الاخبار العاجلةسياسة

حميدتي يثير الغبار.. اعتراف صريح بفشل الانقلاب فهل تتعقد الأوضاع في السودان؟

الخرطوم من جديد عاد محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي” نائب رئيس مجلس السيادة السوداني لإطلاق تصريحات مثيرة للجدل، بعد أيام من إعلانه تأييد قرار قائد الجيش الانسحاب من العملية السياسية لإتاحة الفرصة أمام الأحزاب للتوافق فيما بينها بما يمهد لتكوين حكومة مدنية، على أن يتولى الجيش مجلسا أعلى للدفاع بصلاحيات سيادية.

وفي مقابلة بثتها “بي بي سي” (BBC) مساء أمس الاثنين، اعترف حميدتي رسميا بفشل أهداف الإجراءات التي اتخذت يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين قرر قائد الجيش عبد الفتاح البرهان تجميد كل بنود الوثيقة الدستورية ذات الصلة بالشراكة بين العسكر والمدنيين.

كما فرض البرهان وقتها حالة الطوارئ، ووضع وزراء ومسؤولين قيد الاحتجاز بمن فيهم رئيس الوزراء وقتذاك عبد الله حمدوك، في خطوة وصفت على نطاق واسع بأنها “انقلاب”، في حين بررها البرهان حينها بالحاجة لإجراءات تصحيحية تنهي سيطرة أحزاب بعينها على السلطة وتوسّع دائرة المشاركة السياسية.

وشهدت شوارع السودان بعد تلك الإجراءات مظاهرات لم تهدأ، رغم تصدي أجهزة الأمن لها وسقوط 116 قتيلا وما لا يقل عن 4 آلاف مصاب، وفقا لإحصائيات لجان طبية.

كما فشلت عديد من مساعي الوسطاء الدوليين والمحليين لرأب الصدع بين العسكر وائتلاف الحرية والتغيير، الذي رفع سقف مطالبه بالدعوة لرحيل العسكر من السلطة وتسليمها كاملة للمدنيين، طارحا رؤية متكاملة أساسها “إنهاء الانقلاب” وفق إجراءات وترتيبات محددة، في وقت يقول فيه القادة العسكريون إنهم لن يسلموا الحكم إلا لحكومة توافق موسعة تحظي بإجماع شعبي واسع، وهو ما يبدو بعيد المنال حتى اللحظة.

فشل الإجراءات

بالعودة لتصريحات حميدتي المثيرة والتي تعكس لحد كبير حجم الهوة المسكوت عنها بينه وبين البرهان، فإن الرجل الذي يعد الثاني في تراتبية الحكم لم يتردد في وسم الإجراءات المنفذة قبل 10 أشهر بالفشل، قائلا “لم ننجح في التغيير لأسباب لن أتحدث عنها.. وعندما تفكر في تغيير، فمؤكد أن لديك هدفا ورؤية.. لكن للأسف الشديد لم يتم ما كان مخططا له وفشل الأمر.. والآن مضينا للأسوأ، على الرغم من وجود بعض الإيجابيات”.

والخطة والأهداف التي يعنيها حميدتي ربما كان مقصودا بها تعهدات البرهان التي أطلقها يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما تحدث عن تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وتحقيق متطلبات العدالة والانتقال، وتشكيل مفوضية لوضع الدستور وأخرى للانتخابات ومجلس للقضاء العالي ومحكمة دستورية ومجلس نيابي. وحدد شهرا لإنجاز كل ذلك.

لكن أيا من تلك الوعود لم يتحقق بشكل فعلي، واستمرت البلاد بلا حكومة تنفيذية حتى الآن، كما لم يتم تحقيق العدالة، بل زادت الانتهاكات ضد المحتجين السلميين في حين لا تزال المؤسسات العدلية والنيابية معطلة.

علاوة على كل ذلك، ازدادت الأحوال سوءا، كما يقول حميدتي، الذي لم يحدد مقصده بالضبط، لكن المؤشرات تتحدث عن تراجع في الأحوال المعيشية مع استمرار موجات الغلاء وتنامي الانفلاتات الأمنية لا سيما في أقاليم دارفور والنيل الأزرق وشرق البلاد.

مناورة سياسية

ومن وجهة نظر القيادي في ائتلاف الحرية والتغيير عروة الصادق، فإن تصريحات حميدتي لا تعدو أن تكون “مناورة سياسية تجاه البرهان” لأن الخلاف بينهما -وفق قوله- خلاف مؤسسات، فقادة الجيش وعلى رأسهم المؤدلجون من الحركة والتنظيم يمارسون ضغوطا على قائد الجيش لإبعاد قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي وتحجيم دورها، في حين يحاول الأخير توسيع نفوذه على صعدٍ أهلية ودينية وجهوية.

ويضيف عروة للجزيرة نت “كلاهما -حميدتي والبرهان- أيقن أن الانقلاب العسكري فشل أمنيا وسياسيا واجتماعيا، وكلف البلاد خسارة اقتصادية كبيرة، وأضاع مكاسب إقليمية ودولية، وفتح الباب للتدخلات الدولية، وهو أمر يحاولان بجهد الخروج منه لكن بطريقتين مختلفتين، فالبرهان يستعين بأجهزته وفلول النظام البائد، وحميدتي يتخندق خلف كيانات قبلية ودينية وبعض القيادات السياسية”.

ولا يستبعد القيادي أن تتصاعد وتيرة الخلاف بين الرجلين رغم محاولات احتوائها، الأمر الذي سيعقد المشهد أكثر مما هو عليه، لكنه سيمهد -كما يقول الصادق- لخروج العسكر الأبدي من العملية السياسية في السودان.

وحميدتي لم يعد مجرد نائب أول، بل فاعلا وصانع قرار، إذ أوضح ذلك في بيانه الأخير، الذي أيد فيه قرارات البرهان المتعلقة بالانسحاب من المفاوضات السياسية، مؤكدا مشاركته في صناعتها “سويا عبر تشاور مستمر” و”بروح الفريق الواحد” كما قال، لذلك يبدو غريبا -وفق رأي المحلل السياسي عبد الله رزق- أن يظهر الرجل الثاني في الدولة كأنه زعيم معارضة وهو يتحدث عن تراجع الأوضاع الأمنية والاقتصادية في وقت يتحمل فيه هو جزءا كبيرا من المسؤولية وينتظر منه اتخاذ قرارات وإجراءات لمعالجة تلك الإخفاقات بما يتوفر له من صلاحيات تنفيذية وسلطات.

ويقول رزق للجزيرة نت إن قائد الدعم السريع يميل لإلقاء اللوم وكامل المسؤولية على البرهان، وفي ذلك مؤشر قوي على خلاف بين الاثنين، أو لغياب التنسيق فيما بينهما بشأن الخطاب الرسمي وتوحيده في مواجهة الأزمات التي تعيشها البلاد.

احتمالات المواجهة

ومنذ أسابيع يوجد حميدتي في ولاية غرب دارفور، وهو ما جرى تفسيره بالرغبة في عدم تحمل مسؤولية قرارات مجلس السيادة حيال الأوضاع المأزومة، كما يتحدث مراقبون عن غياب كامل لقوات الدعم السريع عن فض الاحتجاجات المنددة بالحكم العسكري، وبعد أن كانت القوات التابعة لحميدتي تشارك ضمن قوات مشتركة من الشرطة والجيش في حماية المؤسسات والتصدي للمتظاهرين، فإنها اختفت منذ أسابيع طويلة.

ويفسر حميدتي خلال مقابلة “بي بي سي” وجوده في غرب دارفور بالحاجة لفرض هيبة الدولة وإكمال المصالحات القبلية وبسط الأمن بما يمكن من عودة آلاف النازحين إلى قراهم التي هجروها نتيجة الصراعات المسلحة.

لكن عبد الله رزق يؤيد الرأي القائل بأن ابتعاد نائب رئيس مجلس السيادة عن مركز صناعة القرار بالخرطوم و”اعتصامه بدارفور” يعني أنه لا يريد أن يتحمل مزيدا من إخفاقات “الانقلاب” وتداعياته، وهو ليس ابتعادا جغرافيا فحسب، وإنما ابتعاد حتى في المواقف والسياسات.

ويؤكد أن الخلاف المبيّت بين البرهان وحميدتي سبق أن حذرت من انفجاره مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في، وبالفعل لا يمكن التقليل من شأنه أو خطورته، كما يقول رزق.

ويتابع “افتراقهما، أو فشلهما في التعايش معا، يزيد من احتمالات المواجهة بينهما، وهذا مهدد جدي للأمن القومي خصوصا إذا تطور الخلاف لمستوى يهدد بإلغاء القيادة الثنائية لصالح أحد القطبين”، وفق قوله.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى