو صعّد لهجته أخيرا حيال روسيا بخاصة بعد تلويح موسكو بنشر صواريخ نووية على حدوده الشرقية (الأناضول)

وعلى خلفية الوضع الحالي، لا يستبعد الخبير الروسي خطر حدوث صدام مباشر بين الناتو وروسيا، رغم أن احتمال حدوث تطور كهذا -برأيه- يبقى حتى اللحظة في الإطار النظري.

ويؤسس ليتوفكين رؤيته على التصريحات الواردة تباعًا من واشنطن، والتي يرى فيها توجهًا داخل البيت الأبيض لإطلاق العنان للصراع بين روسيا وحلف الناتو.

ويضيف الخبير العسكري أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يمكن أن تتماشى مع ذلك، لأن “قراءة واشنطن لم تشمل نجاحات الجيش الروسي في أوكرانيا، والحالة المؤسفة للقوات المسلحة الأوكرانية”، وذلك ما قد يدفعها إلى “توريط” القوات البولندية في مستنقع الحرب، عبر قيامها بغزو محتمل لمناطق غرب أوكرانيا.

هواجس أميركية

ومما عزز من الهواجس الأميركية حيال التحركات الروسية ما انتهت إليه محادثات بوتين والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في سانت بطرسبورغ بقرار نقل روسيا أنظمة صواريخ “إسكندر إم” (قادرة على حمل رؤوس نووية) إلى بيلاروسيا.

وتجدر الإشارة إلى أن بيلاروسيا تخلّت عن أسلحتها النووية في عام 1992، وفي ذلك الوقت انضمت مينسك إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في وضع غير نووي. وبحلول عام 1994 تلقت ضمانات أمنية من روسيا وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة في مقابل رفض هذا النوع من الأسلحة النووية.

اقرأ ايضاً
موقع روسي: الولايات المتحدة تُشرك دول الشرق في "حرب النجوم"

وبدأت الولايات المتحدة بالقلق قبل ذلك، عندما أجرت بيلاروسيا تعديلات في دستورها، تسمح بظهور القوات النووية الروسية على أراضي الجمهورية، وذلك بعد استثناء البند الخاص بالسعي إلى الحياد ومنطقة خالية من الأسلحة النووية.

فضلا عن ذلك، أشارت مينسك مرات عدة، وقبل الأزمة الأوكرانية، إلى استعدادها لإعادة الأسلحة النووية إلى الجمهورية. ويقيّم الخبراء احتمالات مثل هذا السيناريو بأشكال مختلفة، أبرزها رد فعل جدّي من الغرب في حال ظهور صواريخ نووية روسية في بيلاروسيا.

ويبقى احتمال أن يتجاوز التصعيد العسكري الروسي في أوكرانيا إطاره الحالي ليتحول إلى مواجهة مباشرة مع حلف الناتو قائمًا، نظرًا إلى ما يعدّه خبراء روس محاولة لمواجهة الفشل القاطع للمساعدات الأميركية، حتى مع ضخّ أسلحة جديدة ونوعية لإنقاذ القوات الأوكرانية من الهلاك، حسب تعبيرهم.

ويرى هؤلاء أن إدارة بايدن يائسة تجاه تغيير الأوضاع لمصلحتها، وتبحث عن طريقة لحفظ ماء الوجه، في حين يبدو أن المخرج قد يأتي عبر البوابة البولندية.

“البيدق” البولندي

في هذا السياق، يستند رئيس المركز الدولي للتحليل السياسي والتنبؤ دينيس كركودينوف إلى معلومات وردت من وارسو، وغير مؤكدة رسميًّا بعد، تفيد بأن هيئة الأركان العامة البولندية تعكف على وضع خطة للتدخل في الصراع، والاستيلاء على غرب أوكرانيا.

U.S. President Biden visits Poland
بايدن زار بولندا عقب حرب روسيا مع أوكرانيا وأكد دعمه لها (رويترز)

ويؤكد أن كييف، الواقعة سياسيًا -حسب رأيه-  تحت السيطرة الأميركية، ستعطي الضوء الأخضر لهذا من دون تحفظ.

وبرأيه، فإن من غير المستبعد أن تستخدم الولايات المتحدة حوادث اشتباك محتملة بين القوات البولندية والروسية لمصالحها الخاصة، وذلك سيكون، من بين أمور أخرى، سببًا لعقد مجلس الناتو ومناقشة تطبيق المادة الخامسة الخاصة بالدفاع الجماعي.

استعدادات

ويعزز كركودينوف هذه النظرية بما قاله في نهاية أبريل/نيسان الماضي رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسية، سيرغي ناريشكين، وحديثه عن خطط الولايات المتحدة وبولندا، تمهيدًا لسيطرة وارسو على المناطق الغربية من أوكرانيا.

ويتابع أنه رغم نفي السلطات البولندية في البداية لهذه التصريحات، فإن الرئيس البولندي أندريه دودا، وبعد مدة وجيزة، أعرب عن أمله في عدم وجود مزيد من الحدود بين بلاده وأوكرانيا، وبأن يتمكن الشعبان من العيش على هذه الأرض معًا.

بناء على ذلك، لا يستبعد كركودينوف أن تسارع موسكو في تقدمها العسكري داخل مناطق جديدة في أوكرانيا، لـ”سحب البساط” من تحت المخطط الأميركي-البولندي، وإفشاله في مهده.

ويرى كركودينوف في اتفاق بوتين ولوكاشينكو (العاجل) بإرسال قاذفات صواريخ “إسكندر إم” القادرة على حمل شحنات نووية، وتحديث مقاتلات “Su-35” البيلاروسية في مصانع الطائرات الروسية خطوة في سياق الردع، وكذلك لمواجهة محاولات الاستفزاز المتمثلة بالرحلات الجوية التدريبية لطائرات الناتو برؤوس حربية نووية فوق بيلاروسيا.

وختم بأن حديث الرئيس البيلاروسي عن أن الاتحاد السوفياتي “هدأ” في عام 1941 بتأكيدات عدم اعتداء القوات الألمانية، وأنه لا ينبغي السماح بتكرار هذا الخطأ و”يجب الدفاع عن وطننا من بريست إلى فلاديفوستوك” هو أكبر دلالة على قناعة موسكو ومينسك بوجود خطر محدق.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى