الاخبار العاجلةسياسة

مدخل مخيم جنين.. هكذا أصبح مزارا وشاهدا على جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة

جنين- بيد كان الشاب شريف العزب يرفع الحجارة ويعدل أكاليل الورد وبطاقات المؤازرة المتناثرة في مكان استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، وبأخرى يزيل ما علق من غبار فوق صورها ويافطات التعزية المعلقة والذي راكمته 100 يوم مرت على رحيلها.

هنا عند المدخل الغربي لمخيم جنين شمالي الضفة الغربية أو ما بات يعرف بـ”صرح الشهيدة شيرين أبو عاقلة” جاء الشاب العزب (21 عاما) برفقة صديقه سامي أبو عبيد وانشغلا بتنظيف المكان وتجميله أمام الزوار، وهو ما دأب العزب -الذي تربطه بشيرين ذكرى أليمة- على فعله كل حين.

وقبل 100 يوم وفي موقف وصف “بالبطولي” غامر العزب بالوصول إلى الشهيدة شيرين وهي تنازع لحظاتها الأخيرة، واستطاع رفعها بذراعيه النحيلتين وسحبها إلى سيارة الإسعاف على بعد نحو 15 مترا تحت زخات الرصاص المستمر، في محاولة لإنقاذها دون أن يعرفها.

عاش العزب مشهد الاستشهاد كاملا بثقله وصعوبته، ولم يُنسه هول ما حدث أناتها وهي مضرجة بدمائها التي أغرقت ملابسه، وكما قال فإنه أصبح متصلا روحا وجسدا بالمكان، وصار يزوره باستمرار.

6 15
شريف العزب الذي غامر بالوصول إلى شيرين أبو عاقلة بعد إصابتها في محاولة لإنقاذها (الجزيرة)

شيرين.. نبض المكان وذاكرته

ويقول العزب للجزيرة نت “في البيت أحتفظ بملابسي الغارقة بدماء شيرين في صندوق زجاجي، أحدهم دفع لي بها 50 غراما من الذهب فرفضت التفريط فيها”.

ولا ينقطع العزب عن زيارة مكان الاغتيال، سواء كشاهد وراوٍ لما جرى أم بتفقده وتنظيفه كما حال الكثيرين من أبناء جنين ومخيمها.

وهذا أيضا حال سامي أبو عبيد (رفيق العزب) الذي يقول إن شيرين حُفرت في ذاكرتهم وعاشت فيها منذ الصغر ونشؤوا على صوتها وصورتها، ولهذا يجيء إلى مكان استشهادها بين الحين والآخر ليستذكر الحدث.

ويقول أبو عبيد للجزيرة نت إن شيرين أحيت المكان باستشهادها، وصار ينبض بحكايتها للقاصي والداني “وسيظل كذلك حتى لو تغيرت معالمه بعد 100 عام وليس 100 يوم”.

13 2
المكان الذي اغتيلت فيه شيرين تحول إلى مزار (الجزيرة)

ومثل أبو عبيد وقف ماهر هلسي متسمرا أمام شجرة الخروب حيث استشهدت شيرين، وراح يتأمل المشهد كاملا، قبل أن يحفر اسمه على جذعها.

قطع هلسي وأصدقاء له عشرات الكيلومترات قادمين من مدينة القدس لزيارة الموقع، وقال إنه ينقش اسمه على الشجرة “لأظل أتذكر شيرين كلما زرت المكان، ويبقى اسمي حاضرا هنا إن غبت”.

اقرأ ايضاً
الصراع بشأن "تيك توك".. ما أوراق الصين لمواجهة حصار واشنطن وحلفائها للتطبيق؟

ولبرهة من الزمن استعاد هلسي وأصدقاؤه المقدسيون شيئا من ذكريات طفولتهم التي عاشوها مع شيرين ابنة مدينتهم، وقال إنها “كانت ذات وجه طفولي بريء وشعر طويل..”.

مزار وشاهد على الجريمة

وفي المكان أيضا كل شيء ينبض مذكرا بشيرين، اليافطات الضخمة واللوحات التذكارية وبطاقات التعزية والنقوش على جذع الشجرة التي حملت أسماء مدن وبلدات من زاروا المكان من فلسطين والعالم أيضا.

وزيادة في تثبيت ذاكرة المكان رسم الفنان التشكيلي محمد الشلبي (ابن مخيم جنين) جدارية شيرين الأولى بُعيد استشهادها بقليل على الجدار الذي سقط جسدها قربه، ولا تزال تأسر بألوانها الجذابة وعمق فحواها كل من ينظر إليها.

وبين عبارات خطها الصغار قبل الكبار في المكان الذي أصبح مزارا تظهر أيضا لوحة رسمت بالفحم وخُطت عليها كلمات “ماتت من لا تستحق الموت على يد من لا يستحق الحياة”.

أما أكاليل الورد فهي حكاية أخرى، فلا يكاد يجف بعضها حتى يمتلئ المكان بأخرى جديدة، وبعضها ورود متفرقة يحضرها أهالي المخيم من منازلهم.

12 5
الفنان محمد الشلبي أمام جدارية رسمها لشيرين في مكان استشهادها (الجزيرة)

معلم وطني

ولا يسأم المارون من أمام “صرح شيرين” من الوقوف عنده وتأمل المكان، وبينما يكتفي البعض بالنظر من داخل مركبته والتصوير من بعيد يترجل آخرون ويتفقدون الموقع، خاصة مكان الرصاصات التي أحدثت أثرا في جذع الشجرة، وآخرون يلتقطون صورا لهم.

ورغم مرور 100 يوم على اغتيال شيرين أبو عاقلة فإن الزوار لم ينقطعوا، فرادى وجماعات، كأولئك الذين جاؤوا برفقة الشاب عدي عمار من مدينة طولكرم ضمن نشاط تعريفي بمدينة جنين وأبرز معالمها، فاصطحبهم إلى صرح شيرين باعتباره مكانا ومعلما وطنيا له رمزيته الخاصة، كما يقول عمار.

ويضيف للجزيرة نت “جئنا أكثر من 50 شابا وفتاة لنرى موقع الجريمة التي اقترفها الاحتلال ولا يزال ضد الصحفي الفلسطيني”.

وبينما كنا نغادر قال أحدهم لمجموعة جاءت لزيارته إن هذا المكان رمز لجنين ومخيمها الذي أحبته شيرين أبو عاقلة، وسيظل الشاهد الحي الذي يخاطب العالم بحثا عن حقيقة اغتيالها التي ينكرها الاحتلال.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى