الاخبار العاجلةسياسة

أحبّت الخزامى والشاي واستشهدت جائعة.. تفاصيل لا تعرفها عن شيرين أبو عاقلة

القدس المحتلة- منذ 100 يوم لم تتلقّ لينا أبو عاقلة رسائل من عمتها “شوشو” كما اعتادت أن تناديها، ترن عليها فور استيقاظها بدون رد، فقد كانت تتواصل معها في غربتها يوميا لكن اغتيالها غيّر كل شيء، و”كأن الاغتيال حدث في الأمس، وأحيانا كأن 100 عام مضت” على غيابها.

ما يزال بيت الشهيدة في بلدة بيت حنينا بالقدس المحتلة كما تركته، تداوم عائلتها على ري أزهارها التي اعتنت بها دوما. وما يزال كلبها (فلفل) ينتظرها بترقّب، ويشمّ حقائبها التي عادت بدونها من جنين. بينما تحرص العائلة على عدم التلفظ باسمها كي لا يتأهب فلفل المرتاب منذ رحيلها.

5-لينا أبو عاقلة ابنة شقيق شيرين أبو عاقلة(الجزيرة نت)
لينا ابنة شقيق شيرين أبو عاقلة (الجزيرة)

تحب الخزامى والأقراط المستديرة

تفتقد لينا (27 عاما) ابنة شقيق شيرين الوحيد، وعمّتها المقربة، وبالأكثر هدوءها ومرحها، وتشتاق إلى سفر مشترك تتسوقان فيه معا كما اعتادتا. فاهتمام شيرين بهندامها وتقارب ذوقها مع لينا زاد من صلتهما، ووطدته أكثر الحكايا التي كانت ترويها العمة من ذاكرة أيامها الممتلئة بالأحداث.

رغم ألمها، تتماسك لينا وتتحدث للجزيرة نت بصوت رزين كأنها حازت كثيرا من طباع عمّتها، وتكمل وصفها قائلة “كانت تحب الألوان الهادئة، وتطلب مني أن أبحث لها عن قمصان بلون وتصميم رزين يليق بالشاشة. كنت أحتار عند شراء هدية لها، لكن الاختيار كان يقع غالبا على أقراط مستديرة، فهي تحبها جدا ولا تملّ من ارتدائها”.

تصمت قليلا، ثم تضيف بابتسامة حزينة “كانت شوشو امرأة صباحية رياضية نشيطة، تعشق رائحة الخُزامى، شغوفة بتعلم كل جديد، تتقن الإنجليزية والفرنسية، وغادرت الدنيا وهي في طور تعلّم العبرية”.

مدير مكتب الجزيرة بفلسطين العمري لم يتلق أي شكوى ضد شيرين خلال 25 عاما (الجزيرة)

لم ترفض تكليفا يوما

أما عائلة شيرين الثانية، فكانت في مكتب قناة الجزيرة بمدينة رام الله شمال القدس، وهناك احتلت صورها المكان منذ استشهادها: ترافق الزائر يومياتها في الميدان منذ دخول البناية وصولا إلى مكتبها الذي امتلأ بأكاليل الورد والصور والشموع العطرة المضاءة منذ 100 يوم.

التقت الجزيرة نت مدير مكتب قناة الجزيرة في فلسطين وليد العمري، الذي يلاصق مكتبه مكتب شيرين. يقول إنها مراسلة الجزيرة الوحيدة التي حظيت بمكتب مستقل في فلسطين، فهي كما قال “مراسلة كبيرة وذات موقع مهم وكانت تنوب عني خلال سفري، كانت المسطرة التي أقيس بها طاقمنا أخلاقيا ومهنيا”.

كما في كل حديث عنها، يبث العمري ثناء صادقا لشيرين، ويمتدحها بكلمات يتمناها كل موظف من مديره. ويقول “كانت الأخت والصديقة والمعلمة على مدار 25 عاما، ميزها صوتها الهادئ، لم ترفض مهمة يوما رغم خطورتها أو تقاطعها مع إجازتها، لم أتلق أي انتقاد أو شكوى عليها من الإدارة في الدوحة أو زملائها هنا أو المواطنين في الشارع.. عندما اغتيلت كانت في ذروة عطائها وتألقها المهني”.

اقرأ ايضاً
ماذا يعني إعلان حالة الحرب في إسرائيل؟

شخصية جامعة

يسترسل مدير مكتب الجزيرة الذي فقد أهم موظفيه قائلا “كانت شيرين محطّ إجماع وحب كل من عرفها، متواضعة غير متحيزة لأي فصيل سياسي، وبدا هذا في جنازتها التي اعتبرت من أكبر جنازات النخبة الفلسطينية بعد الشهيد عبد القادر الحسيني وابنه فيصل في القدس، حتى أن أجراس الكنائس من كافة الطوائف وأذان المساجد اتحدا سويا خلال جنازتها”.

يضيف العمري “أثناء عودتنا بجثمانها من جنين، قالت لي زميلتها جيفارا البديري باكية (كنا نقدم شيرين إليك لتتحدث باسمنا، ماذا سنفعل الآن؟) فأجبتها (لقد أمسيتم أيتاما)”.

زميل شيرين المصور بنورة: لا أستطيع التقاط الصور بجانبها وهي شهيدة (الجزيرة)

استشهدت وهي جائعة

بدا التأثر جليا على المصوّر الصحفي مجدي بنورة، الذي عمل مع شيرين 25 عاما، وصوّر تقريرها الأول بالقدس والأخير في جنين، ووثقت عدسته لحظة استشهادها.

يعود بنورة بذاكرته إلى قبل 100 يوم، قائلا للجزيرة نت إنه لم يستطع اجتياز الصدمة بعد، ويضيف “ما زلت أسمع صوت الرصاص قبل أن تتركني، وجملتها الأخيرة (مش رح نطول بدنا نرجع نفطر) لقد استشهدت وهي جائعة”.

ويتفق المصور مع كل من سبقوه حول تواضع شيرين ومهنيتها العالية، ويتابع بحنين” قضيت معها نصف عمري، امتازت بالهيبة والحضور في مختلف الميادين، رصينة متزنة، تحب التقارير الإنسانية وتحترفها، حتى إن الضيوف كانوا يتحدثون إليها براحة كأنهم يعرفونها منذ سنوات، كنت أفتخر أمام الناس بأنني أعمل معها”.

 

مكانها المفضل أصبح نصبا تذكاريا

“من أصغرنا إلى أكبرنا داخل المكتب نعاني من فراغ كبير، أراها في كل مكان، لنا ذكريات من النقب جنوبا حتى جنين شمالا” يقول بنورة ذلك ويستذكر باسما كيف كانت تخشى المرتفعات وترفض التصوير في شرفة المكتب العالية وتفضل النزول إلى الرصيف أمام البناية.

وللمصادفة فإن بلدية رام الله شيدت نصبا تذكاريا لشيرين بعد استشهادها في المكان ذاته التي فضلت التصوير عنده، وسمّت الشارع باسمها.

استأذنا بنورة لأخذ لقطة له مع صور الراحلة التي تملأ المكتب، لكنه اعتذر قائلا “صورها تخنقني، لا أستطيع التقاط الصور بجانبها وهي شهيدة، بعد أن اعتدتُ على التقاط الصور معها يوميا وهي على قيد الحياة”.

منتج الأخبار الزهيري أمام مكتب شيرين مفتقدا إطلالتها الصباحية المفعمة بالحياة (الجزيرة)

تفضل الشاي وتنشر الطاقة

وما زالت شيرين حاضرة أمام ناظريْ منتج الأخبار عمر الزهيري، حيث عمل معها 18 عاما، وكانت تجلس في المكتب المقابل له دائما.

يقول الزهيري للجزيرة نت إنه لا ينسى إطلالتها الصباحية اليومية المفعمة بالنشاط والتفاؤل، حيث اعتادت شرب الشاي مع شطيرتها المنزلية أو إعداد الفطور مع زملائها داخل المكتب.

يتأمل صور شيرين المحيطة ثم يكمل “كانت تعطينا قوة ودفعة وإبداعا في خضم عملنا المتعب، لم أقلق يوما أو أتوتر خلال عملي معها، كنت على ثقة تامة بها، أبهرتني بقدرتها على سرد المعلومات بسلاسة غير مخلّة، كنت أتعجب من قدرتها على الارتجال خلال ساعات من البث المباشر رغم شح المعلومات التي كنا نمدها بها أحيانا”.

شيرين مراسلة الجزيرة الوحيدة بفلسطين التي حظيت بمكتب مستقل (الجزيرة)
الشموع العطرة ما تزال مضاءة بمكتب شيرين منذ اغتيالها قبل 100 يوم (الجزيرة)



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى