لماذا طلب مدعي الجنائية مقابلة البشير؟ ولماذا يرفض قادة السودان؟
الخرطوم- أثار طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية، كريم خان، من السلطات السودانية إيصاله بالمتهمين الملاحقين بأوامر قبض جدلا لم يخلُ من استغراب بشأن دواعيه ومراميه، لا سيما أن المطلوبين محتجزون للتقاضي على ذمة بلاغات محلية.
وتطالب المحكمة الجنائية الدولية بتسليمها الرئيس المعزول عمر البشير واثنين من مساعديه: عبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون، بجانب عبد الله بنده، أحد قادة الجماعات المسلحة في دارفور، بموجب مذكرات توقيف صدرت بحقهم منذ عام 2009، على خلفية اتهامات بالتورط في جرائم حرب بإقليم دارفور غربي البلاد.
وللمرة الأولى منذ إحالة ملف دارفور للمحكمة الجنائية، يخاطب مدعيها مجلس الأمن من الخرطوم، مقدما تقريره حول الأنشطة التي قام بها خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني الماضي ومطلع أغسطس/آب الجاري.
واشتكى التقرير من عدم تعاون الحكومة السودانية مع المحكمة خلال الأشهر الأخيرة، في إشارة إلى أن النظام العسكري نكص عن التزامات قطعتها حكومة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، الذي كان وعد بتسليم المطلوبين والعمل الجدي مع المحكمة الجنائية لتحقيق العدالة.
تحديات إضافية
وذكر مدعي المحكمة -في تقرير قدمه لمجلس الأمن يناير/كانون الثاني الماضي- أن “الأحداث التي شهدها السودان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما ترتب عليها من انعدام الأمن والاستقرار، تشكل انتكاسة تطرح تحديات إضافية لعمل المحكمة في السودان”.
وأضاف كريم خان أن مكتبه اضطر لتعليق نشر فريقه في السودان وإيقاف جميع أنشطة التحقيق على الفور، مشيرا أيضا إلى أن “العديد من المحاورين والمنسقين الرئيسيين للمكتب لم يعودوا يشغلون مناصبهم في حكومة السودان”.
وشدد المدعي خان -خلال مؤتمر صحفي مساء أمس الأربعاء- مرارا على عدم تعاون السلطات مع مكتبه، إضافة إلى عدم السماح له بلقاء المطلوبين.
واعتبر عضو فريق الدفاع عن الرئيس السابق المحامي النذير الشيخ الطيب طلب المدعي العام أمرا مثيرا للغرابة، متسائلا عما يريده من المتهمين بعد أن أصدر بحقهم مذكرات توقيف سبقها بتوجيه اتهامات ذات صلة بجرائم حرب.
وقال الطيب للجزيرة نت “بعيدا عن موقف الحكومة، فهي لا تملك ما تمد به المحكمة، أما طلب المدعي لقاء المتهمين، فليس سوى استهلاك سياسي يوازي مذكرات التوقيف، التي كانت في الأساس مخلبا لأجندة معروفة”، وفق تعبيره.
ويشير المحامي النذير إلى توقيع الحكومة -في وقت سابق- اتفاق تعاون مع المحكمة الجنائية، لكن المدعي كما يقول “يحاول استغلال موضوع البشير لإرسال رسائل لضحايا الحرب في دارفور، بما يخدم أجندة المحكمة”.
لقاء غير مبرر
وفي دوائر هيئة محامي دارفور، يثير حديث المدعي عن طلبه التواصل مع المتهمين أيضا استفهامات واسعة، ويستغرب نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة الصادق علي حسن حديث كريم خان متسائلا: “لماذا يريد مقابلة البشير والمطلوبين؟”.
ويقول للجزيرة نت “ما دام هنالك أمر قبض ضدهم، وهو يمثل الاتهام، كان عليه التمسك بتنفيذ قرار التوقيف، وأن يطلب من المسؤولين تسليمهم وليس مقابلتهم، لكن أن يطلب لقاءهم فهو أمر غير مبرر ولا يستند إلى مرجعية قانونية سليمة”.
ورغم إصدار وزارة العدل بيانا -مساء أمس الأربعاء- ينفي تلقيها طلبا من مدعي الجنائية بشأن مقابلة المطلوبين، فإن المدعي كريم خان قال -في مؤتمره الصحفي- إن “أحد طلباتنا للتعاون هي الوصول للمطلوبين الثلاثة المحتجزين في السودان، وذكرنا في التقرير أننا لم نتلقّ ردا على هذا الطلب”.
وأضاف خان “وزير العدل (مولانا محمد سعيد الحلو) أخبرني أن محامي البشير رفضوا مقابلتنا، لكن نحن في انتظار تأكيد للرد على طلب رسمي للمساعدة في ما يتعلق بوضع السودان”.
وقال “هناك 4 أوامر قبض لا تزال سارية، و3 من المطلوبين محتجزون في السودان، مسؤوليتي هي الحصول على تعاون مع حكومة السودان، وأن تفتح الملفات للمدعي للاطلاع عليها. نحن نريد التشارك مع المحققين السودانيين ونضمن أن قضيتنا قوية لذلك طلبت مقابلة البشير”.
وتُناقض أقوال المدعي -بعدم تعاون الحكومة معه- تصريحات قادة الحركات المسلحة الذين التقاهم هذا الأسبوع في الخرطوم بالاستعداد لتسليم المطلوبين والدفع بمهام المدعي إلى الأمام لتحقيق العدالة.
وهو ما يفسره الصادق علي حسن بأن قادة الحركات لا يملكون من السلطة شيئا، وأن الحديث عن التعاون مع المحكمة بشأن التسليم لا يتجاوز التصريحات الإعلامية، مضيفا أنه “ليس بيدهم أي قرار”.
خلافات حول التسليم
وفي المقابل، يبدي الصحفي والمحلل السياسي علي الدالي قناعة بوجود خلافات داخل السلطة بشأن تسليم المطلوبين، سببها النكوص عن الالتزامات التي قطعتها الحكومة المدنية -بقيادة عبد الله حمدوك- وتبدل مواقف القادة العسكريين بعد “انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول”.
ويشير الدالي إلى أن إحاطة مدعي الجنائية لمجلس الأمن تزامنت مع تصريحات مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، بشأن التزامه بالتعاون مع المحكمة وتسليم المطلوبين. غير أن حديث المدعي اللاحق لكل هذه التطمينات، وفقا للدالي، يكشف عدم رضا المحكمة عن مستوى تعاطي السلطة الحاكمة مع الملف.
ويفسر الدالي -في حديث للجزيرة نت- نكوص السلطات عن تلك التعهدات بالتطور الذي أنتجه مثول أحد أبرز قادة المليشيات في دارفور، علي كوشيب، أمام المحكمة بعد أن سلم نفسه طوعا قبل نحو عامين؛ وهو ما يمكن أن يجعله “شاهد ملك” على ما حدث من انتهاكات في الإقليم الواقع غربي السودان خلال الفترات السابقة.
ويردف “ربما تُظهر التحقيقات نتائج تورط بعض أطراف السلطة الحاليين في ملفات الإبادة الجماعية، خاصة أن بعضهم كانوا قادة ميدانيين في أثناء النزاع في دارفور”.
ويقول المحلل إن كريم خان اختار طريق التفاوض مع السلطة رغم العراقيل التي يتحدث عنها باستمرار؛ فحين سُئل عن الخطوات التي يمكن أن تتخذها المحكمة في حال استمر تلكؤ الخرطوم، قال إنهم عازمون على مد حبال الصبر وإن المسؤولين ربما اقتنعوا لاحقا بتسليم المطلوبين.
بل ذهب المدعي إلى أبعد من ذلك، وفقا للدالي، حين بعث رسائل طمأنة للعسكر في السودان بأنه يتعامل الآن فقط مع أوامر القبض الأربعة ولا يرغب في فتح ملفات جديدة.
اضطراب الادعاء
ومن وجهة نظر المسؤول بهيئة محامي دارفور الصادق حسن، فإن تصرفات المدعي تشير إلى اضطراب قضية الاتهام وعدم تماسكها لحد عدم قدرته على تقديمها للمحكمة حتى الآن. كما أن التماسه مقابلة المطلوبين يكشف عن عدم قدرته على تقديم القضية بشكل أفضل “كمن يبحث عن أدلة بعد هذه السنوات الطويلة، وكان عليه أن يُبلغ مجلس الأمن برفض الخرطوم تسليم المطلوبين ليتخذ الإجراءات المناسبة ضد دولة عضو تمتنع عن الوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها، بموجب عضويتها في الأمم المتحدة”.
ويعتب المحامي على وفد المحكمة الجنائية -الذي التقاه في هيئة محامي دارفور قبل يومين- وكانوا يتنقلون بسيارات تابعة للقصر الرئاسي، محاطين بكل مظاهر السلطة.
وقال إنه “أمر لا يستقيم لممثلي الادعاء خاصة أن الطرف الذي يمدهم بهذه السيارات هو من يحتجز المطلوبين”، مضيفا أن “كل هذا يزيد قلقنا حيال إمكانية تسليم المطلوبين”.
وحسب المحامي، فإن وفد المحكمة لم يُجب على الأسئلة التي طرحتها هيئة محامي دارفور وشركاؤهم حول موقف البرهان من التسليم، وإذا ما كانوا طلبوا منه ذلك أم لا، ويردف “لا يبدو أن للمدعي رؤية أو تصور للمضي بشكل جدي في هذا الاتجاه”.