خطة “خلد” لتهجير الفلسطينيين.. بروتوكولات إسرائيلية سرية تكشف كواليس مذبحة كفر قاسم
القدس المحتلة – في الوقت الذي تتطلع فيه الجماهير الفلسطينية داخل الخط الأخضر لإحياء الذكرى الـ66 لمذبحة كفر قاسم التي استشهد فيها 49 فلسطينيا، سمحت محكمة الاستئناف العسكرية الإسرائيلية بنشر بروتوكولات سرية وشهادات تتعلق بالمجزرة التي نفذتها فرقة من حرس الحدود يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 1956.
ويأتي السماح بنشر وثائق ومداولات سرية وبروتوكولات لجنة التحقيق الإسرائيلية والمحكمة العسكرية والقرائن والشهادات بشأن كواليس المجزرة، بعد مداولات استمرت 5 سنوات في الاستئناف الذي تقدم به معهد “عكيفوت” لبحث الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
واستجابت المحكمة العسكرية الإسرائيلية لاستئناف المعهد، وسمحت بنشر مئات الوثائق السرية التي حصلت الجزيرة نت على نسخة منها، إذ تتضمن إفادات وشهادات ضباط وجنود شاركوا في ارتكاب المجزرة، وكانوا على درية بخطة “خلد” الهادفة لطرد المواطنين العرب من بلدات المثلث، وتهجيرهم إلى الضفة الغربية، التي كانت -آنذاك- تحت الحكم الأردني.
طي الكتمان
ويواصل مقدّم الاستئناف المؤرخ الإسرائيلي أدام راز العمل من أجل نشر آلاف الوثائق التي ما زالت محظورة من النشر، علما أن الوثائق التي سُمح بنشرها تتعلق بالضباط والجنود على المستوى الميداني، في حين لا يزال دور كبار القيادات العسكرية والسياسية بالمجزرة طي الكتمان.
وقال المؤرخ راز -في حديث للجزيرة نت- إن الكشف عن وثائق جديدة وبروتوكولات سرية حول مجزرة كفر قاسم أمرٌ في غاية الأهمية، ليعرف الجمهور حقيقة ما حصل، خصوصا أنه تم عقد محكمة شكلية تم خلالها محاكمة 11 ضابطا وجنديا إسرائيليا بشكل صوري.
وأشار المؤرخ الإسرائيلي -الذي كان له دور أيضا في الكشف عن وثائق وجمع إفادات بشأن مجزرة الطنطورة- إلى أن المحكمة العسكرية سمحت بنشر ورفع السرية عن 350 صفحة حول مجزرة كفر قاسم تتعلق بشهادات ضباط وجنود ميدانيين، إذ وثقت هذه الإفادات والشهادات خلال مداولات لجنة التحقيق السرية أحداث المجزرة والمحكمة العسكرية.
ويعتقد المؤرخ الإسرائيلي أن التكتم على الوثائق والشهادات، والإبقاء على البروتوكولات تحت غطاء من السرية لمدة 66 عاما، يوحيان بأن المؤسسة الإسرائيلية غير معنية بأن يعرف ويطلع الجمهور على الحقائق ويعرف تفاصيل المجزرة والحقيقة.
وأشار راز إلى أن أحداث مجزرة كفر قاسم من أبرز الأحداث في تاريخ إسرائيل، التي تعتبر المجزرة خطأ ارتكبه بعض الضباط والجنود الذين تمت محاكمتهم بشكل صوري، إذ ما زالت الدوائر الإسرائيلية الرسمية تتكتم على المجزرة التي كانت جزءا لا يتجزأ من خطة “خلد” لتهجير الفلسطينيين في منطقة المثلث خلال العدوان الثلاثي على مصر.
خطة “خلد”
وتكرر تداول مصطلح خطة “خلد” خلال الإفادات والشهادات والوثائق التي رُفعت السرية عنها، وهو المصطلح الذي تم تداوله في أروقة المؤسسة الإسرائيلية سواء السياسية أو العسكرية.
وكُشف النقاب -من خلال شهادة تسفي تسور قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي في تلك الفترة- عن الربط بين مجزرة كفر قاسم وتهجير المواطنين العرب من المثلث، قائلا إنه “في حال نشوب حرب مع الأردن ستنظر إسرائيل بعين الرضا إلى المواطنين العرب وهم يتخطون الحدود”.
ولتنفيذ خطة “خلد” لتهجير الفلسطينيين في منطقة المثلث -التي كانت تخضع للحكم العسكري منذ تأسيس إسرائيل حتى 1965- إلى الضفة، التي كانت تحت حكم الأردن، قرر قائد حرس الحدود بالمنطقة يسسخار شيدمي تبكير سريان حظر التجول من الساعة التاسعة مساء إلى الساعة الخامسة مساء، لكن من دون الإعلان عن ذلك بشكل رسمي.
ومن خلال قرار حظر التجول غير المعلن، كان واضحا أنه لم يكن قد عاد جميع المواطنين العرب من أعمالهم وحقولهم إلى بلداتهم، وعند عودتهم أطلقت القوة العسكرية الإسرائيلية النار عليهم وقتلتهم بزعم خرق حظر التجول والوجود خارج المنازل، وهذا ما أكده شيدمي.
ويستدل من البروتوكولات السرية وإفادات الضباط والجنود أن الرصاصة الأولى التي أطلقها الضابط شالوم بن بوردو كانت بمثابة الضوء الأخضر الذي أعطى الأوامر لعناصر حرس الحدود لإطلاق النار على العرب. وقد أُطلقت النيران بشكل عشوائي، وارتكبت المجزرة في 9 مواقع ومناطق بالبلدة ومحيطها.
اعترافات الجنود
ويتبيّن من البروتوكولات أنه بعد مرور دقيقة بعد الخامسة مساءً أطلق عناصر حرس الحدود النار على مواطنين في كفر قاسم كانوا في أرضهم ومتجهين إلى منازلهم.
وفي إفادته، قال شالوم بن بوردو ضابط الوحدة العسكرية التي كانت موجودة عند المدخل الشمالي لكفر قاسم، “أطلقنا النار صوب نساء من البلدة أردن تعبئة الجرار من بئر المياه، وطالبناهن بالدخول إلى المنازل بسبب حظر التجول”.
وبعد لحظات، تم استهداف رجل وفتى كانا في طريق العودة للمنزل بعد يوم عمل، بالإضافة إلى طفل كان ذاهبا لتبليغ أقارب له يرعون الماشية أنه تم تبكير حظر التجوال وأن عليكم العودة للمنازل.
وفي التفاصيل، فقد أطلق عناصر كتيبة الضابط بن بوردو 12 رصاصة صوبهم، فقُتل الرجل والفتى، بينما أصيب الطفل ولاذ بالفرار، وفقا للجندي هاري رويطمان الذي اعترف بمشاركته بإطلاق النار صوب الفلسطينيين من كفر قاسم.
ويستدل من البروتوكولات ومداولات المحكمة العسكرية السرية أن الضابط بن بوردو وبعض جنوده برروا إطلاق الرصاص الحي صوب المواطنين في الجهة الشمالية لكفر قاسم بعد دقائق معدودة من سريان حظر التجول، بمحاولة هؤلاء العرب الفرار والهرب.
هذه المزاعم فنّدها جندي من أصول شركسية يدعى إسماعيل عبد الرحمن، الذي لم يطلق النار ولم يرد في شهادته السرية أي ذكر للمزاعم بأن العرب حاولوا الهرب، مؤكدا أن بن بوردو وبعض الجنود أطلقوا النار على مجوعة من المواطنين وأصابوا 3 عرب.
وفي الجهة الغربية من كفر قاسم، ترجّلت مجموعة من 4 رجال كانوا في طريقهم إلى منازلهم بعد انتهاء عملهم في حقولهم الزراعية، ولم يعرفوا عن تبكير حظر التجول، وأُطلقت عليهم النيران.
وأظهرت اعترافات الجنود والضابط في المنطقة في البروتوكولات والشهادات السرية، أن مجموعة من الرجال لم يعرفوا عن حظر التجول شيئا، وعلى الرغم من ذلك تم إطلاق النار صوبهم من دون سابق إنذار، مما أدى إلى مقتل شابين وإصابة آخرين نجحا في التستر بين الصبار، في حين أكدت المحكمة أن الرجال كانوا مسالمين، ولم يكن هناك أي مبرر لاستهدافهم بالنار.
قتل عمد
وفي إفادة تفنّد مزاعم عناصر شرطة حرس الحدود وتؤكد تعمّد إسرائيل ارتكاب مجزرة في كفر قاسم، أكد محمود فريج من كفر قاسم -في إفادته أمام قسم التحقيق مع أفراد الشرطة في وزارة القضاء الإسرائيلية عقب المجزرة- أنه كان موجودا مع شبان بالجهة الغربية للبلدة قبيل بدء حظر التجوال غير المعلن بنحو ربع ساعة عند الساعة 16:45، أي قبل ربع ساعة فقط، مؤكدا أنه استطاع -رغم إصابته- الاختفاء والتستر مع قطيع ماشية عاد للبلدة دون صاحبه الذي قتل بالرصاص الإسرائيلي.
وأوضح فريج أن عناصر حرس الحدود الإسرائيلي أطلقوا النار صوب المواطنين بشكل عشوائي ومن مسافة 5 أمتار فقط، وأوقعوا قتلى وجرحى، كما أطلق عناصر الشرطة النار صوب مركبة عمل توقفت عند المدخل الغربي للبلدة.
وكشفت بروتوكولات المحكمة العسكرية المركزية في القدس اعتراف أحد ضباط سرية في حرس الحدود، ويدعى حاييم ليفي، بأن قائد الكتيبة في حرس الحدود بمنطقة المثلث شموئيل ملينكي أبلغه أن خطة “خلد” السرية لتشريد وتهجير العرب ملغاة، وأنه توجد خطة جديدة، في إشارة إلى أوامر إطلاق النار بذريعة حظر التجول.
ويستدل من إفادة الضابط ليفي أمام المحكمة العسكرية أن القائد العسكري ملينكي أبلغه بشكل واضح أنه “يرغب في سقوط أكبر عدد من القتلى العرب”.
وبرر ليفي أمام المحكمة مطلب وأقوال ملينكي بالقول “فهمت كغيري من الضباط أنه هكذا ينبغي أن يكون، وأن هذه هي السياسة والأوامر، وقيل إن أي أحد يشاهد خلال حظر التجوال يُقتل، وهذا ما فهمته من الأمر العسكري الصادر”.