بعد تحسن المؤشرات المالية للاقتصاد.. تطلعات قوية لانضمام الجزائر لمجموعة البريكس
في إعلان مفاجئ، كشف الرئيس عبد المجيد تبون عن تطلع الجزائر للانضمام إلى مجموعة “بريكس” (BRICS)، مؤكدا “أن لديها المقومات اللازمة للانضمام، والشروط الاقتصادية تتوفر بنسبة كبيرة”.
وذهب الرئيس الجزائري أبعد من ذلك في لقائه الدوري مع الصحافة الوطنية الأخير، بالقول “لن نستبق الأحداث، لكن إن شاء الله ستكون هنالك أخبار سارة”.
وأوضح تبون أن “مجموعة بريكس تهم الجزائر كونها قوة اقتصادية وسياسية، كما أن الالتحاق بها سيبعدها -باعتبارها رائدة في عدم الانحياز- عن تجاذب القطبين”.
وجاءت رغبة الجزائر في الاندماج ضمن مجموعة البريكس، برأي خبراء، في ظل تحسن المؤشرات المالية الكلية للاقتصاد، بفعل واردات النفط (50 مليار دولار بنهاية العام) وصادرات خارج المحروقات (7 مليارات دولار منتظرة في 2022)، وحجم احتياطي الصرف يبلغ 42 مليار دولار، مع فائض تجاري قدره 5 مليارات دولار خلال السداسي الأول من العام الجاري.
كما شهدت الجزائر مؤخرا نشاطا ملحوظا مع القارة الأوروبية، مستفيدة من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، ناهيك عن الشروع في استغلال ثروات هامة على غرار الحديد والفوسفات (احتياطات عالمية)، وفتح شبكة مواصلات قاريّة مثل الطريق العابر للصحراء الأفريقية ودخول منطقة أفريقيا الحرة، وإطلاق مشروع ميناء الحمدانية في إطار “طريق الحرير”، لربط القارّة بالضفة الشمالية للمتوسط.
مرشحة بكفاءة للاندماج
وقال رئيس الجمعية الوطنية للمستشارين الجبائيين بوبكر سلامي إن البريكس قوة عالمية لا يستهان بها وفق المعطيات الاقتصادية، إذ إنّ معدل نمو المبادلات التجارية بين مجموع دولها بلغ من 2014 إلى 2017 نسبة 17%، في حين شكّل متوسط النمو مقارنة بالمعدل العالمي 23%، بارتفاع قارب نصف معدل الارتفاع العالمي خلال 10 سنوات، مع ناتج داخلي خام يوازي 25% من الناتج العالمي.
وأشار سلامي في تصريح للجزيرة نت إلى أن البريكس تصدر 24% من صادرات العالم و40% من الطاقة، في وقت يقارب فيه عدد سكانها 40% (3 مليارات نسمة) من مجموع سكان العالم، يعيشون فوق ثلث اليابسة، كما أنها أنشأت “البنك الجديد للتنمية” لتحقيق توازن في السياسة النقدية والمالية العالمية.
تلك المعطيات جعلت من البريكس قوة اقتصادية وجيوإستراتيجية وديمغرافية واعدة بوتيرة نموّ متصاعدة، يمثل الانتماء إليها حلم دول كثيرة، مؤكدا بهذا الصدد أنّ الجزائر تثير اهتمام روسيا والصين، بصفتها ثاني دولة لإنتاج النفط في أفريقيا بقدرة تصدير تصل 1.4 مليار برميل سنويا، بفضل شركة سوناطراك التي تحتل المرتبة 12 عالميا، حسب ترتيب “إيكونوميست” (The Economist) البريطانية، ويرأسها رابع أحسن مدير عام في أفريقيا والشرق الأوسط، حسب مجلة “فوربس” (Forbes).
كما تحتل الجزائر مرتبة متقدمة من حيث القوة العسكرية والإنفاق على الدفاع، حسب إحصائيات المعهد الدولي للأبحاث في مجال الأمن بستوكهولم، إضافة إلى حجم احتياطي صرف يضعها في المرتبة الثانية أفريقيًّا.
وتعدّ الجزائر تاريخيا من الداعين لإقامة نظام مالي واقتصادي جديد (عادل) لحماية الدول السائرة في طريق النمو، وكذا إصلاح قواعد عمل مجلس الأمن والأمم المتحدة ومراجعة المعاهدة مع الاتحاد الأوروبي.
كل تلك المميزات المختلفة الأبعاد والقدرات تجعل من الجزائر مرشحا بكفاءة لاجتياز حاجز القبول بالمجموعة، من وجهة نظر الخبير سلامي.
نقطة وصل تجارية وإستراتيجية
ومن جهته، أكد أستاذ المالية والبنوك بجامعة محافظة البويرة مصطفى بوبكر أن الجزائر لها تعاون اقتصادي وروابط تجارية قوية مع البريكس، خاصة مع الصين التي وقعت معها عام 2019 على اتفاقيات مهمة للتعاون الإستراتيجي والاقتصادي والتجاري، في إطار “مبادرة الحزام والطريق”.
وأشار في تصريح للجزيرة نت إلى إنشاء ميناء الحمدانية (أكبر ميناء في شمال أفريقيا) تمهيدا لتفعيل خط الحرير، وكذلك الشراكة بقطاعات البناء والطاقة والتجارة، إذ تبلغ استثمارات الصين بالجزائر 10 مليارات دولار، والتبادل التجاري في حدود 9 مليارات دولار.
وأشار مصطفى بوبكر إلى اتفاقات إستراتيجية أخرى على غرار استغلال الصين ثالث احتياطي عالمي للحديد في غار جبيلات (جنوبي غربي الجزائر)، والتعاون في المجال العسكري والطاقة مع روسيا، إضافة إلى تقاطع مواقف الجزائر السياسية مع دول التكتل في عدة قضايا.
ويعتقد بوبكر أن موقع الجزائر الإستراتيجي يسمح لها بأن تكون من أهم دول البريكس، فروسيا في الشمال والصين في الشرق والبرازيل في الغرب وجنوب أفريقيا في الجنوب والجزائر في المركز، لتشكل نقطة وصل تجارية وإستراتيجية تساهم بشكل كبير في تسهيل التجارة والشحن والاستثمار ورسوّ السفن والطائرات وتزويدها بالوقود في كل اتجاهات القارات الخمس.
بالمقابل، يشدد الأكاديمي مصطفى بوبكر على استكمال تهيئة مناخ الاستثمار في الجزائر بإزالة العوائق البيروقراطية، وتحسين مؤشر الشفافية (المرتبة 86 دوليّا)، وتقوية البنية التحتية، مع تحفيز القطاع الخاص أكثر، وتفعيل بورصة الجزائر للتداول، وتحرير التجارة الخارجية، إضافة إلى تشجيع الاستثمار في مجالات الطاقة والمحروقات والمعادن من أجل اقتصاد تنافسي، يحقق التكامل مع دول البريكس.
ويرى المتحدث أن الاندماج في التكتل فرصة أسهل وأفضل للجزائر “مقارنة مع مفاوضات منظمة التجارة العالمية المتعثّرة، وكذا الخضوع لشروط الشراكة الأوروبية المجحفة”، إذ أن الاقتصاد الجزائري مشابه تقريبًا لهيكل اقتصادات المجموعة.
“مجموعة G20” في آفاق 2035
ومن جانبه، يجزم عضو لجنة المالية بالبرلمان بريش عبد القادر بقدرة الجزائر على الانضمام إلى البريكس، “خاصة بعد التطورات الجيوسياسية التي يمر بها العالم حاليا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وما بعد انتهاء جائحة كورونا”.
وقال بريش، الخبير الدولي، إن ما يمنح الجزائر الأفضلية هو إمكانات البلاد، خاصة في الطاقة والمناجم وقطاعات واعدة أخرى، وفي ظل الإصلاحات الاقتصادية القائمة، مع إرادتها تنويع شركائها والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية.
وثمّن بريش الاستقرار المالي في الجزائر، في ظل مستوى مقبول من احتياطي الصرف والتوازن الخارجي الإيجابي، مع عدم وجود عبء الدين الخارجي مقابل دين داخلي متحكم فيه (ما يقارب 40% من الناتج الداخلي الإجمالي المقدّر بـ170 مليار دولار)، وهي “كلها مؤهلات تتيح لها الانضمام إلى البريكس”.
ويرى برّيش أن تسويق صورة الجزائر ضمن مجموعة الدول الناشئة، سيكون له بُعد جيوسياسي مهمّ في تموقعها، بما يضمن لها التوازن في العلاقات الدولية مع حلفاء إستراتيجيين.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن الجزائر ستستفيد من تعميق الشراكة وزيادة المبادلات التجارية مع دول التكتّل واستقطاب الاستثمارات الأجنبية منها ونقل التكنولوجيا.
وبإمكان الجزائر بعد الانضمام للبريكس واستكمال مسار الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية ومضاعفة صادراتها خارج المحروقات، أن ترفع سقف طموحها للالتحاق بمجموعة العشرين “جي20” (G20) في آفاق 2035، على حد تعبيره.
أما بخصوص موقف الشريكين الأوروبي والأميركي، فعقّب المحلل فيقول إن “الجزائر تسعى أصلا إلى إعادة النظر في بنود الاتفاق مع الاتحاد الأوربي، على أساس شراكة إستراتيجية وقاعدة رابح- رابح”.
في حين يؤكد في الجانب الآخر على تطور العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة بالنظر إلى التنافس الدولي وحالة الاستقطاب التي سيحدثها انضمام الجزائر إلى البريكس، إذ “ستعمل كل دولة من أجل المحافظة على حصتها في السوق الجزائرية”.