الحكومة التركية تتجه لرفع أجور العمال.. فماذا عن إجراءات دعم الليرة ومواجهة التضخم؟
إسطنبول- أعلنت الحكومة التركية خلال الآونة الأخيرة سلسلة من التدابير لدعم الليرة ومستوى معيشة المواطنين وخفض معدلات التضخم التي بلغت أعلى مستوى منذ 24 عاما في مايو/أيار الماضي، بوصولها إلى 73.5% على أساس سنوي، وفق بيانات هيئة الإحصاء التركية.
وخلال الأيام الماضية، ظهرت تصريحات رسمية من الحكومة التركية ومسؤولين من حزب العدالة والتنمية الحاكم، تتعلق بقرار حكومي يقضي برفع الأجور والمرتبات للعاملين في القطاع العام والخاص.
توجه لزيادة الأجور بتركيا
وقد أعلن مؤخرا وزير الخزانة والمالية التركي نور الدين نباتي عن نية الحكومة الإعلان عن زيادة مرتبات الموظفين الحكوميين والمتقاعدين بنسبة 40% اعتبارا من يوليو/تموز المقبل.
وسبق ذلك تصريح، لنعمان قورتولموش، نائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، تحدث فيه عن زيادة مرتقبة بنسبة 40% على مرتبات العاملين في القطاع العام والمتقاعدين، بالإضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور بنفس النسبة.
وأول أمس الاثنين أكد الرئيس رجب طيب أردوغان أنه سيعلن عن رفع الأجور والمرتبات فور عودته من العاصمة الإسبانية مدريد التي يزورها بغية المشاركة في قمة زعماء دول حلف شمال الأطلسي (ناتو).
أما البنك المركزي التركي المكلف بتحقيق استقرار الأسعار، فقد أكد مرارا -عبر بيانات رسمية- أن السبب الرئيسي للتضخم الحاصل في البلاد هو ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية أمام الليرة التركية.
إجراءات للحد من تراجع الليرة التركية
وبهدف الحد من تراجع قيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية الرئيسية وخاصة الدولار واليورو، أعلنت السلطات مجموعة من القرارات، وهي:
- كشفت وزارة الخزانة والمالية التركية مؤخرا عن نظام “وديعة الليرة التركية المحمية من تقلبات أسعار الصرف”، وهي آلية مالية تضمن للمودع بالليرة عدم وقوعه ضحية لتقلبات أسعار الصرف، والحصول على الفائدة المعلنة، يضاف إليها الفرق في سعر الدولار بين وقتي الإيداع والسحب.
- الوزارة التركية أتبعت ذلك بإجراء جديد يتعلق بإصدار سندات حكومية لدعم مدخرات الليرة والحدّ من التضخم وتعزيز قيمة العملة المحلية.
- أما الخطوة الثالثة التي أقدمت عليها الحكومة التركية خلال آخر 3 أشهر، فتمثلت في قرار “هيئة الرقابة وتنظيم عمل المصارف” (BDDK) القاضي بالحد من عملية منح القروض للشركات التي تملك أصولا بالليرة التركية تتجاوز قيمتها 15 مليون ليرة تركية (نحو 900 ألف دولار)، بهدف دفعها لبيع النقد الأجنبي الذي تملكه، واقتصار إعطاء القروض للشركات التي تملك أصولا قيمتها أقل من 15 مليون ليرة تركية.
نتائج إيجابية
وأسفرت التدابير التي اتخذتها تركيا خلال الأشهر القليلة الماضية، عن نتائج إيجابية وفق معطيات وزارة الخزانة والمالية، حيث أعلن الوزير نور الدين نباتي في 15 يونيو/حزيران الجاري أن الميزانية العامة حققت في مايو/أيار الماضي فائضا بلغ 143.9 مليار ليرة (نحو 8.41 مليارات دولار).
وأوضح أن فائض الميزانية العامة من يناير/كانون الثاني حتى مايو/أيار الماضيين -باستثناء مدفوعات الفوائد- بلغ 246.5 مليار ليرة (نحو 14.5 مليار دولار)، وأن نفقات الميزانية بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار الماضيين بلغت 959.8 مليار ليرة (نحو 56.4 مليار دولار)، في حين بلغت الإيرادات تريليونا و84.4 مليار ليرة (نحو 62.8 مليار دولار).
وأشار الوزير التركي إلى أن إيرادات الميزانية العامة في مايو/أيار الماضي ارتفعت 203.9%، محققة 317 مليارا و753 مليون ليرة (نحو 18.64 مليار دولار) مقارنة بالفترة نفسها من 2021.
ماذا عن آثار رفع الأجور والمرتبات؟
يقول الخبير في شؤون الاقتصاد التركي يلماز أوزتورك للجزيرة نت، إن “هناك خطوات يتم اتخاذها لخفض التضخم على المدى المتوسط، وإن الأولوية في الوقت الحالي هي دعم القوة الشرائية وعدم سحق المواطنين تحت التضخم”.
ويضيف “لكن من الناحية الاقتصادية، فإن لرفع المرتبات والأجور نتائج إيجابية وأخرى سلبية، فالزيادة تنعكس إيجابا على الإنفاق الاستهلاكي (تحسن الدخل وزيادة الرفاهية) وبالتالي تنعكس هذه الزيادة على معدلات النمو الاقتصادي”.
ويتابع أوزتورك “بما أن أغلب الشرائح المستفيدة من الزيادة في المرتبات هي لمحدودي ومتوسطي الدخل، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة الاستهلاك والنمو اقتصاديا، وبالتالي فإن زيادة المرتبات سينعكس على زيادة الحركة التجارية والصناعية والخدمية في البلاد”.
أما الجانب السلبي لهذه الخطوة وفق أوزتورك، فيكمن في أن زيادة المرتبات تعني زيادة السيولة في الأسواق، وزيادة العرض النقدي، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم نتيجة الوفرة النقدية في مقابل تراجع أو محدودية الإنتاج في ظل ارتفاع تكلفة الواردات من مواد الطاقة والمواد الخام بسبب تراجع قيمة الليرة التركية وأزمة سلاسل الإمداد العالمي.
ووفق أوزتورك فإن ارتفاع أسعار الطاقة عالميا نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، بالإضافة إلى منع روسيا صادرات النفط والغاز والأسمدة والقمح والحبوب من منطقة البحر الأسود ردا على العقوبات الغربية، سيقلل العرض في مقابل زيادة الطلب على المنتجات، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج لتنعكس على المستهلك في النهاية.
وختم تصريحه بالقول “لا ننسى أيضا أن زيادة المرتبات والأجور تؤثر سلبا على مالية الدولة بزيادة التزاماتها واضطرارها لرفع الميزانية أو الاستدانة أو السحب من الاحتياطيات”.
ضرورة ضبط الأسعار في الأسواق
ويقول الكاتب والمحلل الاقتصادي شرف أوغوز، إن رفع أجور العمال والموظفين لن يسهم في الحد من التضخم، مبينا أن تركيا ملتزمة بقواعد السوق الحر الذي يخول لكبار التجار التلاعب بالأسعار وتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح.
ويضيف أوغوز في مقابلة مع قناة “بلومبيرغ” التركية، أن على الحكومة بذل المزيد من الجهود لضبط أسعار السلع في الأسواق وفرض عقوبات مشددة على سلاسل المتاجر الكبيرة التي تقوم برفع أسعار السلع وخاصة الغذائية منها بشكل لا يتناسب مع ارتفاع أسعار الطاقة الحاصلة في البلاد.
كما لفت إلى أن من أهم الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسب التضخم في البلاد، احتكار بعض التجار الكبار للسلع في مخازنهم وعدم طرحها في الأسواق، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الطلب وبالتالي ارتفاع الأسعار.
وتوقع أوغوز أن يستمر التضخم المرتفع في البلاد حتى مطلع العام المقبل، مشيرا في هذا السياق إلى عدم وجود معطيات تشير إلى احتمال تراجع أسعار الطاقة في العالم.
يذكر أن الاقتصاد التركي حقق خلال الربع الأول من العام الجاري 2022، نموا بنسبة 7.3%، وفق معطيات نشرتها هيئة الإحصاء التركية.
ورفعت وكالة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني توقعاتها لنمو الاقتصاد التركي خلال العام 2022 من 2.4% إلى 4.5%.