اخبار العالم

ألمانيا لانسحاب عسكري من «الساحل الأفريقي» على خطى فرنسا وبريطانيا

بعد أسبوع فقط من إعلان فرنسا رسمياً إنهاء عملية «برخان»، آخر وكبرى عملياتها العسكرية في دول الساحل الأفريقي، رجحت تقارير ألمانية إقدام برلين على خطوة مماثلة بسحب ما تبقى من قواتها في مالي، لتنهي بذلك وجودها العسكري في تلك المنطقة التي تشهد نمواً مضطرداً لأنشطة الجماعات الإرهابية، ولتلحق بنظيرتيها الأوروبيتين؛ بريطانيا وفرنسا.
وأفاد تقرير لوكالة الأنباء الألمانية أن الحكومة الألمانية تواصل درس سحب قوات الجيش الألماني من مالي، ورغم النفي الرسمي من جانب وزارة الدفاع الألمانية اتخاذ قرار نهائي في هذا الصدد، فإن نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، فولفجانج بوشنر، أبقى الباب مفتوحاً أمام التكهنات عندما أشار في تصريحات صحافية إلى أن «التشاور لا يزال جارياً في الحكومة»، مضيفاً: «لا أريد أن أستبقه هنا بتكهنات».
وكانت محطة «إن – تي في» التلفزيونية ذكرت استناداً إلى دوائر حكومية أن ديوان المستشارية ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية توصلوا إلى اتفاق مبدئي حول انسحاب الجيش الألماني من مالي في موعد أقصاه نهاية 2023.
وذكرت المحطة أنه من المنتظر اتخاذ قرار نهائي بشأن استمرار المهمة الألمانية في مالي، منتصف الأسبوع المقبل، خلال اجتماع لكبار الساسة، يشارك فيه المستشار أولاف شولتس، ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، ووزيرة الدفاع كريستينه لامبرشت.
وتتعرض الحكومة الألمانية لانتقادات داخلية متصاعدة من جانب نواب وسياسيين، يعتقدون في عدم جدوى للوجود العسكري الألماني في دول الساحل، ويطالبون بسحب فوري لما تبقى من تلك القوات، ومعظمهم من المشاركين في مهمة «مينوسما» التي تقودها الأمم المتحدة حالياً، وتشير تقديرات إلى مشاركة ألمانيا فيها بنحو 1200 جندي يتمركزون في مالي.
كانت الخارجية الألمانية أعربت في فبراير (شباط) الماضي عن رفض برلين مشاركة جيشها في مهام قتالية في دول الساحل الأفريقية، وجاء الرفض رداً على مطالبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدول الأوروبية بـ«مشاركة أكبر في مكافحة التطرف الإسلامي في منطقة الساحل الأفريقي»، موضحاً أن «ما يحدث في هذه المنطقة ليس مهماً فقط لسكانها، لكن أيضاً للأمن الأوروبي». وأشار وزير الخارجية الألماني آنذاك، هايكو ماس، إلى أن الجيش الألماني يشارك بالفعل في مهمة تدريبية، وفي مهمة تابعة للأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي، وقال: «هذا جهد كبير ومهمة خطيرة، ولا ننوي المشاركة في مهمات أخرى في الوقت الحالي».
وكان البرلمان الألماني (بوندستاغ) أصدر مطلع العام الحالي قراراً تضمن نوعاً من «الانسحاب المشروط» من المهام العسكرية في منطقة الساحل، وأشار خلال مناقشة التمديد الدوري لتفويض الجيش الألماني «بوندسفير» ضمن مهمة «مينوسما» إلى أنه «إذا لم تعد رعاية وحماية الجنود الألمان مضمونة بشكل كافٍ، فينبغي اتخاذ تدابير لتعديل المساهمة الألمانية، بما في ذلك إنهاء المهمة».
وانتقد برلمانيون ألمان استمرار الوجود العسكري لبلادهم في مالي ودول الساحل المجاورة بغرب أفريقيا، في ضوء التطورات الأخيرة، وتصاعد التوتر مع القوى الأوروبية الموجودة بالمنطقة. وقالت سيفيم داغديلين، عضوة البرلمان الألماني، والمتحدثة في شؤون العلاقات الدولية ونزع السلاح في كتلة حزب اليسار، في تصريحات إعلامية سابقة بشأن الوجود العسكري في منطقة الساحل الأفريقي، إن «نشر القوات المسلحة الألمانية يتحول أكثر وأكثر إلى كارثة تامة، إذ لم يتم تأمين سلسلة الإنقاذ، ولا تأمين الحماية الكافية من الجو»، مضيفة: «مواصلة ترك الجيش الألماني هناك هو عمل غير مسؤول».
وتكررت الخلافات في الفترة الأخيرة بين الحكام العسكريين في مالي ومهمة «مينوسما» الأممية، كما أعلنت بريطانيا مؤخراً سحب جنودها من مالي، وبررت ذلك بتنامي القلق حيال التعاون العسكري بين مالي وروسيا.
وأعلن الرئيس الفرنسي، ماكرون، الأربعاء الماضي، رسمياً انتهاء العملية العسكرية التي تقودها بلاده في منطقة الساحل، وقال: إن الاستراتيجية الفرنسية الجديدة في أفريقيا ستكون جاهزة في غضون 6 أشهر بعد مشاورات باريس مع شركائها في القارة.
وشهدت مالي 3 انقلابات عسكرية خلال السنوات العشر الماضية، وتولى الحكم في البلاد حكومة انتقالية عسكرية منذ آخر انقلاب في مايو (أيار) 2021.
وتزايد العداء للوجود الأوروبي عموماً، وللدور الفرنسي على وجه الخصوص، بين سكان دول الساحل، وساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في إذكاء الغضب الشعبي من وجود القوات الأوروبية.
ويخشى الأوروبيون مع تكرار عمليات الانسحاب من منطقة الساحل من ترك المجال مفتوحاً أمام النفوذ الروسي في مالي، في حين يتهم الغربيون المجلس العسكري الحاكم في مالي بـالاستعانة بمجموعة «فاغنر» شبه العسكرية الروسية، وهو ما يعتبره الخضر عبد الباقي، الباحث السياسي النيجيري المختص في الشؤون الأفريقية، من التحديات والإشكالات المهددة للوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء؛ حيث يبرز عدم التوافق في رؤى كثير من دول المنطقة في التعامل مع القضايا الأمنية واستراتيجيات مقاربتها، الأمر الذي يجلب تنافساً كبيراً بين القوى الدولية الكبرى في أفريقيا وفي منطقة الساحل والصحراء على وجه الخصوص، فرغم اتفاق الأطراف جميعها والدول المعنية في المنطقة على المخاطر الأمنية المهددة لها ولاستقرارها، فإن أسلوب التعاطي وطرق المواجهة يتسم أحياناً بالتناقض والتحفظ ومحل رفض لدى بعض الدول المعنية في الساحل والصحراء نفسها.
ويضيف: «العمليات المدعومة من قبل قوات أجنبية، سواء تحت مظلة الأمم المتحدة أو المبادرات الأوروبية والفرنسية خاصة، لم توقف المخاطر والتهديدات الأمنية بشكل نهائي، بسبب غياب المشاركة الحقيقية الفاعلة للجيوش الوطنية، إضافة إلى عدم امتلاكها قدرات ومهارات قتالية في مستوى التهديدات والتحديات الفعلية التي تواجه هذه الدول، سواء كان مصدرها شبكات التهريب أو الجماعات الإرهابية».
ويطالب عبد الباقي بضرورة إيجاد بديل وطني للقوات الأجنبية العاملة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، علاوة على زيادة مستوى التنسيق الأمني المحلي بين الدول المعنية بأمن تلك المنطقة.
في المقابل، يعتبر بهاء محمود، الباحث المختص بالشؤون الأوروبية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الانسحاب المتوقع للقوات الألمانية، وقبلها القوات الفرنسية والبريطانية، «مسألة منطقية» في ضوء المتغيرات المحيطة بظروف عمل تلك القوات، وتنامي المشاعر العدائية تجاه وجود القوات الأجنبية الأوروبية في غرب أفريقيا، باعتبارها رمزاً للاستعمار القديم.
ويضيف أن تعارض المصالح الأوروبية يدفع كذلك بتفكك أي عمليات مشتركة بين تلك الدول، ففرنسا هي القوة الأساسية صاحبة المصالح الكبرى في الغرب الأفريقي، وبالتالي كان لها الحضور العسكري الأقوى والأكبر عدداً، وبالتالي عقب انسحاب فرنسا، فإنه يبدو من الصعب أن تتحمل ألمانيا صاحبة الحضور الرمزي عسكرياً، والتي لا ترتبط بمصالح كبيرة في منطقة الساحل، عبء الاستمرار في منطقة لا تبدو مرحبة بالوجود الأوروبي.
وحول إمكانية تشكيل قوة أوروبية مشتركة يمكن أن توجد في المنطقة للحد من التمدد الروسي في المقام الأول، وبعض القوى الأخرى مثل تركيا بدرجة أقل، استبعد محمود قدرة الأوروبيين في الوقت الراهن على اتخاذ أي خطوات موحدة، بالنظر إلى التباين العميق، حتى الصراع أحياناً حول شبكة المصالح في كثير من المناطق، سواء داخل أوروبا، أو في أفريقيا والشرق الأوسط.
وتابع القول إن الحضور الروسي في منطقة الساحل وغرب أفريقيا بات حقيقة واقعة، بل محل ترحيب من قوى أفريقية عدة، نظراً لعدم ارتباط الروس ومثلهم الصينيون بتاريخ استعماري يثير حفيظة شعوب تلك المنطقة، علاوة على أن الدعم الروسي عبر شركة «فاغنر» لا يمر بتعقيدات سياسية وعسكرية حتى حقوقية، كتلك التي تفرضها القوى الأوروبية عند التعامل مع الدول الأفريقية، كما أن تركيا تتمدد في صمت بتلك المنطقة، سواء عبر دور ديني نشط، أو وجود دبلوماسي وتجاري مكثف، تترجمه زيادة عدد البعثات الدبلوماسية التركية في أفريقيا من 12 بعثة فقط قبل بضعة أعوام إلى 46 بعثة حالياً.

اقرأ ايضاً
أكثر من ثلث اللاجئين الأوكرانيين في ألمانيا يتمنّون البقاء دائماً

منبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى