ملامح أزمة داخلية.. لماذا تخشى إسرائيل توسيع دائرة الحرب بغزة؟
القدس المحتلة – بدأت معالم انقسام إسرائيلي حول العملية العسكرية التي يطلق عليها الاحتلال اسم “بزوغ الفجر” ضد حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة وجدواها، وهو ما دفع عددا من الوزراء في الحكومة والمحللين العسكريين إلى الدعوة للتهدئة فورا قبل تدهور الأوضاع أكثر.
يضع السجال حيال استمرار العملية العسكرية رئيسَ الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد وحكومته تحت وطأة ضغط سياسي وأزمة داخلية في حال اتساع دائرة الصراع خشية وقوع تصعيد أكبر يصعب احتواؤه، خصوصا بعد الزعم الإسرائيلي بأن العملية حققت أهدافها باغتيال قيادات عسكرية من حركة الجهاد.
ووفقا للمحللين، فإن استمرار الحرب وغياب بنك الأهداف الإسرائيلية سيؤديان إلى فقدان الناخب الإسرائيلي ثقته في قيادات الحكومة الحالية، وهو ما سيسهم بالضرورة في فقدان الحكومة الانتقالية التأييد الشعبي، الذي يحاول لبيد ووزير الأمن بيني غانتس الحصول عليه وتدعيمه عبر إطلاق عملية عسكرية في غزة.
وتباينت الآراء داخل إسرائيل حول هذه العملية، رغم الإجماع الأولي على العدوان على قطاع غزة وتقويض التهديدات والقدرات الصاروخية لحركة الجهاد الإسلامي، إذ طفت على السطح الاختلافات بشأن جدوى العملية التي لطالما حققت أهدافها من وجهة النظر الإسرائيلية.
ويأتي التباين في المواقف حيال جدوى استمرار العملية العسكرية، وفقا لتقديرات المحللين، في ظل مخاوف حكومة لبيد من انضمام حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى المعركة واتساع دائرة الصراع، وكذلك خشية المستوى السياسي وحتى العسكري من التداعيات الداخلية للعملية العسكرية وفقدان السيطرة، وتكرار سيناريو عملية “حارس الأسوار” التي بقيت دون حسم سياسي أو عسكري.
وصارت الآراء الإسرائيلية محل جدل واسع وصل إلى اجتماع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الخارجية والأمنية “الكابينيت”، الذي شهد مساء أمس السبت اجتماعا عاصفا، خاصة بعد توصية رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار بوقف العملية العسكرية في غزة فورا كونها حققت أهدافها.
مخاوف وتداعيات
ويعتقد الصحفي الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية يواف شتيرن أنه بمعزل عن السجال الإسرائيلي بشأن الأهداف التي حققتها الحملة العسكرية والجدوى من استمرار الحرب والخشية من اتساع دائرة الصراع، فإن القرار بشأن اتساع الحرب بيد حركة حماس، التي لديها ورقة التأثير على سير الحرب ونتائجها وحتى تداعياتها سواء على إسرائيل أو على قطاع غزة.
وأوضح شتيرن للجزيرة نت أن هناك الكثير من الأسباب التي قد تدفع حماس للانضمام إلى الحرب وتغيير الموازين، ولعل أبرزها هو تزايد عدد الضحايا البشريين والخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
وأشار إلى أن إسرائيل لديها مصلحة للإبقاء على حركة حماس خارج دائرة الصراع والمواجهة في العملية الحالية، سعيا منها لتحقيق إنجازات وتأطير “صورة انتصار” لم تتحقق في عملية “حارس الأسوار” في مايو/أيار 2021.
حسم وخسارة
ورجح المختص في الشأن العربي والفلسطيني أن هذه المعركة كما سابقتها ستنتهي دون حسم، بل قد لا تضمن الهدوء على جبهة غزة لفترة طويلة، وذلك بسبب عدم وجود توجّه إسرائيلي جدي من قبل الحكومات المتعاقبة للتهدئة.
ويعتقد أن حكومة لبيد كما الحكومات السابقة اكتفت بمنح التسهيلات وسط غياب إستراتيجية واضحة للتعامل مع قطاع غزة المحاصر منذ 18 عاما.
ووسط هذه المستجدات والتطورات، يستبعد شتيرن حسم معركة “بزوغ الفجر” من قبل الجيش الإسرائيلي خاصة إذا توسعت دائرة الصراع وانتقلت إلى جبهات أخرى خاصة في الضفة الغربية، وهو ما يورق المستوى السياسي الذي يخوض المعركة وسط معركة انتخابية.
وأشار إلى أن خسائر مدنية في الجانب الإسرائيلي من شأنها أن تؤثر على نتائج انتخابات الكنيست التي ستجري في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، وقد تكبد لبيد وغانتس خسارة فرصة تشكيل الحكومة المقبلة.
غزة والضفة
من جانبه، يقول الصحفي المختص بالشأن الإسرائيلي محمد خيري إن جهاز الشاباك أوصى بوقف العملية العسكرية قبل وقوع مزيد من الأخطاء التي قد تؤدي إلى اندلاع مواجهة واسعة لا تريدها إسرائيل في هذه المرحلة، بيد أن هذه التوصية قوبلت برفض من بعض الوزراء وقادة الأجهزة العسكرية، الذين أوصوا باستمرار العملية حتى “تحقيق كافة أهدافها”.
وأوضح خيري -في حديثه للجزيرة نت- أن بعض الأوساط في إسرائيل تخشى دخول حركة حماس على الخط من جهة، واستنفار الجهاد الإسلامي عناصرها في الضفة الغربية بصورة أكبر من جهة أخرى، وهو ما سيقود إلى اندلاع مواجهة واسعة ومتعددة الجبهات.
واستعرض خيري المواقف الإسرائيلية قائلا: هناك في إسرائيل من ينادي بإنهاء العملية مستشهدين بأحداث كثيرة وقعت في الماضي وأدت إلى اتحاد الشعب الفلسطيني بكافة فصائله في مواجهة الاحتلال، ويرون أن اغتيال القيادات البارزة في الجهاد الإسلامي يعد “إنجازا” كبيرا، وهو “إنجاز” كفيل بأن ينهي هذه الجولة العسكرية ويضع حدا لها.
تصعيد وخسائر
وأشار إلى أن وزراء في حكومة لبيد يخشون عدم استطاعة الحكومة الانتقالية احتواء تصعيد أكبر تشارك فيه كافة الفصائل الفلسطينية، كما يخشون تداعيات هذا التصعيد داخليا، وتحديدا على سير انتخابات الكنيست، ومستقبل لبيد نفسه في حال فشله في احتواء التصعيد، وسقوط ضحايا وخسائر فادحة بالجانب الإسرائيلي.
ويعتقد أن ثمة خشية واضحة وهي محل نقاش داخل أروقة الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي من اتساع رقعة المواجهة، خاصة في ظل التخوف من دخول حركة حماس على الخط بشكل أكبر وأوسع، وهو أمر وارد حسب التقديرات الأمنية إذا سقط عدد أكبر من الضحايا في قطاع غزة، مما قد يدفع حماس إلى المشاركة في التصعيد تحت وطأة الضغط الشعبي أيضا.
وأوضح أن لبيد وغانتس أيضا حاولا من خلال هذه العملية نيل ثقة الناخبين الإسرائيليين في منطقة “غلاف غزة” تحديدا، لكنْ ثمة أصوات في إسرائيل تشير إلى أن العملية قد تأتي بنتائج عكسية، خاصة تلك الأصوات التي تقول إن العملية انطلقت بشكل استباقي خشية إطلاق الجهاد الإسلامي صواريخ محدودة على إسرائيل، لكن النتيجة حتى الآن هي إطلاق مئات الصواريخ على مدن مختلفة.