إعلان سياسي جديد في السودان.. هل يُحدث اختراقا في المشهد المعقّد؟
الخرطوم- بعد مشاورات استمرت يومين، أجازت قوى “الحرية والتغيير-مجموعة التوافق الوطني” في السودان الإعلانين الدستوري والسياسي لإدارة الفترة الانتقالية.
والإعلان السياسي الجديد -أو ما وصف بـ”إعلان سياسي للحكم المدني الديمقراطي”- ينص على تشكيل جسم سيادي لإدارة فترة انتقالية تتفق عليها الأطراف؛ قوبِل بتساؤلات حول قدرته على إحداث اختراق في المشهد السوداني المعقّد، قياسا بمدى تجاوب بقية المكونات والأطراف مع نصوصه.
وبجانب قوى “التوافق الوطني” المشاركة في السلطة بموجب اتفاقية سلام جوبا، وقعت على الإعلان أمس الثلاثاء قوى أهلية ومجتمعية، على رأسها تنسيقية شرق السودان، والمجلس الأعلى لنظارات البجا، والعموديات المستقلة، وتنسيقية وسط السودان، علاوة على أعضاء بلجان المقاومة.
وينص الإعلان في أبرز بنوده على إجراء تعديلات واسعة على الوثيقة الدستورية (المرجعية الأساسية للفترة الانتقالية منذ 2019)، والاستعاضة عن قوى “الحرية والتغيير-مجموعة التوافق الوطني” بقوى “التوافق الوطني” في كافة بنود الوثيقة، التي جمّد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان العمل بمعظم موادها في إجراءاته العسكرية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وكانت قوى المجلس المركزي تمثل الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية المعزولة بقيادة المدنيين.
ونص الإعلان الجديد بالإبقاء على علاقة متزنة بين المدنيين والعسكريين، وتكوين مجلس تشريعي قوامه 400 عضو يراعى في اختيارهم التنوع الثقافي والعرقي والجغرافي.
ومن ضمن التعديلات التي أدخلها الإعلان على الوثيقة الدستورية النص الخاص بمنح قوى التوافق الوطني سلطة إعفاء رئيس الوزراء بدل المجلس التشريعي، وحذف المادة (20) التي تحظر ترشح شاغلي المناصب الدستورية في الانتخابات المقبلة.
اختراق في الساحة السياسية
يرى القيادي في قوى التوافق الوطني نور الدائم طه أن الإعلان الموقع يمكنه إحداث اختراق حقيقي في الساحة السياسية. وقال للجزيرة نت إن قوة الإعلان تتمثل في عدة نقاط أهمها: مخاطبة القضايا التي تشغل بال الشارع السوداني، وصياغته على يد كتلة معتبرة تمثل روح الثورة بما في ذلك لجان المقاومة.
وبشأن التفسيرات التي قالت إن العسكر يقفون وراء الإعلان الموقع، أبان طه بأن النص بالإبقاء على علاقة متزنة مع العسكر جاء من باب الحرص على استقرار الفترة الانتقالية.
وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أعلن انسحاب العسكر من العملية السياسية لإفساح المجال أمام المدنيين للتوافق على تشكيل حكومة، يقع على عاتقها إدارة الفترة الانتقالية.
التواصل مع القوى السياسية
وفي دفاعه عن الإعلان، قال طه إنه يتسم بالمرونة، مستدلا بتركه قضية جوهرية مثل “تكوين جسم سيادي” للتوافق بين القوى السودانية، بما في ذلك أمر تسمية الجسم وقائده، علاوة على تفصيل مهامه واختصاصاته.
وعن شكل العلاقة بين قوى التوافق الوطني وقوى المجلس المركزي، أكد طه أنهم بصدد الدعوة لمؤتمر “مائدة مستديرة”، يضم كافة الفرقاء السودانيين لدراسة كافة المبادرات والإعلانات الخاصة بإدارة فترة الانتقال.
من جانبه، قلل القيادي بتحالف “الحرية والتغيير-المجلس المركزي” شهاب إبراهيم من الإعلان الدستوري الخاص بمجموعة التوافق الوطني، وعده مدخلا لمزيد من التعقيد في الساحة السياسية.
وتحدث إبراهيم للجزيرة نت عن وجود تعارض واضح بين رغبات الشارع السوداني ودعوة الإعلان بالإبقاء على الشراكة بين المدنيين والعسكر، وإفساح المجال أمام قادة المكون العسكري للمشاركة في الانتخابات المقبلة. ونوه إلى أن أي إعلان دستوري لا يعبر عن رغبات السودانيين مصيره الفشل المحتوم.
معضلة الشرق
وبمجرد صدور الإعلانين الدستوري والسياسي، سارع قادة في اتفاق “مسار شرق السودان” للاعتراض على مخرجات لقاء قاعة الصداقة بالخرطوم.
ووقعت الحكومة الانتقالية المعزولة وقادة الحركات المسلحة في أكتوبر/تشرين الأول 2020 في جوبا على اتفاق سلام يمهّد لمشاركة الحركات المتمردة في اتفاقيات تقاسم الثروة والسلطة، وينهي التهميش الذي تعانيه بعض الأقاليم السودانية ببروتوكولات خاصة (مسارات).
وكانت أبرز نقاط الاعتراض التي دفع بها رئيس اتفاق مسار الشرق الأمين السياسي للجبهة الثورية خالد شاويش تلك الخاصة بتجميد المسار وإشراك قوى أهلية تجاهر بمناهضته (مجلس نظارات البجا).
ورأى أن ما جرى في قاعة الصداقة نكوص خطير عما تم التوافق عليه في اتفاق جوبا للسلام، مما يفتح الباب واسعا أمام نسف الاتفاق برمته.
وعاد نور الدائم طه ورد على تلك الاتهامات بالقول إنهم لم يطالبوا بتجميد المسار، ولكنهم مع تطويره ليلبي مطالب كافة أهالي شرق السودان. وقال إن على شاويش النظر إلى الموضوع بروح وطنية وبمنأى عن التحيزات القبلية.
“منحاز للعسكر”
وفي ظل الاعتراضات المثارة على الإعلان، يبرز تساؤل عن القيمة المضافة التي يمكن أن يضفيها على المشهد. ويجيب المحلل السياسي محجوب عثمان بأن الإعلان لن يكون ذا أثر كبير في الساحة “لكونه منحازا للعسكر”، كما أنه لا يحظى بقبول ومباركة قطاع واسع منخرط حاليا في المناداة باستعادة الحكم المدني.
وتساءل عثمان في حديث للجزيرة نت: كيف سيجد الاتفاق مباركة من السودانيين وهو يتعمد إقصاء قوى المجلس المركزي بإحلال قوى التوافق الوطني محلهم في كل بنود الوثيقة الدستورية؟
بدوره، قال المحلل السياسي جمعة آدم للجزيرة نت إن الاتفاق يعزز الوضعية السياسية لقوى التوافق الوطني، وقدرتها على موازنة الكفة مع قوى المجلس المركزي من خلال إبداء القدرة على الحشد وتقديم الرؤى والأطروحات السياسية.