أزمة الطاقة في تركيا.. الأسوأ لم يأت بعد
يمرّ العالم بتقلبات اقتصادية تاريخية، انطلاقًا من جائحة كورونا وما أعقبها، وأدّت أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار والتضخم نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا إلى خروج الاقتصاد العالمي حرفيا عن مساره، في جميع أنحاء العالم.
وقال الكاتب ليفينت إيشيك، في مقال نشرته صحيفة “استقلال” التركية، إن العالم سيواجه هذا الشتاء نقصًا في الطاقة سيفاقم أزمة التضخم بشكل أكبر. وحسب ما صرح به رئيس منظمة التجارة الدولية شكيب أفداجيتش، فإن أسعار الغاز الطبيعي، التي بلغت 1300 دولار، قد ترتفع إلى 3 آلاف دولار، ويبدو أن الأسوأ لم يأت بعد.
فهل سنجد الوقود والغاز؟ هل سنتمكن من دفع ثمنهما؟ هذه التساؤلات ستسمح لنا بفهم أفضل لمدى سوء السيناريوهات التي تنتظرنا في المستقبل.
وأشار الكاتب إلى أن تغطية فواتير الطاقة مسألة خطيرة لاحتياطي النقد الأجنبي التركي، بخاصة في ظل “أزمة العملة” التي حدثت في ديسمبر/كانون الأول الماضي حين بدأت شركة أنابيب النفط والغاز الطبيعي التركية شراء العملة الأجنبية من السوق الحرة، واقترضت 929 مليون دولار من بنك “دويتشه” لشراء الغاز الطبيعي المسال من الخارج.
في ذلك الوقت، بدأ البنك المركزي التركي ضخ من 3 إلى 4 مليارات دولار شهريا في السوق حتى تبقى أسعار الصرف تحت السيطرة. تجاوزت تركيا أزمة الشتاء، وتبشّر الأخبار بمسار مختلف تمامًا، إذ ستُستخدم القروض لشراء الغاز الطبيعي المسال من الموردين في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وسنغافورة والمملكة المتحدة، وتم توضيح الغرض من التمويل على أنه تقليل لاعتماد تركيا على الغاز الطبيعي الروسي.
وأكد الكاتب أن البلاد ستواجه مزيجًا من الأزمات التي سيشعر الناس بأنها أكثر خطورة بعد سبتمبر/أيلول. وتتداول بعض منشورات وسائل التواصل الاجتماعي مزاعم بأن احتياطيات الذهب ستُستخدم وأنه يمكن الاسترخاء قليلًا بهذه الطريقة، لكن ليس من الحكمة اتخاذ هذه الخطوة في وقت يجمع فيه العالم كله الذهب في مواجهة احتمال حدوث كساد اقتصادي كبير. وحتى لو استخدمت تركيا احتياطي الذهب، الذي يبلغ نحو 688 ألف طن، فلن يكون كافيا لتوفير 38 مليار دولار لسد احتياجات البلاد.
وبينما تحطم الصادرات رقمًا قياسيًّا، فإن الواردات وصلت إلى أرقام قياسية تسببت في زيادة العجز التجاري، كما أن 80% من الواردات تتعلق بالمواد الخام والسلع الوسيطة، وهذا يعني أنه من المستحيل أن تستمر الصادرات بمجرد توقف الواردات، وهناك حاجة إلى احتياطي عملات أجنبية ضخم لاستمرار الواردات.
وأضاف الكاتب أن تساوي سعر صرف اليورو والدولار يجعل الأمور صعبة أكثر من أي وقت مضى، لأن صادرات تركيا باليورو في حين أن الواردات بالدولار الأميركي، وهذا يعني أن عملة الصادرات تفقد قوتها أمام الدولار (عملة الواردات)، والتضخم وأزمة العملة وأزمة الطاقة كلها عوامل تخلق ضغطًا على اقتصادنا، وكذلك مشاكل الهجرة، وهذا ما يزيد من تفاقم الأزمة بشكل عام.
وبالنظر إلى وضع الدولار المتأرجح، يرى الكاتب أن تحول سياسات الدول هو الخيار الصحيح، لأنه لا يوجد مثال واحد في التاريخ على أن عملة احتياطي عالمية تغيرت من دون حرب. ومن المستحيل حاليا معرفة مفهوم الحرب، لكن ما نعرفه هو أن الحرب تغير كل شيء وتعيد توزيع الأوراق، وعندما ينهار الوضع الراهن تظهر فرص مذهلة.
ويُرجّح الكاتب أننا وصلنا إلى نهاية النظام العالمي الذي عزز مكانة الدولار والولايات المتحدة طوال عقود. وفي الوقت الحالي، من الممكن الإشارة إلى شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول بوصفهما التاريخ الذي سنتمكن فيه من قراءة مسار الاقتصاد العالمي قراءة أوضح. وإذا أصبح الركود رسميا واندلعت أزمات خطيرة في أسواق الأسهم الضخمة في الغرب -كما هو الحال في كل كساد كبير- فهذا يعني أننا دخلنا مرحلة الركود التضخمي؛ حينئذ تنفذ الدول سياسات توسعية لوضع حد للركود التضخمي ويتحول العالم كله إلى جنة السيولة، وهذه المرة سيبدأ عصر إنهاء هيمنة الدولار.