بعثة أممية تلو أخرى إلى ليبيا.. مراحل انتقالية متواصلة واستقرار مؤجل
طرابلس – جاء إعلان مغادرة رئيسة بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا ستيفاني وليامز، ليعيد الجدل بمجلس الأمن حول تعيين مبعوث أممي جديد، وليتأجل إنهاء المراحل الانتقالية والوصول إلى الانتخابات في البلاد إلى إشعار آخر.
وبعد نجاحها في دفع الفرقاء السياسيين إلى إعلان موعد للانتخابات الرئاسية لأول مرة منذ سقوط معمر القذافي، قبل أن تتعثر بسبب الخلاف على قوانينها، قررت وليامز -بحسب المتحدث الأممي فرحان حق- ترك منصبها.
وأوضح المتحدث أن النقاش لم يفتح بعد بشأن الشخصية التي ستتولى رئاسة البعثة أو منصب مستشار الأمين العام في ليبيا. وأكد تعذر الاتفاق في مجلس الأمن على تسمية مبعوث جديد إلى هذا البلد.
الأمين العام @antonioguterres يعرب عن امتنانه للسيدة ستيفاني وليامز التي أنهت لتوّها مهمتها كمستشارة خاصة له معنية بشأن #ليبيا.
ويجدد التزام #الأمم_المتحدة بدعم عملية بقيادة وملكية الليبيين لمواجهة التحديات العالقة.
— أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) August 2, 2022
بدايات التدخل الأممي
ومنذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي في عام 2011، لم يتوقف رسل ومبعوثو الأمم المتحدة ومبادراتها في ليبيا، التي شهدت صراعات مسلحة لم تجد نقطة نهايتها بعد.
وأثناء الثورة الليبية على نظام القذافي، وتحديدا يوم 26 أغسطس/آب 2011، دعا الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بان كي مون إلى مساعدة السلطات الليبية الجديدة في تأسيس مرحلة ديمقراطية انتقالية بعد الإطاحة بالقذافي.
وقال مون إن مبعوثه الخاص الدبلوماسي الأردني عبد الإله الخطيب ومستشاره الخاص للتخطيط لما بعد الصراعات إيان مارتن، قد التقيا بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي في الدوحة لمناقشة الاحتياجات بعد انتهاء القتال بين قوات النظام والثوار المدعومين بقوات التحالف الدولي.
لم تعيّن الأمم المتحدة في تلك المرحلة مبعوثا رسميا، واكتفت بتكليف الخطيب بمراقبة تطورات الأحداث. لكنها قررت في سبتمبر/أيلول 2011 تعيين البريطاني إيان مارتن رئيسا لبعثتها الجديدة في ليبيا.
وكان مارتن قد شغل منصب الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، وعمل مبعوثا خاصا للأمم المتحدة للتخطيط في فترة ما بعد النزاع في ليبيا. وبعد تعيينه، شكّل بعثة تتألف من نحو 200 موظف مهمتها الأساسية تدريب أفراد الأمن للإعداد لأول انتخابات برلمانية تشهدها البلاد.
فشل بين حربين
بعد الانتخابات التشريعية الأولى واستلام المؤتمر الوطني مهامه رسميا من المجلس الانتقالي بقيادة مصطفى عبد الجليل، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في سبتمبر/أيلول 2012 تعيين اللبناني طارق متري ممثلا له ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا خلفا لإيان مارتن.
ومع ارتفاع حدة الخلافات الليبية والانتشار التدريجي للمليشيات المسلحة وما صاحبها من اغتيالات واعتقالات خارج إطار القانون، تفجّرت الأوضاع وبلغت ذروتها في حربين طاحنتين، الأولى حرب “فجر ليبيا” في طرابلس، والثانية “عملية الكرامة” في بنغازي، الأمر الذي أذن بتعقيد الأزمة الليبية أكثر وأفشل مهمة المبعوث الجديد.
تعمّق الأزمة
وخلفا لمتري، تم تعيين برناردينو ليون في أغسطس/آب 2014 ممثلاً خاصا للأمين العام للأمم المتحدة ورئيسا للبعثة الأممية في ليبيا، للعمل على جمع الأطراف على مائدة الحوار، ومعالجة أزمة البلاد بحل سياسي بعيدا عن لغة السلاح.
وبعد أزمة تسليم السلطة بين المؤتمر الوطني والبرلمان المنتخب حديثا آنذاك، تمكّن ليون من إقناع أعضاء من الطرفين بالالتقاء في غدامس أقصى الغرب الليبي، ومنها حاول جمع الأطراف المتنازعة في أكثر من مكان وعلى أكثر من مسار، وصولاً إلى اجتماع الصخيرات في المغرب، حيث جرت جولات حوار جديدة برعاية ليون.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015، وبعد مغادرته منصبه، كشفت صحيفة “غارديان” (The Guardian) البريطانية أن ليون تفاوض على قبول وظيفة براتب 35 ألف جنيه إسترليني شهريا (53 ألف دولار) مع دولة الإمارات.
كوبلر على خطى ليون
بعد الضجة التي أثيرت إزاء عدم حيادية ليون وعلاقته بالإمارات خاصة، عيّن الأمين العام في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 الألماني مارتن كوبلر ممثلا خاصا ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
واجه كوبلر -الذي يتمتع بأكثر من 30 عاما من الخبرة في منظومة الأمم المتحدة والسلك الدبلوماسي- واحدة من أصعب الفترات حين كان الصراع والاقتتال على أشده بين المناطق الليبية فيما يشبه تصفية الحسابات. وشهدت الفترة ذاتها سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة سرت وإعلان ولايته في ليبيا رسميا.
الخبرة اللبنانية مجددا
رغم الاتفاق الموقع بين الأطراف الليبية في الصخيرات بجهود برناردينو لوين وخلفه مارتن كوبلر، أعلنت الأمم المتحدة تعيين اللبناني غسان سلامة ممثلاً خاصا للأمين العام الجديد أنطونيو غوتيريش ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وتحديدا يوم 22 يونيو/حزيران 2017.
وحينها، أكد غوتيريش أن اختياره لسلامة كان بسبب الخبرة الكبيرة “التي مكّنته من أداء دور حاسم في الجمع بين الأطراف العراقية”، قبل أن يعمل في اللجنة المعنية بولاية راخين في ميانمار، والتي رأسها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان.
لكن، لا الخبرة اللبنانية ولا حضور الأمين العام أنطونيو غوتيريش شخصيا إلى ليبيا أفلحا في إيقاف الحرب بين الفرقاء الليبيين، التي اندلعت على أطراف العاصمة طرابلس بهجوم مباغت من قوات خليفة حفتر في أبريل/نيسان 2019 في وقت كان فيه الجميع متحمسا للذهاب إلى الملتقى الوطني الجامع في غدامس بعد أيام، كما أعلن سلامة.
الحرب الأهلية التي عمقت الأزمة
بعد شد وجذب بين روسيا والصين من جهة والغرب من جهة أخرى، أعطى مجلس الأمن الضوء الأخضر لتعيين السلوفاكي يان كوبيتش لقيادة البعثة في ليبيا منتصف يناير/كانون الثاني 2021، بعد أن اعتذر البلغاري نيكولاي ملادينوف عن المهمة لأسباب شخصية قبل شهر.
شغل كوبيتش منصب وزير خارجية سلوفاكيا سابقا، وترأس البعثة الأممية في العراق. وفي أفغانستان كان من المفترض أن يرعى محادثات بين الفرقاء الليبيين بقيادة الأمم المتحدة لتسمية حكومة مؤقتة، قبل انتخابات عام 2021، لكنه لم يحرز أي تقدم يذكر.
بعد صراع طويل في أروقة مجلس الأمن الدولي ومعارضة روسيا، عيَّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش القائمة السابقة بأعمال رئيس البعثة الأممية في طرابلس الأميركية ستيفاني وليامز مستشارةً خاصة له بشأن ليبيا قبل 18 يوما فقط من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية.
وبدعم من الدبلوماسية الأميركية، نجحت وليامز خلال الشهور الماضية في وضع خارطة الطريق مع أعضاء الملتقى السياسي الليبي، نتج عنها تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة وحدة وطنية، وتحديد موعد للانتخابات يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، لكنها تعثرت.
وبعد خلافات أفضت إلى سحب مجلس النواب الليبي ثقته من الحكومة وتكليف حكومة جديدة، رجع الخلاف الليبي إلى المربع الأول، رغم ما أنجز على الأرض من توحيد للمؤسسات السيادية والمباحثات المتقدمة بين القادة العسكريين في الشرق والغرب تحت مسمى لجنة “5+5” برعاية أممية. كما عاد الجدل حول تعيين مبعوث جديد.