الاخبار العاجلةسياسة

تأنيث منصب الرئاسة للمرة الثانية في تاريخ الهند

يحكى أن رئيسة الوزراء الهندية السابقة أنديرا غاندي عوتبت يوما بشأن تولي مسلم منصب رئيس الهند، فكان ردها أن دور الرئيس لا يتعدى تقديم العصير للدبلوماسيين خلال الاحتفال بالعيد الوطني.

ودور رئيس الهند بروتوكولي عموما، حيث يتولى رئيس الوزراء وحكومته السلطات التنفيذية. لذلك فإن إجابة أنديرا غاندي تفسّر انتخاب 3 مسلمين للمنصب، ومثلهم من طائفة السيخ، خلال تاريخ الهند منذ استقلالها عن بريطانيا قبل 75 عاما، حيث تضمّ القائمة 15 رئيسا آخرهم دروبادي مورمو، أول رئيسة للبلاد من أصول قبلية، إذ تنتمي إلى قبيلة سنتال الهندية.

قبيلة سنتال أو سنثال هي مجموعة عرقية من السكان الأصليين للهند وبنغلاديش، وهي أكبر قبيلة في ولاية جهارخاند الهندية من حيث التعداد السكاني، ويوجد بعض أفرادها في ولايات آسام، وبهار وأوديشا، والبنغال الغربية، وهم يشكلون أكبر أقلية عرقية في إقليم راجشاهي في شمال بنغلاديش، لذلك خرج الآلاف في بنغلاديش للترحيب بفوزها.

ومورمو هي ثاني امرأة تتولى رئاسة البلاد بعد براتيبا باتيل التي شغلت هذا المنصب مدة 5 سنوات اعتبارا من 2007، وتخلف مورمو في هذا المنصب رام ناث كوفيند ثاني رئيس ينتمي إلى جماعة داليت أو طبقة “المنبوذين” الأدنى في النظام الطبقي الهندوسي.

حصلت مورمو على 64% من أصوات نواب البرلمان الهندي، وأعضاء مجالس الولايات الهندية الأسبوع الماضي، بعد أن رشحها حزب بهاراتيا جاناتا القومي الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

هذا الترشيح جعل فوزها متوقعا نظرا إلى الثقل الذي يتمتع به الحزب الحاكم الذي يهيمن على السياسة الفدرالية وسياسة الولايات، وحلفاؤه في البرلمان وفي مجالس الولايات التي تنتخب رئيس البلاد.

وبينما رحّب مودي بفوز مورمو معتبرا أن توليها الرئاسة “سيكون محطة حاسمة في الهند، ولا سيما للفقراء المهمشين والمضطهدين”؛ يذهب المحللون إلى أن هذا الفوز يمنح مودي فرصة توسيع قاعدته في الأوساط القبلية، تحضيرا لاحتمال إعادة انتخابه في 2024، خصوصا أن تلك الأوساط تضم أكثر من 8% من عدد سكان الهند البالغ 1.4 مليار نسمة.

h 57824406
مودي ينتظر تحقيق مكسب سياسي في الانتخابات المقبلة بعد فوز مرشحة حزبه دروبادي مورمو برئاسة البلاد (الأوروبية)

للفقراء أن يحلموا 

ولدت دروبادي مورمو (64 عاما) في إقليم مايورباند بولاية أوديشا غرب البلاد، وبدأت مسيرتها مدرّسة قبل أن تخوض غمار السياسة.

وعن نفسها، تقول مورمو بعدما أقسمت اليمين الدستورية “بدأت مسيرتي في بلدة قبلية صغيرة. وفي المحيط الذي ترعرعت فيه، كان الحصول على تعليم أساسي بسيط بمثابة حلم، لكن رغم وجود عقبات كثيرة، ثابرت وأصبحت أول شابة في بلدتي تدخل الجامعة”.

وتعتبر مورمو وصولها إلى رئاسة البلاد محفزا للمهمشين وآمالهم، وتقول “إنه لمصدر رضا كبير بالنسبة لي أن يجد أولئك الذين عانوا الحرمان ولم يستفيدوا من النمو والازدهارعلى مدى قرون”.

عبارات الرئيسة الجديدة التي حرصت على زيارة نصب الزعيم التاريخي المهاتما غاندي قبل أدائها اليمين الدستورية، تعكس معاناة القبيلة التي تنتمي إليها وتعدّ من أكثر المجتمعات حرمانا في الهند، وقد استغرقت 75 عاما للعثور على سيدة منها تكون رئيسة للبلاد، مما يعطي المنصب -الشرفي إلى حد كبير الذي ستشغله لمدة 5 سنوات- زخما جديدا، ولو من الناحية الرمزية أو الإعلامية.

السيدة مورمو لم تصل إلى مركز الصدارة من فراغ، حيث كانت منضوية في حزب بهاراتيا جاناتا، وعملت وزيرة في ائتلاف “أوريسا”، وكانت حاكمة ولاية جارخاند ذات الأغلبية القبلية والغنية بالفحم، واختارها رئيس الوزراء ناريندرا مودي على ما يبدو لهذا المنصب عام 2015، بعد عام من انتخابه.

اقرأ ايضاً
تشريعيات فرنسا.. التغيرات الجيوسياسية تضع تجمع اليسار أولا وماكرون أمام امتحان صعب

وبكونها رئيسة للبلاد، ستتمتع مورمو أيضا بسلطة تخفيف أحكام الإعدام، وبصفتها الدستورية قائدة عليا للقوات المسلحة، وستلقي التحية في العرض العسكري السنوي لليوم الوطني الهندي؛ وربما يكون دورها الأكثر أهمية هو دعوة الفائز في الانتخابات العامة لإدارة الحكومة رئيسا للوزراء.

في قائمة رؤساء الهند منذ استقلالها عن بريطانيا وحتى الآن، كانت هناك رئيسة واحدة هي براتيبا باتيل في الفترة من 2007 حتى 2012، وكان هناك رئيس من طائفة المنبوذين في بلد حاشد بالطبقات الاجتماعية التي تطغى على ديمقراطية الهند البالغة التعقيد والتي تضم فسيفساء من الأعراق واللغات والمعتقدات والطوائف والطوائف الفرعية وأشياء أخرى كثيرة متنوعة، تفرز صراعات متفاوتة بشأن الهوية بين مكونات شعبها.

ألم الأشجار

تثبت التجربة السياسية في الهند أن تبوّء أيّ من أبناء الأقليات منصب رئيس البلاد لا يعود بالفائدة على أبناء طائفته بالضرورة، فغالبا ما يركل القادة من الأقليات في الهند السلّم الذي صعدوا عليه. ولا يختلف الأمر إن كان الرئيس مسلما أو سيخيا أو من طبقة المنبوذين (الداليت)، أو حتى الطبعة الأخيرة ممثلة في ثاني رئيسة للبلاد، وأول امرأة من قبيلة سانتال تتولى المنصب.

والمثال على ذلك هو الرئيس الهندي المسلم فخر الدين علي أحمد الذي تولى منصبه من عام 1974 وحتى وفاته عام 1977 وكان ينتمي لحزب المؤتمر، حيث سبق أن وقّع -بشكل غير قانوني- على إعلان الطوارئ الذي أصدرته رئيسة الوزراء أنديرا غاندي عام 1975، حين علقت الحريات المدنية وسجنت المعارضين سياسيا، وتلا ذلك أحد أعنف إجراءات الدولة ضد السكان المسلمين في دلهي القديمة، إذ دمرت منازلهم بالجرافات.

ويبدو أن القصة لم تتغير كثيرا، فالجرافات ترهب مرة أخرى هذه الأيام وبشكل أكثر شراسة مسلمي الهند، وتستهدف منازلهم وممتلكاتهم. وعلى الرغم من وجود وزراء ومسؤولين مسلمين في النظام الحالي، فإنه لا يبدو أن أحدا منهم سمع بتلك المحنة.

وبالنسبة للرئيسة الجديدة، فقد نشرت لها صورا على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تقوم بجولات تبدو فيها بصورة التابع للزعيم اليميني الهندوسي المتطرف موهان بهاجوات، رئيس “منظمة التطوع الوطنية راشتريا سوايامسيفاك سانج” المعروفة اختصارا بـ”آر إس إس”، وهي منظمة يمينية هندوسية شبه عسكرية هدفها الرئيسي توحيد المجتمع الهندوسي لتشكيل “الهندوس راشترا”، أي الأمة الهندوسية.

كما أن للرئيسة الجديدة مقطع فيديو قبل انتخابها، تتحدث فيه عن العدالة لجميع المواطنين بصفتها حاكمة ولاية جهارخاند، ومع ذلك، فقد تزامنت حملتها الانتخابية مع قرار المحكمة العليا إدانة ناشط من قبيلتها كان يسعى لتحقيق عادل في مقتل مجموعة من المدنيين القبليين على يد قوات الأمن.

ويتزامن انتخابها للمنصب أيضا مع الكشف عن تقارير كثيرة تفضح الاستيلاء على أراضي الغابات بشكل غير قانوني في منطقتها، وكيف يتم تعديل القواعد لمساعدة الشركات على اغتصاب حقوق أبناء القبائل الذين يسكنون الغابات، وقول نشطاء إن قوانين البيئة يتم تخريبها لصالح الشركات.

الحديث عن الرئيسة الجديدة والسطو على أراضي الغابات في منطقتها يذكّر بقصة الرجل الذي جاء إلى غابة ذات يوم وبيده بلطة، وتوسل إلى جميع الأشجار أن تعطيه غصنا صغيرا يريده لغرض ما. كانت الأشجار حسنة النية وأعطته أحد أغصانها، فوضعه في رأس الفأس، وهوى عليها يقطع شجرة بعد أخرى.. ما آلم الأشجار لم تكن الفأس التي تقطعها، ما آلمها حقا هو أن يد الفأس كانت من خشبها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى