تأتي استباقا لقمة بايدن مع قادة المنطقة.. ما دلالات زيارة الكاظمي للسعودية وإيران؟
بغداد- اختتم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي زيارته إلى السعودية وإيران قبل أيام، بهدف تقريب وجهات النظر بين قيادات البلدين، في إطار مشاورات الوساطة بين الخصمين اللدودين التي جرت في العاصمة العراقية بغداد.
حملت زيارة الكاظمي في هذا التوقيت أبعادا ودلالات عديدة، لا سيما أنها تأتي استباقا لقمة الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة مع قادة دول الخليج ومصر والأردن والعراق في الرياض منتصف يوليو/تموز المقبل، مما جعل تلك الزيارة تلقى أصداء كبيرة داخل العراق وخارجه.
وساطة أم استعراض؟
ظاهرا، ارتبطت الزيارة -وفق الإعلان الرسمي- ببحث عدة ملفات من بينها العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وهو ما يؤكده بعض المراقبين، لا سيما عقب عقد 5 جولات من المباحثات بين البلدين في بغداد خففت من الاحتقان نوعا ما بينهما. لكن المراقبين يرمون أيضا إلى نجاح حكومة الكاظمي التي شارفت أيامها على النهاية بعد انسحاب التيار الصدري -بزعامة مقتدى الصدر- من المشهد السياسي في العراق ومضي الإطار التنسيقي -الذي يضم باقي القوى الشيعية البارزة- في مفاوضات تشكيل الحكومة.
وأبرز هذا السعي نجاح الكاظمي في ملف العلاقات الإقليمية وتحويل البلد من منطقة صراع إلى أرض للتفاوض والتهدئة، حسبما يرى عميد كلة العلوم السياسية خالد عبد الإله، الذي يبين أن الزيارة جاءت لاستكمال مشوار الوساطة التي لعبتها بغداد بين البلدين، وأيضا طرح إنجازات حكومة الكاظمي في هذا الملف، وسعيها لإبعاد تصفية الحسابات عن الأرض العراقية وما دفعه العراق من أثمان لهذه التصفيات.
ولم يستبعد عبد الإله حضور الملفات السياسية والأمنية الداخلية في العراق في الزيارة، رغم أن المشهد السياسي وتعقيده لا يسمح بطرح حلول تقضي بولاية ثانية للكاظمي بناء على توصية من خارج الحدود.
ويتفق مع هذا الرأي المحلل السياسي علي البيدر، بالتأكيد أن اعتراض قوى الإطار التنسيقي على تجديد ولاية الكاظمي لا يمكن أن يتغير حتى بتوصية إيران الحليفة لهم، منبها إلى أن الكاظمي نفسه لن يقبل بشروط قاسية يضعها الإطار، في حال فلحت التوصية الإيرانية بتمريره، وهذه الشروط ستجعل منه رئيس وزراء شكليا بالإنابة.
تطمينات للمخاوف
من جهته، يقول المحلل السياسي علي البيدر إن الهدف الرئيسي من زيارة الكاظمي لطهران هو إيصال رسائل الطمأنة لها وإبلاغها قبل انعقاد قمة الرياض أن العراق وحكومته الحالية بعيدون عن أي مشاريع يخطط لها في المنطقة برعاية الولايات المتحدة إزاءها، مشيرا إلى أن الكاظمي “سعى لإبلاغ إيران أن العراق بعيد بسياسته الحالية عن سياسة المحاور وابتعاده عن أي مسعى مستقبلي تقوده الولايات المتحدة لخلق تحالف مواجه لإيران”، موضحا أن مشاركة العراق في القمة تتطلب من الكاظمي الإسراع لطمأنة اللاعب الإقليمي الأقوى في الداخل العراقي بشأن عدم الإسهام والإضرار -بأي شكل من الأشكال وسط أي ضغوط- بالجارة الأقرب إيران.
كما أوضح البيدر أن الزيارة لا يمكن أن تخلو من طلب لعب طهران دورا إيجابيا في الشأن الداخلي وأن تتدخل للتأثير في معالجة الوضع السياسي الحالي المتأزم.
الماء والكهرباء
وفي حين تشير أغلب التحليلات السياسية إلى أن زيارة الكاظمي لطهران والرياض جاءت بغرض إكمال مسعى الوساطة بينهما وإيصال رسائل الطمأنة، إلا أن الحكومة العراقية بينت أن الزيارة لم تخل من طرح ملفات خدمية مهمة كالماء والكهرباء والاستثمار، إذ تحدث الكاظمي عن ذلك في جلسة مجلس الوزراء -أمس الثلاثاء- وفق بيان صادر عن مكتبه الإعلامي.
وقال الكاظمي إن “الزيارة للسعودية كانت جيدة جدا ناقشنا فيها القضايا المشتركة والاستثمارات السعودية في العراق وآفاق المستقبل، وتحدثنا عن الربط الكهربائي والكثير من المشاريع التي يستفيد منها العراقيون، وأهمية أن تكون المنطقة مستقرة وهادئة وأن يؤدي العراق دوره في ترطيب الأجواء من أجل مصلحة العراق والمنطقة”. أما عن زيارة طهران، فقد بين الكاظمي أنها شملت الحديث عن أزمة قطع الأنهار الداخلة وإيجاد الحلول بشأنها، موضحا أنه “في زيارتنا إلى طهران، تكلمنا في النقاط نفسها، وفي الملفات المشتركة وكذلك العمل على موضوع الطاقة والمياه، وأبدى القادة في إيران استعدادهم لإرسال وزير الطاقة إلى بغداد للحديث في ما يخص موضوع المياه والطاقة الكهربائية وحل جميع الإشكاليات”.
من جانبه، يبين الخبير المالي صفوان قصي أن “العراق يسعى إلى أن يبقى في منطقة التوازن بالعلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة”، مشيرا إلى أن “إيران تمثل بعدا اقتصاديا، خاصة في ملف الطاقة باعتبار أن العراق بحاجة مستمرة إلى الكهرباء والغاز”.
ولفت قصي إلى أن “عملية إعادة ترتيب أوراق استيراد الطاقة وآلية تسديد المستحقات لإيران حضرت بكل تأكيد ضمن محاور الزيارة”، وأكد أن عقبة الطاقة تقف أمام التكامل الاقتصادي، وكذلك وجود خريطة للتكامل الزراعي وهو ما طرح في طهران.
وأكد أن ذلك “سيسهم في عملية استقرار الأسعار على المستوى العراقي كون وجود خارطة زراعية عراقية بعيدة عن الإنتاج داخل إيران سيسهم في إرباك المزارعين، وبالتالي فإن عملية وجود تكامل بين العراق والمنطقة سيسهم في تحقيق الأمن والاستقرار للعراق على المدى البعيد”.
وأضاف أنه “من الممكن أن يكون العراق معبر الإنتاج من قارة أفريقيا باتجاه الصين من خلال إيران، مما سيرفع من قدرة العراق الاقتصادية على التنويع، بالإضافة إلى ميناء الفاو وإمكانية تشغيل إيران من هذا الميناء أيضا من القضايا المهمة على المدى البعيد، لا سيما أن عملية تشغيله ستسهم في التبادل التجاري بين قارة آسيا والاتحاد الأوربي وقارة أفريقيا”.
ولفت الخبير المالي إلى أن “مؤتمر بغداد، أظهر بوضوح محاولة العراق أن يكون ضمن منطقة التوازن وإعادة ترتيبه الأوراق والعلاقات بين الدول على أساس المصالح”.
قمة اقتصادية
أبعاد زيارة الكاظمي قبل قمة الرياض وما حملته من تكهنات كثيرة بشأن مخاوف طهران منها ومحاولة العراق لبث التطمينات لأقرب دول الجوار قبل المشاركة، تطلبت طرح توضيحات للقمة المرتقبة نفسها.
وفي هذا الإطار، أكد مظهر محمد صالح -المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي- أهمية مؤتمر الرياض الذي سيحضره رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مع عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالمؤتمر.
وقال صالح إن “الموقف السياسي ليست لنا علاقة به، فنحن نتحدث عن مؤتمر مهم قد يرسم خارطة جديدة للدول المصدرة للنفط، فستشارك بالمؤتمر الدول التي تمتلك نصف الصادرات العالمية للنفط، كما تمتلك هذه الدول -ومن ضمنها العراق- ثلثي الاحتياطي النفطي العالمي”.
وأضاف “علينا أن نحضر لمعرفة ماذا سيسفر عنه -على الأقل في ما يهمنا، مصلحة العراق- ويجب علينا أن نخرج رابحين منتصرين من المؤتمر”. وبيّن صالح أن “العراق يعيش على النفط في الوقت الحاضر بكل تنميته وإيراداته، فالنفط الروسي ينافس النفط العراقي في آسيا”، لافتا إلى أن “السوق النفطي في اضطراب، وعلينا أن نكون شركاء أقوياء بهذا الأمر، لكون اقتصادنا يعتمد على النفط”.