الاخبار العاجلةسياسة

عام على حكم طالبان.. كيف تنظر باكستان للعلاقة مع الجارة الشمالية؟

إسلام آباد- شكلت سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان منعطفاً هاماً، بالنسبة لباكستان المجاورة، بعد إسقاط حكومة أشرف غني التي كانت على خلاف مع القيادة في إسلام آباد، وصعود طالبان المقربة من المؤسسة العسكرية والأمنية الباكستانية، وتجدد الآمال بإنهاء تمرد حركة طالبان الباكستانية المناهضة للحكومة في إسلام آباد.

وكانت إسلام آباد تأمل بأن تضغط طالبان الأفغانية على نظيرتها في باكستان لوقف هجماتها في الأراضي الباكستانية، وخاصة منطقة إقليم القبائل الذي لا تزال تنشط فيه بعض المجموعات المقاتلة لطالبان الباكستانية، بالإضافة إلى الضغط عليها لقبول شروط إسلام آباد وتقديم تنازلات لعقد اتفاق ينهي حالة الصراع بين الطرفين.

الآن وبعد عام على سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، لم يتحقق أي من الآمال الباكستانية، حيث لا تزال الهجمات مستمرة في منطقة القبائل وإقليم خيبر بختونخوا، ولا يزال عدم الاستقرار الأمني يثير قلق المواطنين هناك، ويثير قلق القيادة السياسية للبلاد.

قلق برلماني واستياء شعبي

في جلسة للبرلمان الباكستاني الأربعاء الماضي، حذر برلمانيون من ضمنهم وزير الدفاع خواجة آصف من تزايد المشاعر المعادية لطالبان الباكستانية في إقليم خيبر بختونخوا، وقال إن حالة القانون والنظام تزداد سوءاً في المقاطعة.

من جهته، قال محسن دوار النائب المستقل من المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية سابقا (FATA) إن الإرهاب يتصاعد في خيبر بختونخوا بعد وصول طالبان في أفغانستان.

وفي سياق حديثه في البرلمان، سخر دوار من احتجاج قيادة حزب الإنصاف في الإقليم ضد طالبان الباكستانية، مشيراً إلى أن حكومة الحزب السابقة كانت قد رحبت بتولي طالبان الأفغانية السلطة في أفغانستان العام الماضي. كما انتقد “عدم جدية” السلطات في معالجة تصاعد “الإرهاب” في الإقليم.

في هذه الأثناء، لا تزال الأوضاع في “خيبر بختونخوا” غير مستقرة، وبشكل خاص منطقة القبائل، حيث شهد الإقليم عددا من الهجمات خلال الفترة الماضية، مما دفع المواطنين هناك للخروج في مظاهرات ضد طالبان الباكستانية، واستياء من الوضع الأمني.

فعلى مدار الشهر الماضي، شهدت مناطق في خيبر بختونخوا مثل دير وسوات وغلام خان احتجاجات مطالبة بالسلام والحماية، وقاموا بإغلاق بعض المنافذ التجارية بين البلدين.

الحوار مع طالبان الباكستانية

يتزايد القلق في “خيبر بختونخوا” مقارنة بالأقاليم الباكستانية الأخرى، نظرا لمحاذاته المباشرة لأفغانستان، وانتماء قيادة ومقاتلي طالبان الباكستانية إلى الإقليم، مما يجعل عودة أولئك المقاتلين إلى الإقليم أثناء وبعد المحادثات بين إسلام آباد وطالبان الباكستانية ممكنا.

في هذا السياق، شهدت سوات والمناطق المحيطة بها احتجاجات ضد العودة المزعومة للمسلحين إلى الجبال بمنطقة سوات، وتعهدوا بعدم التسامح مع “التشدد” تحت أي ظرف. ويأتي ذلك على خلفية اختطاف 4 من رجال الشرطة في سوات، وتفجير مركبة لنائب إقليمي في “خيبر بختونخوا” تابع لحزب الإنصاف.

وعلى مستوى شعبي أوسع، كان في السابق رفض من قبل الأحزاب السياسية الباكستانية للمفاوضات بين الحكومة وطالبان الباكستانية، حيث اعتبرت بعض الأحزاب بأن المفاوضات مع هذه الحركة تفريط في دماء الضحايا الباكستانيين.

خيبة أمل كبيرة

يعتقد الصحفي والباحث السياسي الباكستاني ضياء الرحمن -في مقالة تحليلية على موقع إذاعة (Voice of America)- أن الآمال كانت كبيرة في أن عودة طالبان المفاجئة للسلطة ستقوي العلاقات الثنائية مع أفغانستان، لا سيما بالنظر إلى الدور الباكستاني الحاسم في إقناع أميركا وطالبان بالتفاوض بشأن إستراتيجية خروج “مشرفة” لواشنطن.

ويستطرد الباحث السياسي: لكن بعد عام واحد، تضاءل الحماس لحكم طالبان إلى حد كبير بين معظم الباكستانيين الذين أيدوه.

ويقول أيضا إن انتصار طالبان لم يعمل على تشجيع حركة طالبان باكستان على تكثيف “تمردها” ضد إسلام آباد فحسب، وإنما أعطتها الثقة لتوقع معاملة أكثر احتراما من إسلام آباد والتي توازي معاملة الولايات المتحدة تجاه طالبان الأفغانية.

ويضيف الصحفي بأن الاشتباكات الحدودية والضربات الجوية الباكستانية غير المسبوقة داخل أفغانستان أدت إلى تفاقم العلاقات بين إسلام آباد وطالبان الأفغانية.

في المقابل، يعتقد طاهر خان المحلل السياسي المختص بالشأن الأفغاني والعلاقات الباكستانية الأفغانية بأن الجيش الباكستاني سيكون ممتنا لطالبان الأفغانية على استضافة المحادثات وتسهيلها والتوسط فيها في كابل.

حكيم الله مسيد, مؤسس حركة طالبان باكستان الصور من مواقع التواصل الاجتماعي.
مؤسس حركة طالبان باكستان حكيم الله محسود (مواقع التواصل)

لكن في نفس الوقت، يقول طاهر خان -في حديث للجزيرة نت- إنه لا يعتقد أن طالبان الأفغانية ستمارس أي ضغط على نظيرتها الباكستانية لقبول مطالب إسلام آباد، لكنها ستحاول إقناعها بالمضي بالعملية إلى الأمام.

ولدى سؤاله عما إذا كانت هناك خيبة أمل في باكستان من حكم طالبان في أفغانستان، يجيب المحلل السياسي بأنه لا يوجد تغيير في سياسة إسلام آباد تجاه أفغانستان الآن، وتقريباً نفس السياسة التي تبناها عمران خان.

ويضيف بأن باكستان من بين الدول القليلة التي تطالب بإلغاء تجميد الأموال الأفغانية، وحتى الآن تعارض الضغط على طالبان من أجل شمولية حكومتها.

ومن جانب آخر، يقول الفريق المتقاعد وزير الدفاع الباكستاني السابق نعيم خالد لودهي، في حديث خاص للجزيرة نت، إن هناك خيبة أمل من كلا الطرفين تجاه بعضهما البعض، فمن جهة توقعت الحكومة الأفغانية أن تقود باكستان مهمة إضفاء الشرعية على النظام الجديد من خلال صياغة إجماع بين الصين وإيران وروسيا وتركيا وبعض الدول الإقليمية للاعتراف بنظام طالبان.

ويضيف “بدلا من ذلك، انضمت باكستان إلى المطالب الدولية لحكومة شاملة وتعليم المرأة وما إلى ذلك. ومن جهة أخرى توقعت باكستان أيضاً أن المنظمات الإرهابية مثل طالبان الباكستانية وجيش تحرير بلوشستان وغيرها التي يتم إيواؤها في أفغانستان لن تجد مساحة لمواصلة أنشطتها ضد باكستان انطلاقا من الأراضي الأفغانية”. ويضيف “طالبان الأفغانية لم تبذل أي محاولات فعالة وجديرة بالاهتمام في هذا السياق”.

000 Par2518130
حركة طالبان باكستان تشكل أهم ملف في توتر العلاقة بين إسلام آباد وطالبان أفغانستان (الفرنسية)

مفاوضات متعثرة ومطالب عالقة

على الرغم من استمرار المفاوضات بين إسلام آباد وطالبان الباكستانية لعدة أشهر، فلم تحدث أي اختراق فعلي حتى الآن، وترى بعض الأوساط الحكومية والإعلامية في البلاد بأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، بعد أن رفضت الحركة التراجع عن مطالبها بإلغاء اندماج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية سابقا مع خيبر بختونخوا، كما ترفض إلقاء السلاح في حال التوصل إلى اتفاق مع الحكومة.

وفي هذا السياق، يقول الجنرال إنه بالرغم من رعاية طالبان الأفغانية للمفاوضات، فإنها فشلت بسبب عناد طالبان الباكستانية والمطالبة بشروط شبه مستحيلة. ويضيف “الجيش الباكستاني والحكومة الحالية أظهرا ضبط النفس وناقشا تقدم مفاوضات السلام خلال اجتماع في جلسة مغلقة للجنة برلمانية كبيرة”.

ووفقا لنفس المصدر، فإن التغيير السياسي في باكستان، وعودة النفوذ الأميركي، كان له أيضا تأثير سلبي على سير المفاوضات. ويضيف بأنه من الواضح تماما أن وجود عدة أحزاب بالحكومة الحالية لن يسمح بأي تقدم في المفاوضات مع طالبان الباكستانية، وكذلك في تعميق العلاقات مع نظام طالبان أفغانستان، كما أن عودة النفوذ الأميركي لن يسمح بذلك.

ويختم الفريق المتقاعد قائلا” في تقديري المتواضع، ما لم يكن هناك تغيير كبير في الوضع السياسي في باكستان، فإن نجاح المفاوضات مع طالبان الباكستانية والعلاقات الجيدة مع الحكومة الأفغانية سيظل بعيد المنال. لذا يجب على القوات المسلحة الباكستانية أن تستعد لاستمرار الاضطرابات الداخلية”.

ويعود المختص بالعلاقات الباكستانية الأفغانية طاهر خان فيقول: ستحصل المؤسسة على الموافقة النهائية من الحكومة وعلى الأرجح من البرلمان عندما يتوصل الطرفان إلى أي اتفاق، لكن الوصول إلى هذه المرحلة سيستغرق مزيدا من الوقت حيث لم يتم اتخاذ قرار بعد بشأن مطالب طالبان الباكستانية.

ويختم بأنه في باكستان، يكون “دور القيادة السياسية المتعلقة بأفغانستان دائما أقل، فالمؤسسة الأمنية تقليديا لها دور رئيسي في الشؤون الأفغانية”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى