الاخبار العاجلةسياسة

جدل بشأن تشكيل مجلس أمناء “الحوار الوطني” بمصر.. وموعد انطلاقه يكتنفه الغموض

القاهرة- أثار إعلان إدارة “الحوار الوطني” في مصر تشكيل الأمانة العامة للحوار (مجلس الأمناء) جدلا واسعا بين الترحيب والاعتراض والتساؤل، وسط غموض يكتنف موعد انطلاق الحوار، في ظل توقعات باحتمال تأجيله إلى ما بعد عيد الأضحى.

والأحد الماضي، أعلنت إدارة الحوار الوطني -الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في رمضان الماضي- تشكيل مجلس الأمناء الذي يضم 19 عضوا، “بناء على تشاور المنسق العام ضياء رشوان مع القوى السياسية والنقابية والأطراف المشاركة”، ومن المزمع أن تُعقد أولى جلساته في الأول من يوليو/تموز المقبل.

هذا التشكيل جاء على غير رغبة الحركة المدنية الديمقراطية (أكبر كيان معارض داخل مصر)؛ فقد سبق أن حددت -في بيان أصدرته في السابع من مايو/أيار الماضي- 7 ضوابط للحوار، ومنها تشكيل أمانة فنية مسؤولة عن الإعداد للحوار وإدارته وصياغة مخرجاته، وتكون تلك الأمانة من 10 من كبار الخبراء الوطنيين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والتجرد، ويتم تسميتهم مناصفة من قِبل طرفي الحوار (السلطة والمعارضة).

ورغم غياب وجوه المعارضة الحزبية البارزة عن التشكيل، وتجاهل مقترح “الحركة المدنية”، فإن مراقبين يرون أن هناك بعض الأسماء المحسوبة على المعارضة أو على الأقل من غير المحسوبين على السلطة، وهم المفكر السياسي سمير مرقص، وعضو مجلس الأمناء بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي عبد العظيم حماد، وعضو مجلس النواب أحمد الشرقاوي، ووزير التضامن الاجتماعي الأسبق وعضو المكتب السياسي بحزب التجمع جودة عبد الخالق، ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية عمرو هاشم ربيع، والحقوقي نجاد البرعي، وعضو مجلس أمناء حزب الكرامة كمال زايد.

مخيب للآمال

من جهته، قال رئيس حزب الدستور المصري علاء الخيام إن “تشكيل الأمانة العامة للحوار جاء مخيبا للآمال بالنسبة لنا، خاصة أن السلطة لم تلتزم بتشكيلها مناصفة بين الحكومة والمعارضة، رغم أننا فهمنا أنها وافقت على هذه النقطة سابقا”.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أشار الخيام إلى أن “أحزاب الحركة المدنية أيّدت داخليا تشكيل مجلس أمناء الحوار، لكن هناك أحزابا قليلة أعربت عن خيبة أملها صراحة من هذا التشكيل، ومن بينها حزب الدستور”.

وأوضح أن أحزاب الحركة المدنية كانت تقدمت قبل أيام بتصور كامل خاص بتشكيل الأمانة العامة، وهذا التصور اقترح انضمام 15 شخصية -منهم 5 يمثلون المعارضة، و5 آخرون يمثلون النظام، و5 يتم الاتفاق عليهم بين الطرفين- لكن السلطة تجاهلت هذا التصور بكل أسف، وفق تعبيره.

بدوره، ثمّن المتحدث باسم حزب الكرامة عماد حمدي خطوة الإعلان عن أسماء الأمانة الفنية للحوار الوطني، قائلا إنه لا يوجد لدينا عليها اعتراض، رغم أنها لم تصل لمستوى طموحنا وليست أفضل شيء؛ فقد كنّا ننتظر أن تكون الأسماء محايدة ومُعبّرة بشكل كبير عن التنوع المطلوب.

حمدي، وهو قيادي بالحركة المدنية الديمقراطية، لفت إلى أنهم ينتظرون تسمية الأمين العام لمجلس أمناء “الحوار الوطني”، موضحا أن الحركة المدنية تقدمت سابقا بترشيح العالِم الكبير الدكتور محمد غنيم لموقع الأمين العام، لكننا لا نعلم بعد موقف السلطة منه.

لكن الخيام أكد أن “النظام رفض ترشيح الدكتور غنيم من دون أن يوضح أسبابه، رغم أنه شخصية وطنية مرموقة وتوافقية، وحتى الآن لم يخبرونا باسم مرشحهم لموقع الأمين العام”.

اعتراضات كثيرة

من جانبه، قال الأمين العام المساعد وعضو الهيئة العليا بحزب المحافظين مجدي حمدان إن لديهم اعتراضات كثيرة على تشكيل مجلس الأمناء؛ لأنه لا يُعبّر عن التمثيل العام للمجتمع المصري، وخلال الحوار حول تشكيل الأمانة الفنية تم تقديم 30 اسما للقائمين على الحوار الوطني لاختيار 10 أو 15 شخصا يمثلون المعارضة، مضيفا “لكننا فوجئنا بأن الأسماء المُقدمة لم يؤخذ منها إلا 5 أسماء فقط، ثم أتى الباقون من خارج المعارضة”.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف حمدان “المفترض أن يكون الحوار الوطني بين المعارضة والسلطة -وليس بين السلطة والموالاة- من أجل الوصول إلى حلول مُثلى لنهضة البلاد، لكننا أمام تشكيل مُستغرب، وبعض أعضاء غير مرغوب فيهم بالمرة”، حسب وصفه.

وبسؤاله عن الجهة صاحبة قرار تشكيل مجلس الأمناء، أجاب حمدان “لا نعلم على وجه التحديد؛ فقد تقدم حمدين صباحي لضياء رشوان بقائمة تضم الأسماء التي اقترحناها، وبدوره قدّم رشوان تلك الأسماء إلى الجهة التي يتعامل معها داخل الدولة، والتي لا نعلمها”.

في هذا السياق، رأى المتحدث باسم حزب الكرامة عماد حمدي أن الإجراءات العامة بشأن الحوار الوطني غير مرضية بالنسبة لهم، خاصة أنه لم يتم الإفراج عن سجناء الرأي بالقدر المأمول في ظل التباطؤ الملموس بهذا الشأن، فضلا عن غياب الضمانات الكافية التي تثبت جدية هذا الحوار.

تأجيل الحوار وخلافات أمنية

في ضوء تلك التطورات الأخيرة، نوّه رئيس حزب الدستور علاء الخيام إلى أن الحوار ربما يؤجل إلى ما بعد إجازة عيد الأضحى، خاصة في ظل ما وصفه بالتعثر الحالي، مضيفا أن أحزاب الحركة تتعامل بجدية ومسؤولية كبيرة مع دعوة الحوار الوطني، ولا زالت تنتظر أن يتعاطى النظام مع دعوته بجدية ومسؤولية مماثلة.

في حين أشار المتحدث باسم حزب الكرامة إلى أنه لا يوجد أي شيء رسمي حتى الآن بشأن تأجيل الحوار، وقال “لا نعلم إذا كان الحوار سينطلق في موعده الرسمي أم سيتم تأجيله بالفعل”.

في المقابل، سارعت الأحزاب والنقابات والشخصيات المؤيدة للنظام الحاكم بإعلان تأييد تشكيل مجلس الأمناء وجميع مجريات الحوار الوطني، التي قالوا إنها “تسير بنجاح أكثر مما هو متوقع”، معتبرين -في بيانات وتصريحات- أن هذا التشكيل يحمل آمالا كبيرة في تقارب وجهات النظر ووضع رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية مشتركة.

وأمس الاثنين، نقل موقع “مدى مصر” الإخباري عن مصدر بالمجلس القومي لحقوق الإنسان أن الأجهزة المعنية بالسياسات الأمنية لا تتوافق في الرأي حول إطلاق الحوار؛ فبعضها يرى أنها فكرة لا بأس بها، وأن الدولة لن تُجبر على القيام بما لا ترغب فيه، وأن بعض التنفيس لبعض الوقت لا يضر.

وأضاف المصدر -الذي لم يكشف الموقع عن هويته- أن آخرين يرون أن فتح باب السياسة الذي كان قد أغلق في توقيت بالغ الحرج من حيث الوضع الاقتصادي ومن حيث الدعم الإقليمي والدولي المحدود لا يمكن أن يعد فكرة جيدة.

جدل العفو الرئاسي

في سياق متصل، يتواصل الجدل حول شمول قوائم العفو الرئاسي عن المعتقلين المنتمين لجماعة الإخوان، خاصة في أعقاب التصريحات الأخيرة التي قالها عضو لجنة العفو الرئاسي طارق العوضي لقناة “الجزيرة مباشر”، الأحد الماضب؛ بأنه “لا يوجد أي مانع لدى اللجنة من دراسة وبحث أسماء سجناء الإخوان أو المحسوبين عليهم؛ للإفراج عنهم شرط ألا يكونوا قد تورطوا في العنف”.

الخيام من جانبه يرى أن “ملف المعتقلين لم يشهد حلحلة ملموسة، بل محدودة فقط، ولجنة العفو لم تقم بأي دور يُذكر مع احترامنا لكل مَن يقوم بأي جهود في هذا الصدد، إلا أن جميع مَن أُفرج عنهم حتى الآن نحو 100 سجين، في حين هم وعدوا بالإفراج عن أكثر من 1000 معتقل”، مؤكدا أن “هدفنا الرئيسي يتمثل في الإصلاح السياسي الشامل وإخلاء سبيل المعتقلين”.

كما كشف مجدي حمدان عن أن الوزير السابق كمال أبو عيطة تقدم للجنة العفو بقائمة تضم 1400 اسم تقريبا، من أجل إطلاق سراحهم ضمن قرار العفو الرئاسي المرتقب بمناسبة ذكرى 30 يونيو/حزيران الجاري.

لكن حمدان أوضح أن هذه القائمة المحتملة تضم المنتمين للقوى المدنية فقط، بالإضافة إلى أسماء أخرى كثيرة ممن لم تمارس السياسة وتم سجنها في ظروف مختلفة، مضيفا أن هناك دراسة لملفات بعض المحبوسين المنتمين لتيار الإسلام السياسي، ولجنة العفو الرئاسية ما زالت أمامها بعض أسماء هؤلاء الذين “لم تلوث أيديهم بالدماء”.

يُذكر أن ضياء رشوان قال -في تصريحات متلفزة- إنه لا يوجد مكان في الحوار الوطني لكل مَن قال إنهم تورطوا أو حرضوا أو شاركوا في “إراقة الدماء”، ولكل مَن وُصف قانونا بأنه “جماعة إرهابية”، وهو ما عدّه البعض كلاما ينسحب أيضا على قوائم العفو الرئاسي.

احتمالية المقاطعة

وحول الموقف النهائي للحركة المدنية من المشاركة في الحوار الوطني، قال عماد حمدي “إذا لم تتحقق الضوابط والمحددات التي تقدمنا بها سابقا فنحن بالتأكيد لن نشارك في هذا الحوار، وبالتالي فنحن في انتظار الإعلان عن جدول الأعمال والمحاور المتعلقة بالحوار، كي تتضح الأسس والمعايير التي سنتناقش عليها”.

في حين قال علاء الخيام “لا زلنا متمسكين بالبيان الذي أصدرناه في السابع من مايو/أيار الماضي، وبالتأكيد لن نتراجع عما جاء فيه”، منوها إلى أن “السلطة استجابت لجزء بسيط مما طالبنا به، لكن تلك الاستجابة لا تتناسب مطلقا مع الوقت الذي مضي، ويمكننا القول إن استجابتها تصل لنحو 20% فقط من مطالبنا”.

ورأى أن “الحوار الوطني” مجرد كلمة غير واضحة المعالم حتى الآن، وجميع التفاصيل والإجراءات والصلاحيات مبهمة، ولا توجد أي معايير واضحة بخصوص اختيار الأشخاص، مضيفا أنه “إذا كانت الأمور تجري هكذا بخصوص مجلس الأمناء فما بالنا بالمشاركين أنفسهم. للأسف هناك غياب للشفافية والوضوح في الأمر برمته”، وفق اعتقاده.

وقال مصدر داخل الحركة المدنية “قبلنا شخص ضياء رشوان منسقا عاما للحوار رغم عدم وجود إجماع عليه داخل الحركة، لكننا أعلنا رفضنا واعتراضنا على المستشار محمود فوزي الذي تم تعيينه رئيسا للأمانة الفنية للحوار الوطني، وفي حال تم تعيين الأمين العام على غير رغبتنا أيضا فبالتأكيد سيكون هذا مُحبطا للغاية لنا، وقد يضطرنا لمقاطعة جلسات الحوار، وهو ما لا نأمله، لكنه ربما يكون القشة التي ستقصم ظهر البعير”.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال المصدر (طلب عدم الإفصاح عن هويته) إن “هناك خلافات داخل الحركة المدنية بشأن الموقف من الحوار الوطني ومجرياته، بل إن هناك خلافات داخل الحزب الواحد”، مُعبّرا عن خشيته من تحوّل الحركة المدنية من “حركة معارضة إلى مجرد حركة إصلاحية، خاصة في ظل تراجع سقف مطالب الكثيرين، وقبول البعض إجراءات السلطة، حتى وإن كانت على غير رغبتهم”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى