تونس.. فقدان السكر يدفع مصانع إلى الإغلاق وتسريح آلاف العاملين
تونس- تحت شعار “جيب السكر، معمل (مصنع) كوكاكولا سكّر” نفذ عمال مصنع المشروبات الغازية “كوكاكولا” في محافظة بن عروس (شمالي تونس) صباح اليوم الجمعة وقفة احتجاجية أمام مقر المحافظة بسبب إغلاق مصنعهم وتسريحهم جراء عدم توفر مادة السكر.
وتشهد تونس منذ أكثر من شهر أزمة فقدان عدة مواد أساسية مدعومة من الأسواق كالسكر والزيت النباتي والقهوة والدقيق والطحين والأرز، مما دفع عدة مقاه ومصانع إلى الإغلاق، مع تحذيرات من أزمة اجتماعية حادة جراء الارتفاع الكبير في الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية للمواطنين.
يأتي ذلك في ظل أزمة سياسية خانقة تمر بها تونس منذ إعلان الرئيس قيس سعيّد يوم 25 يوليو/تموز 2021 إجراءات استثنائية، من بينها إقالة الحكومة وتعيين خلف لها، وحل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، وتمرير دستور جديد بعد إجراء استفتاء في 25 يوليو/تموز الماضي، وتحديد 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل موعدا لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
ويبلغ الحجم السنوي للاستهلاك الوطني من مادة السكر 365 ألف طن والمخزون الإستراتيجي 90 ألف طن، وتقدر حاجة السوق المحلي من هذه المادة بألف طن يوميا، وفق تصريح المدير العام السابق للديوان التونسي للتجارة صلاح اللواتي في مايو/أيار الماضي.
تسريح العاملين
ويشغّل مصنع كوكاكولا أكثر من ألفي عامل بشكل مباشر وغير مباشر، لكن عدد من تضرروا جراء فقدان السكر في كافة مصانع محافظة بن عروس بلغ 6 آلاف عامل بشكل مباشر، و24 ألفا بشكل غير مباشر، بحسب سهيل بوخريص كاتب عام الفرع الجامعي للسياحة والتجارة والصناعات الغذائية والصناعات التقليدية في بن عروس.
ويوضح بوخريص للجزيرة نت أن إنتاج مصنع كوكاكولا اليومي يتطلب 60 طنا من السكر، في حين لا يحصل إلا على 30 طنا، مشيرا إلى أن أزمة تزويد المصنع بهذه المادة بدأت منذ يوليو/تموز الماضي، وشملت أيضا مصانع الشوكولاتة والبسكويت الموجودة بالمحافظة والتي تعتمد في إنتاجها أساسا على السكر.
ويضيف أن مصنع بسكويت “سيدة” -الذي يحتاج 40 طنا يوميا من السكر- لم يتمكن في الأيام الأخيرة إلا من الحصول على 5 أو 10 أطنان يوميا، مما دفعه إلى الإبقاء على العاملين المثبتين فقط والاستغناء عن الآخرين.
ويوضح بوخريص أن الديوان التونسي للتجارة التابع لوزارة التجارة هو الطرف الوحيد المخول باستيراد السكر وبيعه لأصحاب المصانع الكبرى “مما يعني عدم وجود أي طرف آخر يحتكر هذه المادة الأساسية”.
وبرأيه، فإن أزمة فقدان السكر بدأت منذ فترة مع “قدوم بواخر تحمل شحنات مستوردة من هذه المادة، ولكنها عادت أدراجها جراء عدم سداد تكاليفها، وهي معلومة مؤكدة”، وفق تصريحه.
وقد التقى ممثلون عن عمال مصنع كوكاكولا محافظ بن عروس الذي اتصل خلال الاجتماع بوزيرة التجارة، ووعدا المحتجين بتوفير كمية السكر التي يحتاجها المصنع للعودة للعمل والإنتاج.
اختلال في التزويد
وكان مدير عام الديوان التونسي للتجارة إلياس بن عامر أكد في تصريح إذاعي مطلع يوليو/تموز الماضي توفر السكر، لافتا إلى أن الاستهلاك الصناعي والأسري لهذه المادة يتراوح بين 700 وألف طن يوميا، وأنه تم تسجيل “اختلال في التزويد جراء خلل في إنجاز عقد مزود من الخارج لم يجلب الكميات في الوقت المحدد رغم سداد قيمتها”.
وتحدث بن عامر عن رسو باخرة في ميناء صفاقس محملة بـ18 ألف طن من السكر، وأخرى ستصل محملة بـ30 ألف طن، وعن توفير الشركة التونسية 7 آلاف طن يوميا من السكر في باجة (شمال غربي البلاد).
من جانبه، يرى رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي أنه لا توجد أزمة فقدان السكر، وإنما هناك اضطراب في مسالك التوزيع بين مختلف مناطق البلاد.
وأضاف الرياحي -في حديث للجزيرة نت- أن الديوان التونسي للتجارة -وعلى غرار وزارة التجارة- أكد توفر مادة السكر بكميات معقولة في المخازن، وأن الإشكال “يقتصر على اضطراب في التزود بها فحسب”.
وكانت وزارة التجارة قد أعلنت في 16 يوليو/تموز الماضي “توفر السكر بالكميات الكافية لتلبية جميع الحاجات في مختلف الجهات، وأنه يتم العمل على إحكام توزيعها ومراقبتها بهدف ضمان التزويد المنتظم للسوق من هذه المادة، وذلك تبعا لما تم تسجيله من ضغوطات في تزويد بعض المناطق بمادة السكر المدعوم الموجه للاستهلاك العائلي”.
ووفق الرياحي، فإن أزمة التزود بالسكر تعود إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد التونسي، مستبعدا صحة ما يروج عن عدم وجود سيولة لتوفير هذه المادة “خاصة أن المصانع تحتاج كميات معينة ونوعية مختلفة من السكر، لذلك فإنها تمر باضطراب في التزود”.
ولإيجاد حل لهذه الأزمة يرى رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك ضرورة وضع حد لمشاكل مصانع السكر في تونس في كل من محافظتي بنزرت (الشمال الشرقي) وباجة، والتوجه إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المادة، والتفرقة بين ما يستخدم منها صناعيا ومنزليا “حتى يذهب الدعم لمستحقيه وللقضاء على اللوبيات التي تسيطر على هذه المادة”.