اقتصاد

مصر ترفع أسعار الوحدات السكنية 30%.. هل انتهى عصر السكن الرخيص؟

القاهرة – كسرت الحكومة المصرية حاجز تثبيت أسعار الوحدات السكنية لمنخفضي الدخل ومتوسطيه؛ لتواكب أسعار مواد البناء التي شهدت ارتفاعا كبيرا منذ بداية العام متأثرة بالأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية.

وقد وافقت الحكومة على زيادة الحد الأقصى لسعر بيع الوحدات السكنية التي ستُطرح للبيع في المستقبل، بحيث تصبح 450 ألف جنية مصري (24 ألف دولار تقريبا) للوحدات المكونة من 3 غرف وصالة، و400 ألف جنيه مصري (21 ألف دولار تقريبا) للوحدات المكونة من غرفتين وصالة، وذلك لفئة منخفضي الدخل، في حين سيصبح سعر بيع الوحدة 1.7 مليون جنيه (90 ألف دولار تقريبا) للوحدات الكاملة التشطيب بمساحة تبلغ 150 مترا مكعبا، وذلك لفئة متوسطي الدخل.

وتقدّر زيادة الحد الأقصى لسعر بيع الوحدات السكنية بنسبة 30%.

وبررت الحكومة قرارها -في اجتماعها قبل أيام- بأنه يتواكب مع تغير تكلفة إنشاء الوحدات السكنية الجاري تنفيذها وطرحها، وذلك سعيا لتنشيط قطاع التمويل العقاري وتحقيق استدامة مشروعات الإسكان الاجتماعي.

انتهاء عصر الوحدات السكنية الرخيصة

رأى رئيس شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة التجارية أحمد الزيني أن “عصر أسعار الوحدات السكنية المدعمة انتهى، ولكنها تظل الخيار الأفضل للشباب الذي لا يملك دفع ثمن وحدة سكنية نقدا أو على فترات قصيرة لأن الحكومة توفرها بأقساط تمتد على فترات طويلة، ولكن الشاب المصري يظل من يتحمل فرق الأسعار في نهاية المطاف”.

وأوضح -في تصريحات للجزيرة نت- أن قطاع الإسكان الحكومي هو الأقل تضررا، ويمنح تسهيلات للراغبين في الحصول على شقق سكنية كاملة التشطيب، لأن الدولة تملك الأرض ولا تتحمل تكلفة شرائها ولديها القدرة المالية على البناء؛ وهي مميزات غير متوفرة للمطورين العقاريين في القطاع الخاص.

وأشار الزيني إلى مشكلة قد لا يُنتبه لها، هي تراجع المعروض من المواد الخام ومواد التشطيبات سواء المحلية أو المستوردة؛ ليس بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه إنما بسبب تقييد الاستيراد، مشيرا إلى أن الوفرة وزيادة العرض سوف تساعد بلا شك على تراجع الأسعار.

وفي ما يتعلق بالقطاع الخاص هناك حالة ركود في سوق العقارات في جميع أنحاء البلاد، وبعض المطورين يبيعون بأسعار ما قبل الزيادة بسبب الحاجة لتوفير سيولة، ومن ثم فإن بعضهم لا يحقق أرباحا حقيقية خاصة صغار المستثمرين والمطورين العقاريين، وذلك قد يؤدي إلى خروج عدد كبير منهم من السوق.

الاستثمار في البنوك أم العقارات؟

في مارس/آذار الماضي جدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعوته لمواطنيه بإيداع أموالهم في البنوك، والاستفادة من أرباحها، بدلا من وضعها في بناء عقارات أو وحدات سكنية غير مطابقة لاشتراطات البناء، ولا يسكنها أحد.

وانتقد السيسي، لدى افتتاح بعض مشروعات الإسكان والطرق بمدينة 6 أكتوبر في غرب القاهرة، ظاهرة البناء غير المخطط للعقارات على الطريق الدائري، ومعظمها غير مأهول، مطالبا بتغيير ثقافة البناء المنتشرة من دون داع لدى المواطنين، ودعا إلى ترك البناء للدولة.

وأكد أن الدولة “قادرة على تلبية مطالب المواطنين”، لافتا إلى أن “الحكومة على مدار 7 سنوات توفر وحدات إسكان اجتماعي، وهناك مبادرة من البنك المركزي لتمويل تلك الوحدات بأسعار فائدة منخفضة”.

وطرح البنك المركزي مبادرة التمويل العقاري بفائدة 3% أو 8%، لكل من محدودي الدخل ومتوسطي الدخل، وأصحاب المعاشات، لكن معظم الشروط تتفق مع مشروعات الإسكان التي تبنيها الدولة إذ تعدّ هذه المبادرة مقتصرة على مشروعات الدولة وليس غيرها.

عشوائية سوق العقارات

من جهته، قال عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء محمد عبد الرؤوف إن “زيادة الحكومة لأسعار الوحدات السكنية جاءت متأخرة، ولم تبادر بزيادة الأسعار مع بداية الأزمة”، ويعتقد أنها لن تؤثر على “منخفضي الدخل ومتوسطيه، لأنهم يحصلون عليها من خلال تسهيلات مالية على أكبر عدد ممكن من السنوات تصل إلى 25 عاما، وذلك يجعل تأثيرها محدودا”.

وأكثر المتضررين في السوق، حسب تصريحات عبد الرؤوف للجزيرة نت، الشركات الصغيرة والتي تعاني من ارتفاع التكلفة وتراجع حركة البيع واحتمالات التعثر.

وبيّن أن المشكلة الرئيسة هي أن الاستثمار العقاري في مصر بدأ متأخرا أو حديثا منذ تسعينيات القرن الماضي بشكل عشوائي، وكان يفتقر إلى قوانين تنظم عمله، ولم يصدر قانون شامل إلا منذ وقت قريب، ولذا فلن يظهر أثر تلك القوانين الحاكمة للبناء والتشييد إلا بعد تطبيقها ومعرفة مواطن الضعف والقوة ومعالجتها.

وأوضح عبد الرؤوف أنه حتى الآن لا توجد نقابة للمستثمرين العقاريين، ولا يوجد تعريف واضح للمستثمر العقاري في مصر، داعيا في الوقت ذاته إلى تنظيم العقود بين شركات البناء والعملاء لأنها مجحفة، ولا توفر ضمانات كافية للمتعاقدين، وتصبّ في مصلحة المستثمرين.

دعم واستثمار

والمعروف أن الحكومة المصرية ألقت بثقلها في قطاع الإسكان، مستهدفة على وجه الخصوص محدودي الدخل ومتوسطيه حيث تقوم بتنفيذ 1.5 مليون وحدة سكنية بين عامي 2014 و2021 بمعدل 225 ألف وحدة سنويا، فضلا عن إتاحة 230 ألف قطعة أرض (1.7 مليون وحدة)، وكذلك مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص التي تتيح 120-150 ألف وحدة.

وفي السنوات السبع الماضية ارتفع عدد سكان المدن الجديدة، وفق وزارة الإسكان، بمقدار 3.5 ملايين نسمة؛ بمعدل زيادة سكانية قدرها 500 ألف نسمة سنويا، ومن المتوقع أن تعمل المدن الجديدة على جذب شرائح جديدة من سكان الريف والحضر في المرحلة المقبلة.

وحسب خطة الحكومة للتنمية المستدامة للعام المالي 2023/2022، يأتي الإسكان والمياه والصرف الصحي في المرتبة الثانية على قائمة الأولويات بعد النقل، إذ تخصص الدولة نحو 294 مليار جنيه للقطاع، وستحصل مشروعات الإسكان على 33 مليار جنيه لتغطية بناء 306 ألف وحدة سكنية جديدة وتطوير 15 ألف فدان بالمناطق العشوائية.

اشتراطات مجحفة أم منظمة؟

وأقرّت الحكومة أخيرا الاشتراطات البنائية والتخطيطية للبناء على مستوى المدن المصرية، وكذلك إجراءات استخراج التراخيص الخاصة بها، ولكنها تسببت في حالة من الركود في سوق العقارات بسبب عدم قدرة كثيرين على تنفيذها، وسط مطالب شعبية وبرلمانية بتعديل لائحة البناء قال مسؤولون إنهم يقومون بدراستها بالفعل، حسب مواقع صحفية محلية.

ويسهم قطاع المقاولات بنحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق بيانات الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، الذي يضم تحت مظلته نحو 30 ألف شركة، منها نحو 15% إلى 20% من شركات الدرجة الأولى التي تنفذ المشاريع الضخمة.

ويستحوذ قطاع التشييد والبناء، أحد أكبر القطاعات في البلاد، على أكبر حجم من العمالة المباشرة وغير المباشرة، إذ تجاوزت نحو 17 مليون عامل بمختلف فئاتها، لارتباط القطاع بعشرات الصناعات والأنشطة التجارية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى