اقتصاد

السعودية والصين.. علاقات اقتصادية متنامية واتفاقيات ثنائية بـ50 مليار دولار

ترتبط السعودية والصين بعلاقات اقتصادية قوية، ولا سيما في مجال الطاقة، إذ تعد المملكة أكبر شريك لبكين في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أنها المصدر الأول للنفط بالنسبة للصين متفوقة على روسيا الجارة الشمالية والشريك الإستراتيجي لبكين.

وقد شهدت العلاقات بين الرياض وبكين تطورا لافتا انعكس بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، إذ أسهم هذا التعاون في وصول حجم التبادل التجاري بين السعودية والصين إلى 87.3 مليار دولار في 2021.

وبدأت العلاقات بين البلدين منذ 80 عاما، وشملت أوجه تعاون مختلفة في شكل علاقات تجارية بسيطة واستقبال الحجاج الصينيين، وصولا إلى شكلها الرسمي عام 1990 بعد اتفاق البلدين على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما وتبادل السفراء وتنظيم اجتماعات على المستويات السياسية والاقتصادية والشبابية.

Saudi King Salman bin Abdulaziz shakes hands with Chinese President Xi Jinping in Riyadh, Saudi Arabia December 8, 2022. Saudi Press Agency/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY
الملك سلمان (يمين) والرئيس الصيني شي جين بينغ بعد توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين أثناء زيارة الأخير إلى السعودية في ديسمبر/كانون الأول الجاري (واس)

واتسمت العلاقات السعودية الصينية بالتميز الكبير الذي انعكس إيجابا على تعزيز التعاون بين البلدين، والتماشي مع التطور الذي يشهده العالم من حيث تنفيذ بنود الاتفاقيات التي تقوم عليها العلاقات أو تطويرها لتتواءم مع متغيرات العصر.

الشريك التجاري الأول

وخلال العقود الماضية شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين التوقيع على العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات، سواء ما يتعلق باتفاقيات ثنائية بين الحكومتين أو اتفاقيات بين رجال الأعمال في البلدين، إذ ترتكز معظم صادرات المملكة إلى الصين على البترول.

واحتلت الصين مركز الشريك التجاري الأول للمملكة لآخر 5 سنوات، إذ كانت الوجهة الأولى لصادرات السعودية ووارداتها الخارجية منذ العام 2018، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الخمس الماضية (2017-2021) 1.2 تريليون ريال (320 مليار دولار).

وبلغ حجم التجارة البينية بين السعودية والصين في العام 2021 نحو 309 مليارات ريال (82.4 مليار دولار)، بزيادة قدرها 39% عن العام 2020، كما بلغ إجمالي حجم الصادرات السعودية إلى الصين 192 مليار ريال (51.2 مليار دولار)، منها صادرات غير نفطية بقيمة 41 مليار ريال (10.9 مليارات دولار).

ورغم العلاقات المتنامية بين البلدين فإن زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى الصين في 2017 شكلت نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، باعتبارها أول زيارة رسمية لملك سعودي إلى بكين، وجاءت عقب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض في 2016، وعلى هامش زيارة الملك سلمان لبكين وقع الطرفان اتفاقيات بأكثر من 65 مليار دولار.

وبحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، فقد استحوذت المملكة على أكثر من 20.3% من استثمارات الصين في العالم العربي بين العامين 2005 و2020، والبالغة 196.9 مليار دولار.

وجاءت السعودية كأكبر الدول العربية استقبالا للاستثمارات الصينية خلال تلك الفترة بنحو 39.9 مليار دولار.

كما بلغت قيمة الاستثمارات السعودية في الصين 8.6 مليارات ريال، وجاءت المملكة في المرتبة الـ12 في ترتيب الدول المستثمرة في الصين حتى نهاية العام 2019.

والعام الجاري، أبدت 15 ‏شركة صينية رغبتها في الاستثمار في المملكة، والدخول في مشاريع الخصخصة لعدد من القطاعات الحكومية، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية.

وبدأت شركات صينية في تنفيذ مشاريعها، مثل شركة “شنغكونغ” (Shengkong) التي وضعت حجر الأساس لمصنع لمصابيح الإضاءة “إل إي دي” (LED) في مدينة الجبيل بقيمة تتجاوز 3.3 مليارات ريال (880 مليون دولار).

كما تم تدشين مشروع مصنع شركة “بان آسيا” (Pan Asia) الصينية في مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، باستثمارات قدرها 4 مليارات دولار.

وتستعد المملكة والصين لإطلاق مشروع شركة “سابك فوجيان” للبتروكيميائيات المحدودة، وهو مشروع مشترك يشمل معمل تكسير ذا سعة عالية وينتج عددا من المنتجات البتروكيميائية، وتقدر قيمة المشروع بـ22.5 مليار ريال (6 مليارات دولار).

وفي مجال الطاقة، احتفظت المملكة بصدارة إمدادات النفط إلى الصين في العام 2021، إذ ارتفعت الواردات الصينية من المملكة بنسبة 3.1% مقارنة بـ2020 وزادت حصتها إلى 17% من إجمالي الواردات، وفقا لبيانات الجمارك الصينية.

زيارات متبادلة واتفاقيات

وتعزيزا للعلاقات الاقتصادية بين البلدين تم تأسيس صندوق سعودي صيني، لدعم الشركات التقنية الناشئة في المملكة برأس مال يقدر بـ1.5 مليار ريال سعودي (400 مليون دولار) بشراكة بين “إي دبليو تي بي” (eWTp) الصينية المدعومة من قبل شركة “علي بابا” وصندوق الاستثمارات العامة، وبدعم من الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، بهدف الإسهام في دعم منظومة اقتصادية متينة للأعمال الرقمية في السعودية.

اقرأ ايضاً
مباحثات تجارية سعودية تركية بعد زيارة متوقعة لأردوغان

وفي مطلع العام 2016 وخلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للمملكة وقع البلدان 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين حكومتي المملكة والصين، منها مذكرة تعزيز التعاون المشترك في شأن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، ومبادرة طريق الحرير البحري للقرن الـ21، والتعاون في الطاقة الإنتاجية.

وتعززت العلاقات السعودية الصينية بشكل كبير في عام 2019 بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز إلى بكين، والتي ترأس خلالها الجانب السعودي في أعمال الدورة الثالثة للجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى.

وخلال الزيارة تم التطرق إلى التعاون المشترك بين البلدين، بالإضافة إلى بحث تعزيز أوجه التعاون في الجوانب التجارية والاستثمارية والطاقة والثقافة والتقنية، واستعراض آفاق الشراكة الثنائية بين الجانبين في نطاق رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق.

كما أقيم على هامش الزيارة منتدى الاستثمار السعودي الصيني الذي شهد مشاركة أكثر من 25 جهة من القطاعين الحكومي والخاص في المملكة، ونتج عنه توقيع 35 اتفاقية تقدر بأكثر من 28 مليار دولار أميركي، وتسليم 4 تراخيص لشركات صينية متخصصة في عدد من المجالات.

وشملت اتفاقيات التعاون الأخرى الموقعة خلال المنتدى مجالات القطاعات المستهدفة من قبل المملكة، مثل تطبيقات الطاقة المتجددة، ومنها اتفاقية التعاون بين الهيئة العامة للاستثمار، و”قولد ويند الدولية القابضة” الهادفة إلى تفعيل أطر التعاون والتشاور في مجال تطوير الاستثمار في توربينات الرياح الهوائية عن طريق تصنيع أجهزة التحكم الكهربائية، وهياكل المحركات الهوائية وشفرات التوربينات والمولدات الهوائية باستثمار يقدر بـ18 مليون دولار.

كما تم التوقيع على اتفاقيات تشمل كلا من صناعة البتروكيميائيات وتقنية المعلومات والبنية التحتية ضمن قائمة القطاعات الاستثمارية المستهدفة.

وجسدت زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2022 حرص الرياض وبكين على تعزيز العلاقات الثنائية، وشراكتهما الإستراتيجية واستثمار إمكاناتهما الاقتصادية، بعدما قفز التبادل التجاري بين السعودية والصين من 3 مليارات دولار عام 2000 إلى 87.3 مليار دولار عام 2021، ليتضاعف أكثر من 29 مرة خلال عقدين.

الفالح : السعودية تطرح أول مشاريع الطاقة المتجددة لتوليد ٩.٥غيغا واط الفالح : الرياض مازالت في المراحل المبكرة لدراسات الجدوى للمفاعلين النووين
الفالح: الاتفاقيات بين السعودية والصين شملت القطاعين العام والخاص (الجزيرة)

بدوره، قال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح إنه تم توقيع اتفاقيات وعقود استثمار بنحو 50 مليار دولار بين البلدين خلال زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة.

وأضاف الفالح في تصريحات لوكالة “بلومبيرغ” (Bloomberg) للأنباء أن الاتفاقيات تضم القطاعين العام والخاص.

وفي وقت لاحق، قالت وزارة الاستثمار السعودي إن هذه الاتفاقيات بين السعودية والصين فقط، وليس مع دول عربية أخرى حضرت القمتين الخليجية الصينية والعربية الصينية اللتين استضافتهما الرياض خلال زيارة الرئيس الصيني.

نسق متصاعد

وبحسب بيان لوزارة الاستثمار السعودية، فإن الشركات السعودية والصينية وقعت 30 اتفاقا في مجالات الطاقة الخضراء والخدمات اللوجستية والحوسبة السحابية والإسكان.

ويقول الخبير الاقتصادي السعودي محمد بن فريحان إن العلاقات التجارية بين البلدين تسير في شكل متصاعد، إذ إن بكين تمثل الشريك الرئيسي للرياض في التجارة السلعية، فيما تحتل المملكة المركز الأول كوجهة للاستثمارات الصينية الخارجية خلال النصف الأول من العام الحالي.

وعن الدلالات الاقتصادية لزيارة الرئيس الصيني للسعودية، يوضح الخبير الاقتصادي السعودي للجزيرة نت أن زيارة شي جين بينغ للسعودية تحمل مؤشرات إيجابية للبلدين، في ظل اضطرابات الاقتصاد العالمي وأزمة نقص الطاقة، لافتا إلى أنه وفقا لبيانات الجمارك الصينية فإن السعودية أكبر مورد للنفط إلى الصين، فهي منشأ 18% من إجمالي مشتريات الصين من النفط الخام.

unnamed file
محمد بن فريحان: زيارة شي جين بينغ للسعودية تحمل مؤشرات إيجابية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الرياض وبكين (وسائل التواصل الاجتماعي)

ويشير إلى أن العلاقات الثنائية شهدت قوة دفع كبيرة خلال السنوات الأخيرة، من خلال رفع مستوى العلاقات إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة وتأسيس اللجنة المشتركة الصينية السعودية رفيعة المستوى، وذلك من خلال زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض عام 2016، وزيارة الملك السعودي إلى الصين عام 2017، ثم زيارة ولي العهد السعودي لبكين في عام 2019.

ولفت محمد بن فريحان إلى أنه خلال زيارة الرئيس الصيني تم توقيع 34 اتفاقية استثمارية بنحو 50 مليار دولار، شملت عدة قطاعات في مجالات الطاقة الخضراء والهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية الكهروضوئية وتقنية المعلومات والخدمات السحابية والنقل والخدمات اللوجستية والصناعات الطبية والإسكان ومصانع البناء.

ويوضح أن الصين تصدر للمملكة الكهربائيات والمعدات والآلات الثقيلة والأثاث والمركبات والملابس والبلاستيك والحديد والصلب ومنتجات السيراميك والمطاط ومعدات الإنشاء الجاهزة والعديد من البضائع والسلع الأخرى، فيما يشكل النفط والصناعات الكيميائية واللدائن ومصنوعاتها والمطاط أبرز السلع السعودية المصدرة للصين.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى