الاخبار العاجلةسياسة

اغتيال شيرين أبو عاقلة.. هل تنجح إسرائيل في الإفلات من العقاب؟

القدس المحتلة- منذ اللحظات الأولى لاغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة برصاص جنودها في مخيم جنين، دأبت إسرائيل على تبديل الروايات بشأن ما حدث؛ سعيا لطمس الحقائق والامتناع عن فتح أي تحقيق، ومواجهة الرواية الفلسطينية بأن مراسلة الجزيرة قُتلت برصاص قناص إسرائيلي.

وتواصل تل أبيب مساعيها لتحصين جنودها وإخراجهم من دائرة الاتهام برفضها فتح تحقيق أو التعاون مع أي جهد دولي بهذا الخصوص، والاكتفاء بإجراء فحص من قبل النيابة العسكرية الإسرائيلية من دون الإعلان عن النتائج؛ في حالة تعكس نهجها في التعامل مع ملفات مقتل الصحفيين الفلسطينيين خلال عملهم في الأراضي المحتلة.

بين السنوات 2002 و2022، فتحت النيابة العسكرية الإسرائيلية تحقيقات في مقتل 22 صحفيا، منهم 18 صحفيا فلسطيني الجنسية قُتلوا بالرصاص الإسرائيلي أثناء تغطيتهم المواجهات مع الفلسطينيين، ومن مجمل هذه الحالات يتضح أن 19 ملفا ما يزال التحقيق فيها متواصلا مع التكتم على مجرياته أو من دون التوصل إلى نتائج.

27826441
محاولة سحب جسد شيرين أبو عاقلة من موقع الاستهداف الإسرائيلي قبل إعلان استشهادها (الأناضول)

منح الغطاء لإسرائيل

وفي تقدير موقف لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)، بشأن مقتل الصحفية أبو عاقلة؛ فإن جميع التحقيقات لكبرى وسائل الإعلام الأجنبية، وكذلك تحقيق “بتسيلم”، أقرت بأن كل المؤشرات تدل على أن الرصاصة التي قتلت شيرين أطلقها جنود من جيش الاحتلال، كما أن التحقيقات أكدت عدم وجود مسلح فلسطيني بين الصحفيين والمركبات العسكرية الإسرائيلية.

وبشأن الرفض الإسرائيلي للفحص أو التعاون مع أي تحقيق بعد مرور أكثر من 100 يوم على جريمة اغتيال أبو عاقلة، يعتقد “بتسيلم” أن الموقف الأميركي ونتائج الفحص الباليستي الذي قال إنه “لا يمكن التوصل إلى استنتاج قاطع حول مصدر الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة بسبب وضعها والضرر الذي لحق بها”؛ منح إسرائيل القوة للتمسك بمزاعمها.

وأوضح “بتسيلم” أن الاستنتاج الأميركي -ومفاده أن مقتل الصحفية كان نتيجة “ظروف مأساوية”- مبني على نتائج التحقيق الإسرائيلي ليس إلا؛ وهو ما يضع واشنطن مجددا إلى جانب إسرائيل، حيث وفرت غطاء لتنصل تل أبيب من أية مسؤولية، كما ساعدتها في سد الطريق على أي مسعى لمحاسبة المتورطين، ودعمت طمس الحقائق في مقتل شيرين.

دعم أميركي لمواجهة لاهاي

واعتمادا على الموقف الأميركي، تقول الباحثة في معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب المحامية بنينا شربيت باروخ “لا ينبغي أن تؤدي قضية أبو عاقلة إلى تحقيق مع إسرائيل في محكمة العدل الدولية لاهاي، إذ يبدو وبعد التحقيق الأميركي الأوّلي أن الإجراءات في المحكمة الجنائية الدولية ضد الجيش الإسرائيلي في هذه القضية هي بعيدة وغير محتملة”.

وقالت باروخ إن “نتائج التحقيق التي توصلت إليها وزارة الخارجية الأميركية تشير إلى أنه لا يوجد أساس لتقرير تنفيذ إطلاق نار متعمد على الصحفية أبو عاقلة، خاصة الاستنتاج بأن مقتلها عن طريق الخطأ ومن دون قصد، وهو ما يفنّد الادعاء بارتكاب جريمة حرب في هذه القضية”.

وتعتقد المحامية أنه رغم أن التحقيق في مقتل شيرين مفتوح رسميا بالمحكمة الدولية، لكن لا يبدو أنه تحقيق نشط حاليا، لتركيز المدعي العام الجديد للمحكمة الجنائية كريم خان على تحقيقات أخرى، وعلى رأسها التحقيق في جرائم الحرب التي تحدث في إطار الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وعليه، يحظى التحقيق في قضية مقتل أبو عاقلة حاليا بأولوية منخفضة.

شيرين أبو عاقلة القاهرة
شيرين أبو عاقلة في مهمة إعلامية بالقاهرة (الجزيرة)

تخشى الإدانة بجرائم حرب

وفي سياق متابعة ملف اغتيال أبو عاقلة توجه المركز العربي للحريات الإعلامية والتنمية والبحوث (إعلام) في الناصرة إلى الشرطة العسكرية الإسرائيلية، بيد أنه لم يتلقَ إلى الآن أي رد.

اقرأ ايضاً
مؤسس السعودية فرض وجوده واقعاً سياسياً على إمبراطوريتين

وقام “إعلام” بإعداد تقرير مفصل بالواقعة وشهادات منها، مع نصوص القانون الدولي والتحقيقات في إسرائيل لأحداث مشابهة، وعمّم التقرير على الهيئات الدولية المختلفة التي تعنى بشؤون الصحفيين وسلامتهم في الميدان.

وأوضحت مديرة “إعلام” خلود مصالحة أن إسرائيل -ومن منطلق الحفاظ على صورتها عالميا وكجزء من حملتها الدعائية بأنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تحترم حرية الصحافة- تقوم بفتح تحقيقات إلا أن “المماطلة” في أحسن الأحوال و”عدم التوصل لنتائج” هما القول الفصل لكافة تلك التحقيقات الصورية، كما في حالة أبو عاقلة.

وذكرت مصالحة للجزيرة نت أن إسرائيل ومنذ البداية امتنعت عن فتح أو حتى فحص ملابسات اغتيال أبو عاقلة حتى لا تضع نفسها في خانة الاشتباه، وعليه تخشى من تحقيق جدي حتى لا تتم إدانتها في جرائم حرب في كل ما يتعلق باستهداف واستشهاد عشرات الصحفيين الفلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي.

ولفتت إلى أن إسرائيل تدعى دائما أمام المجتمع الدولي، والأمر الذي شدد عليه رئيس الحكومة الحالي يائير لبيد -في مقالة حول مقتل أبو عاقلة بصحيفة “ول ستريت جورنال”- أنها الدولة التي تتذيل قائمة الدول التي يُقتل بها الصحفيون وفق المؤشرات العالمية، مقارنة بالمكسيك والعراق والفلبين وباكستان، بيد أن الحقائق تشير إلى أن مرتبة إسرائيل ترتفع إلى أعلى القائمة.

الجريمة بلا عقاب

ويقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الخليل بلال الشوبكي إن “سلطات الاحتلال وللأسف الشديد نجحت حتى هذه اللحظة في الإفلات من العقاب في ملف شيرين أبو عاقلة”.

وعزا الشوبكي في حديثه للجزيرة نت رفض الاحتلال التحقيق في ملف اغتيال شيرين والامتناع عن التعاون مع أي تحقيق، إلى الدعم الأميركي الذي حصلت عليه والموقف الغربي الخجول، وهو ما يعكس تراكمات من تجارب سابقة في كثير من الملفات بشأن الجرائم الإسرائيلية التي مورست بحق الشعب الفلسطيني من دون أن تواجَه بها إسرائيل دوليا.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن الدعم الأميركي والموقف الغربي تجاه اغتيال أبو عاقلة والمطلب بفتح تحقيق دولي من دون إلزام تل أبيب بنتائجه، وعدم تجريمها بجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني؛ شجع كل ذلك إسرائيل على مواصلة عدوانها على الفلسطينيين وبالتوازي مع ذلك تحصين ذاتها من أية مساءلة قانونية وتجميل صورتها دوليا.

النسخة الورقية للواشنطن بوست تنشر إعلانا على صفحة كاملة للمطالبة بالعدالة لشيرين أبو عاقلة
النسخة الورقية لواشنطن بوست تنشر إعلانا على صفحة كاملة للمطالبة بالعدالة لشيرين أبو عاقلة (مواقع التواصل)

الإنكار وتبديل الروايات

ويعتقد الشوبكي أن الدعم الأميركي والغربي لموقف إسرائيل والتناغم مع روايتها المزعومة وتبديلها والادعاء بأن الشهيدة ربما أصيبت عن طريق الخطأ برصاص فلسطيني؛ منح إسرائيل الفرصة لمواصلة المماطلة والامتناع عن الفحص أو التعاون مع أي تحقيق.

وفي ظل حالة الاطمئنان، يقول الشوبكي إن “إسرائيل تواصل الإنكار حتى لا تقف في موقع الاتهام والاشتباه، وتتكتم على أي معلومات تؤكد ضلوعها في اغتيال أبو عاقلة وتتنصل من أية مسؤولية وتسعى لتوجيه أصبع الاتهام للفلسطينيين”.

وعن مخاوف إسرائيل من أية تحقيقات جدية أو أية نتائج قد تدينها، يقول الشوبكي إن “إسرائيل تدرك أن شيرين أبو عاقلة ليست مجرد صحفية، بل كانت منذ الانتفاضة الثانية أحد المساهمين في الرواية والذاكرة الجماعية الحية للشعب الفلسطيني، وعليه تخشى إسرائيل مواجهة من شأنها أن تتجاوز الجغرافيا الفلسطينية التي مزقها الاحتلال، وكذلك استنهاض المساندين للقضية الفلسطينية حول العالم”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى