الاخبار العاجلةسياسة

الحرب في أوكرانيا.. حصاد 6 أشهر من الأرباح والخسائر وضبابية تلُف نهايتها

موسكو- كييف- 6 أشهر مرّت على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كانت كافية لتقلب حماسة المراقبين والمحللين السياسيين في الحديث عن موعد نهايتها وكيفية النهاية، خلافًا لما رافق الشرارة الأولى للحرب إذ كان كثير منهم يستبعد حدوثها.

ومع استمرار الحرب حتى الآن، سقط أهم سيناريوهين وضعهما المراقبون من كلا الطرفين عند اندلاعها في 24 فبراير/شباط الماضي؛ سواء بتعرض روسيا لخسائر مادية وعسكرية واقتصادية فادحة تجبرها على وقف العمليات العسكرية في وقت قصير، أو بسقوط سريع للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وحلول نظام موال لموسكو بدلًا منه.

لكن الإحاطات الدورية التي تصدرها وزارة الدفاع الروسية تشير إلى أن خطط الحرب -حسب الرؤية الروسية- تسير طبقًا للأهداف الموضوعة.

وجدد تأكيد ذلك رئيس مجلس الأمن القومي الروسي نيقولاي بيتروشيف، في الخامس من يوليو/تموز الماضي، حين قال إنها تتمثل في “ضمان حماية الناس من الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام النازي الجديد في أوكرانيا، وتجريد أوكرانيا من السلاح، وتطهيرها من عواقب هيمنة الأيديولوجية النازية، وتحقيق وضعها بوصفها بلدا محايدا مع تثبيت ذلك في الدستور الأوكراني”.

Service members of pro-Russian troops fire a BM-21 Grad multiple rocket launch system in Mariupol
عناصر من قوات موالية لروسيا يطلقون صواريخ متعددة من طراز “غراد 21” في ماريوبول (رويترز)

منعطف ماريوبول ولوغانسك

في كل الأحوال، حققت القوات الروسية وحلفاؤها في جبهات القتال المختلفة تقدمًا ملحوظًا على أكثر من محور، وضعه مراقبون روس في خانة الإنجازات الإستراتيجية، وعلى رأسها -حسب وجهة نظرهم- تدمير البنية التحتية العسكرية للجيش الأوكراني.

ويرى هؤلاء أن سيطرة القوات الروسية في 20 مايو/أيار على ماريوبول شكّلت أول انتصار إستراتيجي وعسكري منذ بداية الحرب، ونقطة تحول مهمة، نظرًا للأهمية البالغة للمدينة التي أدى سقوطها إلى سيطرة روسيا على نحو 40% من صناعة التعدين في أوكرانيا، إلى جانب أهميتها العسكرية.

ويؤكد الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين أن السيطرة على ماريوبول وما تبعها من استسلام للجنود الأوكرانيين ومن معهم من المرتزقة -حسب وصفه- منح القوات الروسية دفعة معنوية أسهمت فيما بعد في تسريع السيطرة على إقليم لوغانسك، والاستعداد لحسم السيطرة على كامل الدونباس.

قلب الطاولة

ويعتقد ليتوفكين أن التقدم الميداني للقوات الروسية واستعدادها لحسم معركة دونيتسك، أي “تحرير الدونباس كاملًا”، سيقلب طاولة الحسابات الأطلسية، ويشكل “ضربة قاضية” للدعاية الغربية التي روّجت لتوقف القوات الروسية وتراجعها، “بمزاعم مواجهة مقاومة شرسة من جانب القوات الأوكرانية”.

ويؤكد الخبير الروسي أنه لا معنى لوضع تقديرات بخصوص موعد انتهاء العملية العسكرية في أوكرانيا، معتبرًا ذلك ورقة قوية في يد روسيا من جهة، تجنب الجيش الروسي -في المقابل- الوقوع في “حالة السباق مع الزمن والشعور بالضغط”، ومن ثم تخفف من الخسائر المحتملة وسط العسكريين الروس، لا سيما في ضوء كثافة العمليات والتغيرات التي يمكن أن تشمل التكتيكات المتبعة فيها.

2 35
الكشف عن مقابر جماعية للمدنيين في مدن أوكرانية بعد انسحاب القوات الروسية منها (الأناضول)

حصيلة روسية

وحتى مطلع الشهر الحالي، وحسب وزارة الدفاع الروسية، تمكنت قواتها من تدمير أكثر من 4 آلاف دبابة ومدرعة أوكرانية، ونحو 400 طائرة، بين مقاتلة ومروحية، فضلًا عن 1650 طائرة مسيّرة، ومئات من منصات الدفاع الجوي لا سيما من طراز “جافيلين” و”نلاو”، وأكثر من 200 صاروخ “هيمارس”، بالإضافة إلى 33 مدفع “هاوتزر” أميركيا و5 قاذفات صواريخ “هاربون” المضادة للدبابات.

وتؤكد روسيا أن الأرقام التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية عن خسائر جيشها مزيفة، كما جاء على لسان السكرتير الصحفي للرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، تعليقًا على ما نشرته شبكة “سي إن إن” (CNN) عن تقديرات الإدارة الأميركية بأن خسائر الجيش الروسي  بلغت نحو 75 ألف شخص.

وحسب الممثل الرسمي لوزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف، فقد بلغت الخسائر بين العسكريين الروس المشاركين في العمليات العسكرية في أوكرانيا 498 قتيلًا، و1597 جريحًا.

على الجانب الأوكراني

بالمقابل، ورغم فارق القوة الشاسع مع روسيا، تؤكد أوكرانيا أن معظم خطط موسكو لتحقيق أهدافها فشلت، وأن روسيا مُنيت بخسائر فادحة، تضاهي تلك التي لحقت بها وأكثر.

ولا تكشف كييف صراحة عن حجم خسائرها، لكن مسؤولين يلمحون بين حين وآخر إلى أنها تراوح بين 50 و200 جندي يوميا، بحسب اشتداد المعارك وخريطتها، مع الإقرار بخسائر هائلة لحقت بالبنية التحتية، وتجاوزت 750 مليار دولار، فضلا عن نزوح ولجوء الملايين إلى دول الجوار.

وتحدّثت هيئة الأركان الأوكرانية بشكل مفصل عن خسائر الجيش الروسي، وحتى الرابع من أغسطس/آب الجاري أكدت مقتل نحو 41 ألفا و500 جندي، وتدمير أو إعطاب 1789 دبابة، و4026 آلية مدرعة، و2960 عربة عسكرية أخرى.

هذا بالإضافة إلى تدمير 946 نظاما مدفعيا، و118 نظاما للدفاع الجوي، و223 طائرة مقاتلة، و191 مروحية، و742 طائرة مسيرة، و182 صاروخا مجنحا، و15 سفينة.

Azov Regiment Forces Train In Kharkiv Region
جنود أوكرانيون من فرقة “آزوف” يسيرون إلى مركبتهم بعد تدريبات في منطقة خاركيف (غيتي)

فشل الخطط أجّلها

ويكاد المسؤولون الأوكرانيون يجمعون على حتمية النصر على روسيا بنهاية الحرب، لكن هذه الرؤية الإيجابية تخفي كثيرا من التحديات والصعوبات.

يقول المحلل العسكري فلاديسلاف فيتكو إن “روسيا فشلت في تحقيق هدف السيطرة على كييف ومعظم الجزء الشرقي من أوكرانيا خلال أيام، لذا غيرت خططها مع بقاء الهدف”.

وأوضح فيتكو للجزيرة نت أن روسيا “تحولت إلى التركيز على مناطق الشرق والجنوب، بخاصة خاركيف وإقليم دونباس ومنطقتا زاباروجيا وخيرسون جنوبا. وأعتقد أنها معنية بالسيطرة على المناطق الجنوبية أكثر، لأنها تؤمن سطوة روسيا على القرم ومعظم شمال البحر الأسود”.

لكن فيتكو يقول “يجب أن نعترف بأن المعارك هناك تشبه الجحيم، كما قال الرئيس (فولوديمير زيلينسكي)، فالغلبة المدفعية والصاروخية للروس، لكننا نرى بوضوح أن تقدم الروس توقف منذ أسابيع، بفعل ضربات الجيش الأوكراني”.

وتابع “مما لا شك فيه أن الأسلحة الغربية التي حصلت عليها أوكرانيا أخيرا غيّرت قواعد اللعبة وخطط الروس مجددا، الذين يرفضون الاعتراف بهذا الأمر، رغم أن خسائرهم باتت أكثر وأكبر، إذ تشمل عشرات القواعد ومراكز القيادة ومستودعات الذخائر، فضلا عن استعادة السيطرة الأوكرانية على عشرات التجمعات السكنية في مناطق خاركيف وخيرسون، بعد تحرير مناطق كييف وتشيرنيهيف وسومي”.

ورأى الخبير أن “السيطرة على كامل أوكرانيا ستبقى هدفا رئيسا لروسيا، ولهذا ستستمر الحرب من دون توقف قريب، وخلال ذلك سيكون من غير المنطقي الحديث عن مفاوضات سلام أو إنهاء للحرب، لأنه سيعدّ تكيّفا مع (احتلالات) جديدة في أوكرانيا، ومجرد تأجيل لحرب بدأت ولم تنته”.

وحسب فيتكو، فإن نهاية الحرب مرهونة فقط باستمرار الدعم الغربي “المطلوب” لأوكرانيا، الذي “يشلّ حركة الروس وقدراتهم، ويهدد وجودهم ومنشآتهم ومواقعهم الإستراتيجية في البحر الأسود والمناطق المتاخمة للحدود مع البلاد”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى