الاخبار العاجلةسياسة

عودة ناقصة وأوضاع حياتية صعبة.. الجزيرة نت تزور مخيمات النازحين بمدينة ترهونة الليبية

طرابلس- تواجه النازحين من مدينة تاورغاء الليبية مصاعب حياتية متعددة تزيد من معاناتهم. فبعد مرور 11 عامًا على رحلة النزوح، تتقاذفهم الظروف الاقتصادية والاضطرار إلى العمل لإعالة أسرهم ومساعدتها على التأقلم.

في ضواحي مدينة ترهونة، تقبع عائلات نازحة، تتكدّس 82 أسرة، يبلغ عدد أفراد بعضها 10، في مخيمات ضيقة قذرة لا تصلح للعيش الآدمي.

تجولت الجزيرة نت في المخيم حيث مياه الصرف الصحي راكدة والخيم بلا أبواب ولا نوافذ. تقول غزالة محمد (59 عاما) “لقد نفد صبري من العيش في هذه الغرفة التي لا يتعدى حجمها 3 في 3”.

غزالة واحدة من النازحات منذ عام 2011 من مدينتها في تاورغاء، واستقرت في مخيم ترهونة بعدما أصيب زوجها بالورم الفقري وأصبح طريح الفراش، ولم يكن أمامها غير الاعتماد على نفسها كي تعيل طفلها وزوجها وتوفر له جرعة الكيماوي التي قصم ظهرها سعرها الباهظ، إلا أنها تتقاضى راتبا ضمانيا قدره 450 دينارًا ليبيًّا لا يكفيهم ربع الشهر في هذه الأيام (الدولار يعادل 4.8750 دينارات ليبية).

3I4A9000
غزالة محمد تعيش في غرفة صغيرة تجعل منها مسكنا ومطبخا في الوقت ذاته (الجزيرة)

غزالة التي تقبع في غرفة صغيرة الحجم، تجمع فيها مطبخًا صغيرا ومكانًا للنوم، تحدثت بحرقة عن ضيق السكن المتهالك الذي لا يقيهم حر الصيف، ولا يوفر لهم الخصوصية.

بدورها، تخلّت حواء عبد الرحيم (53 عاما) عن فكرة العودة إلى تاورغاء، حيث دُمّر منزلها، وبدأت بتقسيم خيمتها المكتظة بـ9 أفراد من عائلتها كي تسعهم جميعًا، وتقول “بيتي احترق بالكامل”.

وتابعت بقولها “حتى إن كان لدينا أمل بالعودة، إلى أين سنذهب؟ لم يعد هناك بيوت أو جدران أو حتى أبواب ونوافذ تحمينا”.

وتشاركها جارتها عائشة المخاوف ذاتها وهي تخرج مفتاحًا من حقيبتها الصغيرة، قالت إنه لمنزلها، تحتفظ به طوال 11 عاما الماضية، وتضيف “إذا متّ قبل أن أعود الي بيتي، أريد أن يدفنوا معي مفتاح بيتي الذي لم يبق معي غيره ذكرى”.

3I4A8986
إحدى المدارس في مدينة تاورغاء تسكنها 34 عائلة عادت إليها بعد إغلاق أحد المخيمات (الجزيرة)

لقمة عيش

أما النازحة الساكتة رجب فتحتضن أوراق السعف بين يديها لتتفنن في صناعة السعفيات حتى تستطيع تأمين قوت يومها. تعيش الساكتة (87 عاما) في إحدى المدارس المهجورة مع ابنتها التي تسوّق لها منتجاتها على مواقع التواصل الاجتماعي بعد عودتهما إلى مسقط رأسهما وإغلاق المخيم الذي كانا يسكنان فيه.

تقول الساكتة إن هذا العمل بات يأخذ صحتها شيئًا فشيئا، فلم تعد تبصر جيدا بعدما أصابت المياه الملوثة عينيها ببكتيريا كادت أن تصيبها بالعمى لولا إسعافها ببعض العلاجات.

عاد الي مدينة تاورغاء أكثر من 3 آلاف عائلة من أصل 8 آلاف هُجّرت من منازلها، ولكن ليست كل العائلات التي عادت استقرت في بيوتها مجددا.

يقول رئيس المجلس المحلي تاورغاء عبد الرحمن شكشك -للجزيرة نت- إن النازحين يتوزعون بين شرق البلاد وغربها، فتوجد في الغرب 3 مخيمات تؤوي 110 عائلات، وتوزعت في شرق البلاد 7 مخيمات يسكنها 615 عائلة؛ ذلك وفقا لآخر إحصائية أجراها المجلس وشكلت نسبة العائدين إلى المدينة 44%.

اقرأ ايضاً
رفضا لإجراءات الرئيس سعيّد.. مظاهرة بالعاصمة التونسية والقضاة يمددون إضرابهم أسبوعا ثالثا

وعند سؤاله عن بقاء المخيمات حتى اليوم، قال إن النازحين لا يريدون العودة “لمصير مجهول”، بخاصة أن عائلات سبقتهم عادت لتسكن في مدارس مهجورة ومنهم من حاول ترميم جزء من بيته واستقر فيه. ويتمنى شكشك من الحكومة أن تساعد النازحين حتى يعودوا إلي بيوتهم في تاورغاء.

3I4A8988
النازحة رجب تشتغل بنسج سعف النخيل لإعالة أسرتها (الجزيرة)

مساعدات خيرية

يقول علي موسى أحد المسؤولين في الهيئة الليبية للإغاثة والمساعدات الإنسانية إنهم قدموا مساعدات للعائلات التي عادت إلى المدينة أخيرا.

ولدى سؤاله عن تلك الأسر التي ما زالت تقطن المخيمات، قال إن عددا كبيرا من النازحين لا يرغبون في العودة إلى منازلهم، مشددا على ضرورة إيجاد عمل لهم لتحفيزهم على الرجوع إلى تاورغاء، كذلك أشار إلى أن دعم المنظمات الدولية المستمر للمخيمات أحد أهم أسباب استمرارها حتى اليوم، وأن العديد من المواطنين مستفيدون من هذه الوضع.

ونزح ما يقدّر بنحو 40 ألف شخص عن البلدة الواقعة على بعد 38 كيلومترا جنوبي مدينة مصراتة الساحلية، ويسكنون مخيمات في أنحاء ليبيا منذ أكثر من 11 عاما.

بدورها، تابعت الناشطة الاجتماعية ابتسام الغزال أن عدم وجود فرص عمل يعني عدم وجود حياة، مشددة على أن دعم ساكني المدينة على بيع منتجات زراعة النخيل التي تشتهر بها المدينة يعني فرصة حياة أفضل للعائدين إلى ديارهم.

3I4A8998
أطفال في المخيم يحاولون خلق جو من المرح رغم الظروف الصعبة (الجزيرة)

بوادر حل

قال جاب الله الشيباني عضو مجلس النواب عن مدينة تاورغاء إن أغلب الأهالي لم يعودوا لعدم قدرتهم على صيانة منازلهم التي تعرض أغلبها للحرق، وبعضها للتدمير الكامل.

وتم إخلاء المخيمات الرئيسة في طرابلس قسريا، مثل مخيم الأكاديمية البحرية بجنزور والفلاح وطريق المطار وجمعية الدعوة الإسلامية، وتوزع قاطنو المخيمات في مختلف المناطق، واضطر أغلبهم إلى استئجار منازل في ضواحي طرابلس، وعاد عدد منهم للعيش في المدارس والمرافق العامة بتاورغاء

وعن أوضاع النازحين، قال “إن الذين يقيمون بالمنطقة الشرقية يعيش أغلبهم في مخيمات، هي في حقيقتها عبارة عن سكن عزاب للعاملين بالشركات ولا تليق بالسكن العائلي”.

وتعيش بعض العائلات في منازل مستأجرة أثقلت أجرتها كاهلها، ويرى الشيباني أن جميع الحكومات أهملت أهالي تاورغاء، بخاصة فيما يتعلق بإعادة إعمار المنطقة بإنشاء وصيانة المنازل والبنية التحتية، وتشجيع الناس على العودة بتوفير مقومات الحياة داخل المنطقة.

ولفت إلى أن قرار حكومة الوحدة الوطنية بإنشاء صندوق لإعادة إعمار مدينة تاورغاء سيسهم في عودة أهلها إليها، مشيرا إلى أنه “سيجري التعاقد مع شركات للتنفيذ، وأن هذا سيسهم إسهاما فعالا في عودة الأهالي”.

وأثر القتال في ليبيا تأثيرًا كبيرا في النسيج الاجتماعي والاقتصادي، ويرى النازحون والعائدون أنهم الحلقة الأضعف، ولا يزال كثير منهم يكافح من أجل لملمة شتات حياتهم والبدء من جديد وسط أنقاض منازلهم المدمرة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى